يعيش مدنيون سوريون حياة صعبة، نتيجة انقسام بين السياسيين والعسكر، واستمرار
الثورة في طريقها "المجهول"، مما جعلهم ضحايا ضعف التنسيق وازدواجية الخطاب السياسي داخل البلد.
وقالت مديرة إحدى مدارس ريف حلب الشمالي "أم محمد"، لـ"
عربي21": "لم نعد نفهم ما يحدث، هل هنالك عملية تفاوض للوصول إلى حل سياسي كما يدعي المجتمع الدولي، وكما تدعي المعارضة السياسية؟ أم إننا وكما يقول العسكر مستمرون بالقتال حتى آخر دم قطرة سورية، ولن نرضى إلا بسقوط
النظام؟ أم إن الأمر ليس هذا ولا ذاك، وملخص الموضوع أننا نحن ضحايا لا قيمة لهم فيما يستمر الصراع بهدف الوصول إلى كرسي السلطة".
وأضافت، "أم محمد": "لدينا مشكلة كبيرة في مفهوم الثورة وما وصلت إليه، ولا أبالغ لو قلت إن نسبة لا تزيد عن الخمس ممن يدعون الثورة على النظام ثوار والبقية ليسوا سوى من المنتفعين، فمن دأب على استجلاب الدعم المالي الخارجي على مدى سنوات لقتال النظام، وقام بتصوير الفيديوهات الخلبية لمعاركه الوهمية شهورا طويلة، وصولا إلى الثراء دون أن يقوم بمحاربة النظام الذي ارتكب أبشع الجرائم بحق السوريين بشكل جدي حقيقي، هو من أوصلنا عسكريا للحالة التي نحن عليها اليوم، فأين المناطق التي حررها الشهداء الأوائل؟ لقد عادت للنظام، وها نحن اليوم نهرب من بلدة إلى بلدة خشية الموت".
تعتقد "المربية" التي عايشت أيام الثورة السورية يوما بيوم منذ بدايتها، أنها كانت ثورة نقية نظيفة ذات يوم "لكنها اليوم باتت حرباً تهدف للثراء والسلطة كلاهما أو أحدهما باستثناء بعض الصادقين، وبعد أن نادى الثوار الأوائل بــ "لا للسلطة ولا للجاه"، أصبح هذان الهدفان هما الأساس، وللأسف بعد خمس سنوات ترى السياسيين يغردون باتجاه والعسكريين يغردون باتجاه آخر، بحسب وصفها، فإما التنسيق معدوم فيما بينهم أو أنهم متفقون على اللعبة ويريدون استمرارها بعد أن أعجبتهم، على حد قولها.
وبلغ سوء الأحوال التي يعيشها السوريون مبلغا لا يحتمل، وذلك بعد أن تمت شرعنة القتل في مختلف أرجاء البلاد.. بحسب ناشطين، إذ يرى كثير من الناشطين أن النظام كان يرتكب الانتهاكات والجرائم ويتعرض لإدانة دولية تشبه المجاملة، أما اليوم وتحت تسمية الحرب على الإرهاب بات قتل السوريين شرعيا.
الممرض الميداني "أحمد.ر" قال لـ"
عربي21": "كل يوم نعالج عشرات الجرحى ونفشل في إنقاذ آخرين، طوال النهار والليل لا نرى سوى لون الدماء، ومازال المجتمع الدولي يتحدث عن محاربة الإرهاب، أعتقد أن الصمت الدولي على قتلنا اليومي هو الإرهاب الحقيقي والذي يمارس علينا نحن فقط".
وأضاف: "كل الأطراف شريكة في قتل السوريين على اختلاف توجهاتهم وإثنياتهم وطوائفهم، حتى أولئك الذين يطلقون على أنفسهم صفة معارضة النظام ويتبجحون على الشاشات التلفزيونية، هؤلاء هم أصل الفشل الذي لحق بانتفاضة السوريين، فهم دائمو الكذب على الناس، يقولون شيئاً ويقومون بأشياء تنافي ما قالوه، يحرضون على شيء ويستنكرونه في الوقت نفسه".
ويشرح الممرض الشاب: "في الخطاب الموجه للداخل ترى هؤلاء السياسيين يبثون التحريض الواضح على الاستمرار في القتال ومقارعة النظام حتى آخر سوري، حتى أن أحدهم طالب الحكومة التركية بتشكيل جيش من أبناء اللاجئين السوريين لقتال النظام، وتراهم يصرون على الاستمرار ولو مات كل السوريين لاسيما أن من يموتون ليسوا أبناءهم".
وزاد الممرض قائلا: "أما في المحافل الدولية من جنيف إلى
باريس إلى فيينا فتراهم يتقاتلون ويكيدون لبعضهم كيدا، والهدف هو حجز مقعد على طاولات التفاوض، بل الأصح حجز فندق في المدن الأوروبية، وهناك يقدمون كل فروض الطاعة والتذلل ويستخدمون دماءنا حبرا لتوقيع التنازلات، ويتبارزون من فيهم سيظهر سلميته وميله للحل السياسي والتفاوض ومن ثم التصالح مع النظام واقتسام السلطة معه، ترى هل مات مليون سوري من أجل التحرر من المستبد أم لأجل تغييره بآخرين أسوأ؟".