من جديد، تطل "جمعية المشاريع الخيرية"، أو ما تعرف باسم "
الأحباش"، على الساحة السياسية
اللبنانية، لكن حضورها الجديد لم يختلف بأسلوبه أو بحجمه عن النمط القديم الذي لطالما اتبعته عند المحطات الانتخابية، فهي حافظت، على مشارف
الانتخابات البلدية، على عدد مرشحيها، وعلى شكل ونسق حملتها الانتخابية.
ويطلق اسم "الأحباش" نسبة إلى الشيخ عبد الله الهرري، المعروف بـ"الحبشي"، الذي أتى من الحبشة في إثيوبيا إلى لبنان في العام 1969.
وتناصب هذه الجماعة، صاحبة الفكر الصوفي الرفاعي، العداء للتيارات السلفية و"الأخوان المسلمين".
وكان الهرري قد تسلم "جمعية المشاريع الخيرية الإسلامية" حينما كانت تمر بفترة ركود طويلة، بعد أن قامت في الماضي ببعض الأعمال الخيرية. وقبل أن يتولى رئاستها الأحباش، تولى إدارتها كل من الشيخ مصطفى غلاييني، والحاج حسين العويني (أحد رؤساء وزراء لبنان السابقين)، والشيخ أحمد العجوز؛ الذي سلمها بدوره إلى الهرري، فصارت منطلقا للأحباش في المجالات الدينية والتربوية والاجتماعية، ثم السياسية.
فقد تولى رئاستها الشيخ نزار الحلبي الذي اغتيل في 31 آب/ أغسطس 1995 على أيدي مجموعات سلفية، وخلفه الشيخ حسام قراقيرة، الذي تلقى دروسه على يد الهرري. وبعد وفاة الأخير في 2 أيلول/ سبتمبر 2008، بايع "الأحباش" قراقيرة شيخا لهم.
ويمتلك الأحباش مؤسسات تربوية وإعلامية وصحيّة وشبابية عدة في لبنان والأردن، ومناطق انتشار الجاليات الإسلامية في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا.
ويحاول هذا التيار مجددا فرض حضوره "الرقمي" من خلال الانتخابات البلدية القادمة، وإثبات وجوده في الشارع السني، خصوصا بعد أن انكفأ في مرحلة ما بعد اغتيال رئيس الوزراء السأبق رفيق الحريري عام 2005، حيث كان لتحالفه مع النظام السوري وقعه في شارع سني محتقن آنذاك.
ووجهت الاتهامات ضد الأحباش من قبل قوى 14 آذار بأنهم "صنيعة" المخابرات السورية "وأداة" من أدواتها، لكن قيادة الأحباش تحاول حاليا نفي هذا التوصيف، والتأكيد على أنهم لم يستفيدوا من الوجود السوري، بالرغم من الدلائل التي تشير إلى عكس ذلك، ومنها منشوراتهم المؤيدة لفكر الأسد، وصور الأسد الأب والابن التي كانوا يلصقونها في شوراع بيروت، كما اشتهرت الجمعية بالاحتفال السنوي الذي كانت تقيمه بمناسبة عيد الجيشين اللبناني والسوري في الأول من آب/ أغسطس.
وكان تقرير المحقق الدولي ديتليف ميليس قد اتهم جمعية الأحباش بالتورط في اغتيال الحريري عام 2005. وجاء في التقرير أن "الشيخ أحمد عبد العال، وهو وجه معروف في جمعية الأحباش.. ثبت أنه شخصية ذات دلالة في ضوء علاقاتها بأوجه عدة من هذا التحقيق، خصوصا عبر هاتفه النقال الذي تبين أنه أجرى عبره اتصالات عدة بجميع الشخصيات المهمة في هذا التحقيق".
لكن الأخوين عبد العال أفرج عنهما بعد ثلاث سنوات لعدم كفاية الأدلة، واستقبلوا بحفاوة كبيرة في مقر الجمعية في منطقة برج أبي حيدر في بيروت.
وتخوض الجمعية، بحسب ما أعلنته، منافسات المجلس البلدي في بيروت بمرشّح، بثمانية مرشحين للانتخابات الاختيارية، كما أنها ستشارك بعضوين في اللائحة الائتلافية في بعلبك في البقاع ضمن سياق التفاهمات مع
حزب الله.
والإنجاز الانتخابي الأبرز لـلأحباش كان عام 1992، في ذروة الوصاية السورية، حيث تمكنوا من الفوز بمقعد في مجلس النواب (عدنان طرابلسي)، كما شاركوا في المجالس البلدية والاختيارية في عدد من مناطق التواجد السنّي، وخاصة في مدينة طرابلس.
وتبذل جمعية المشاريع جهودا لتنقية صورتها في الشارع السني، وقد عملت على ذلك منذ عام 2008، حيث أقامت إفطارا رمضانيا لتيار المستقبل. واللافت أنها خاضت اشتباكات ضد الحليف المقرب، حزب الله، عام 2010 في بيروت، حيث تم مهاجمة مساجدها الثلاثة من قبل عناصر الحزب وتم إحراق أحدها في منطقة البسطة.
وتحاول مديرية الأوقاف التابعة لدار الفتوى استعادة ما تقول إنه "مساجد تم السيطرة عليها من قبل الأحباش، دون وجه حق"، لكن الأمور لا تزال على حالها لغاية الآن.
ويقول الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم بيرم، في حديث لـ"
عربي21"، إن الأحباش يريدون "إثبات أنفسهم بأنهم القوة الثانية في بيروت، وهذا هدف يبقى بعيدا عن متناولهم كثيرا، فهم يبعدون عن تيار المستقبل بما نسبته واحد على عشرة، كما أن المزاج السني ما زال على حاله، لجهة النظرة العامة إليهم، إضافة إلى ما يحدثونه من حالات جدلية".
ورأى في مشاركة الأحباش بالانتخابات "محاولة للحضور الرقمي، بأنهم حققوا بضعة آلاف من الأصوات لاستثمارها فيما بعد على غرار الانتخابات السابقة، فهم لا يفكرون بإحداث خرق في اللوائح المرشحة ولا خوض مزاحمة سياسية".
وأوضح بيرم أن "الأحباش أشبة بـعائلة مستورة تريد النأي بنفسها عن المشاكل الكبيرة. فهم منكفئون سياسيا ويسعون فقط لإثبات الحضور، وما يدلل على ذلك تصريحات مسؤوليهم وتأكيدهم على خوض غمار الانتخابات منفردين، لنفي تهمة التحالف مع حزب الله وحركة أمل عن أنفسهم".
واعتبر بيرم أن الأحباش "يمارسون عقيدة التقية التي تتبعها الطائفة الشيعية، لإخفاء أهدافهم الحقيقية، وهو ما يفسر تناقضاتهم، والغموض الكبير الذي يكتنف خياراتهم".
وأشار إلى أن الأحباش "يسعون دائما إلى تحقيق مصلحتهم، فقد كانت تربطهم علاقات قوية بالنظام السوري خلال فترة الوصاية، وقد عملوا بعد خروج الجيش السوري على التخلص من هذا الإرث والنفي بشكل قاطع أي صلة حالية بالنظام الأسدي"، كما يقول بيروم.
ويذكر بيرم بأن "لديهم علاقة مع حزب الله وحركة أمل، لكنهم لا يجتمعون معهم علنا، كي لا يثيروا حفيظة الشارع السني".
وحول علاقتهم بالحركات الإسلامية الأخرى، لفت بيرم إلى أن الأحباش "يعادون عقائديا فكر الإخوان المسلمين، والتيارات السلفية، بما فيها الوهابية".
وأردف: "يقدم الأحباش أنفسهم على أنهم تيار معتدل إسلاميا، لكنهم لا يبذلون جهدا حاليا لتبوؤ حيز في المشهد السني، لقناعتهم بصعوبة ذلك حاليا، وهم يصبون جل اهتمامهم على نشاطاتهم الاجتماعية والتربوية، فلديهم جامعة ومستوصفات طبية، لكن ليست لديهم طروحات سياسية حقيقة على عكس فترة الوجود السوري، حيث طرحوا أفكارهم المعادية للتيارات السلفية وللإخوان"، مضيفا: "الأحباش حاليا متقوقعون، وليست لديهم مخالب، وليسوا قادرين على إحداث فروقات مؤثرة في المشهد السياسي"، وفق تقديره.