نشرت مجلة "سلايت" الأمريكية، في نسختها الناطقة بالفرنسية، تقريرا عن أسباب ما قالت إنه "تراجع" استقطاب
تنظيم الدولة للمقاتلين الأجانب، الذين يلتحقون بالتنظيم لمساندة قوات "الخلافة".
وقالت المجلة في تقريرها الذي ترجمته "
عربي21"، إن المكلف بالاستعلام في التحالف الدولي للحرب ضد تنظيم الدولة في
العراق وسوريا، بيتر إي غرستون، قال في مؤتمر صحفي مغلق بث من بغداد، إن "السحر انقلب على الساحر في الأسابيع الماضية، بالنسبة للخليفة المزعوم أبي بكر البغدادي".
وأضاف أن الخليفة يمر بظروف صعبة عسكريا في
سوريا والعراق، بسبب القصف المكثف في الأشهر القليلة الماضية، مؤكدا أن تنظيم الدولة "يمر بضائقة مالية حادة، وضعف اقتصادي كبير، ما أثّر مباشرة على عملية استقطاب الأجانب، الذين يطمحون بخدمة الخليفة والخلافة المزعومة، بل إن هناك من قرر الفرار من التنظيم"، على حد قوله.
ونقلت المجلة عن بيتر إي غرستون، الذي بدأ عمله في العراق في 21 أيار/ مايو 2015، قوله: "عندما وصلت؛ كان عدد
المقاتلين الأجانب الذين يلتحقون بالمعارك شهريا يتراوح بين ألف و500 وبين ألفي مقاتل، ولكن بعد الهجمة الشرسة التي استهدفتهم في الفترة الأخيرة، وبحسب تقديراتنا؛ فقد أصبح عدد من يلتحق بالتنظيم يقرب من 200 كل شهر، كما أننا سجّلنا حالات فرار عديدة بين صفوفه".
وأضاف بيتر: "نحن نشاهد عزائمهم المحبطة، وعجزهم عن دفع المستحقات المالية لمقاتليهم، وعجزهم عن الصمود في المعارك".
وقالت المجلة إن هذه الرؤية أكدها المركز الدولي لدراسة التطرف والعنف السياسي، ومقره بريطانيا، حيث ورد في تقرير له؛ أن عمل الخلية الإعلامية في التنظيم تراجع منذ كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وأن مقاطع الفيديو الموجهة لاستقطاب الأجانب "قلّت كثيرا".
ولاحظ التقرير الصادر عن المركز، أن عدد الصور الدعائية التي ينشرها التنظيم عن مقاتليه في الشرق الأوسط قد تراجع بشكل كبير، بعدما بلغت ذروتها في صيف 2015، "فبعد أن بلغ عدد الصور التي نشرها مقاتلو التنظيم على المواقع الاجتماعية من سوريا في صيف 2015 ثلاثة آلاف و762 صورة، فقد تراجع عدد الصور المنشورة بين شهري شباط/ فبراير ونيسان/ أبريل ليبلغ ألفين و750، ومنذ ذلك الوقت وهي في تراجع، ويرجح أنها وصلت إلى 2238 صورة الآن".
وقالت المجلة إن "لهذا التراجع دلالات كبيرة، فالتنظيم يأخذ دعايته الحربية على محمل الجد، ويراها ذات أهمية بالغة لاستقطاب الأجانب الغربيين، كما أنه يدل أيضا على اختفاء الموظفين العاملين في الدعاية للتنظيم، ربما بموتهم أو طردهم من الخدمة، وربما هم الآن يبحثون عن بديل عنهم".
وأضافت أنه "يصعب عرض تقييم حقيقي حول تأثير دعاية التنظيم على من يعيش خارج الخلافة المزعومة"، وقد نقلت عن وسيم ناصر، المتابع لنشاطات التنظيم في قناة "فرانس24" قوله في حوار له مع لوفيغارو، إن "سبب
تراجع الاستقطاب ليس غياب الدعاية الإرهابية، بل زيادة المراقبة على الحدود التركية، التي تُعد جذور ظهور المشكل"، على حد قوله.
وتابع: "لقد بنت تركيا جدارا في أجزاء مهمة على الحدود، وأصبح المرور في الاتجاهين أكثر صعوبة".
وأكد مؤلف مشارك في كتاب "
الدولة الإسلامية.. نظرة معمقة في الخلافة الجديدة"، المؤرخ أوليفياي هان، تأثير زيادة الرقابة على الحدود التركية في تراجع عدد الملتحقين بتنظيم الدولة من الأجانب، مشيرا إلى أسباب أخرى لهذا التراجع، أهمها "قلة الموارد في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم".
وقال إن "الصعوبات المالية واللوجستية أضرت بالتنظيم، كما أن الضربات الجوية الروسية أثرت بشكل مباشر وعميق على وضعه، فقد نشرت الخوف بين صفوف مقاتليه، كما أنها أثرت سلبا على الانتداب الأجنبي الذي عرف أدنى مستوياته منذ خريف 2014".
وأضاف هان أن "قوة التنظيم لم تتراجع بعد"، ويُقدّر أن "حالة قوات تنظيم الدولة في سوريا في تحسن منذ دخول شهر نيسان/ أبريل، غير أن الهزائم الأخيرة، كالتي وقعت في تدمر، جمّدت المشاعر، وأثرت سلبا على معنويات أفراده".
وقالت المجلة إن التنظيم لا يقاتل في الشرق الأوسط فقط، "فمجموعاته تنشط في ليبيا" مستغلة الفوضى التي تعاني منها.
ونقلت عن وسيم ناصر، قوله إن تنظيم الدولة في ليبيا هو "القبلة المفضلة لأغلب الأجانب"، فيما يرى المؤرخ أوليفياي هان الأمور من منظور مخالف، حيث قال إن "الوضع في ليبيا غير مستقر، وتصعب قراءته"، مضيفا أن "التنظيم يبقى في الوقت الراهن، سوريا عراقيا قبل كل شيء، وتنظيم الدولة الليبي في تراجع".
وأوضح هان أن تراجع عدد الملتحقين بالتنظيم من الأجانب "غير مطمئن، فمنذ الأحداث الدموية التي أقدمت عليها الخلية الفرنسية البلجيكية في باريس وبروكسل؛ أصبح الخوف يتملك الراغبين بالالتحاق بالتنظيم، ولكن هذا يعني أنه يمكن استقطابهم في شكل خلايا نائمة".
وتابع: "يجب أن لا ننسى فكرة أن تنظيم الدولة يخلط كل الأمور مع بعض، فهو يخسر الأرض، وخاصة في العراق، ما يجعله يلتفت للاستقطاب الداخلي.. ولن يخسر هذا التنظيم الحرب إلا إذا خُذل من قبل السكان المحليين".