كشف وزير الوظيفة العمومية والحوكمة ومكافحة
الفساد في
تونس، كمال العيادي، أن وزارته شرعت في تطوير منظومة إلكترونية مندمجة؛ لاستقبال شكاوى وبلاغات حول حالات الفساد التي تقع في القطاع العام وغيره.
وقال العيادي إن المنظومة تمثل أحد بنود اتفاقية أمضتها تونس مع كوريا الجنوبية قبل أيام، حيث قدمت الأخيرة بمقتضاها حوالي خمسة ملايين دولار هبة لتونس؛ بهدف المساعدة على وضع منصة إلكترونية شاملة للتبليغ عن الفساد.
وأضاف الوزير في تصريح لـ"
عربي21"، على هامش منتدى وطني أقيم الجمعة حول "التبليغ كأداة لمكافحة الفساد" نظمته الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، بالتعاون مع الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أن "الحكومة أعدت مشروع قانون لحماية المُبلغين عن حالات الفساد، سوف يُعرض للمناقشة خلال قادم الأيام".
إقصاء الفاسدين
وقال إن مشروع القانون يهدف إلى ضبط إجراءات لحماية المبلغين وحقوقهم وواجباتهم في هذا المجال، ووضع آليات للتبليغ عن الفساد في القطاع العام، مضيفا أنه أصبح من الضروري إيجاد آليات قانونية وإجرائية وأخلاقية لحماية المبلغين، وهو ما أعلنت عنه اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ضمن الفصل الثالث المتعلق بالتجريم وإنفاذ القانون في المادة 33 المتعلقة بحماية المبلغين.
وتنص المادة المُشار إليها على أنه "من واجب كل دولة أن تطور نظامها القانوني لتمكين إبلاغ السلطات المختصة بأي وقائع تتعلق بأفعال مجرمة وفقا لهذه الاتفاقية".
وأشار الوزير إلى أن أمرا وزاريا استثنائيا ينص على إقصاء الفاسدين من المشاركة في الصفقات العمومية لمدة 10 أعوام، والتشهير بهم من خلال إدراج أسمائهم ضمن قائمة سوداء؛ سيصدر قريبا بالرائد الرسمي للبلاد (الجريدة الرسمية)، مؤكدا أن هذا الإجراء "ثوري، حيث يعتمد مبدأ الإقصاء كعقوبة للردع، وهو معمول به في عدد قليل من البلدان".
الفاعل الرئيس
من جهته؛ أكد الكاتب العام للجمعية التونسية لمكافحة الفساد عمر السعداوي، وجود قضايا عديدة تتعلق بملفات فساد في القطاع العام؛ منشورة أمام المحاكم التونسية على معنى الفصل 96 من القانون الجزائي.
وقال المحامي السعداوي لـ"
عربي21" إنه رغم عدم وجود إحصاءات رسمية بعدد الملفات المودعة لدى القضاء؛ فإن "جل القضايا نجد فيها الفاعل الرئيس أحد أعوان الدولة، وأقصد الموظف البسيط، ورئيس المصلحة، والمدير العام، وأحيانا الوزير (...) وتتعلق جريمة الفساد عادة بسوء استعمال السلطة لتحقيق منفعة لفائدته، أو لفائدة الغير".
وأوضح السعداوي أن جزءا من هذه الملفات منشور أمام
المحاكم العدلية، وأخرى أمام القطب القضائي المالي، أو هي طور التحقيق، مشيرا إلى أن خبراء القانون اصطلحوا على تسمية الفساد الذي ظهر بعد ثورة 14 كانون الثاني/ يناير 2011 بـ"الفساد الصغير" الذي يبرز خاصة في الصفقات العمومية.
غياب شريحة الشباب
من جانبه؛ قال رئيس الجمعية التونسية لمكافحة الفساد، إبراهيم الميساوي، إن "الشكايات الواردة على مركز الإرشاد ودعم ضحايا الفساد بالجمعية، بعد خمس سنوات على بداية عمله؛ قليلة، وإن معدل أعمار المبلغين عن الفساد أكثر من 40 سنة، وهو ما يؤكد غياب شريحة الشباب في عملية التبليغ".
وأضاف الميساوي في تصريح لوكالة "تونس أفريقيا" للأنباء، الجمعة، أن 90 بالمئة من المبلغين عن الفساد هم من المتعرضين لعملية فساد، وأن الشهود على الفساد لا يبلّغون عليه، مؤكدا أن 86 بالمئة من قضايا الفساد تتعلق بالقطاع العام.
استفحال الفساد
وكان رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد شوقي الطبيب؛ قال في سياق متصل، إن 90 بالمئة من ملفات وشكاوى الفساد التي ترد على الهيئة "تعلقت أساسا بالإدارة التونسية بمفهومها الواسع الذي يتدرج من أبسط حاجب إلى أعلى هرم في السلطة، أي رئيس الجمهورية".
وأضاف عميد المحامين السابق الطبيب، في حوار له مع صحيفة "أخبار الجمهورية" الأربعاء الماضي، أن هذا الرقم يستند إلى إحصائيات دقيقة، تتمثل قاعدتها الأساسية في الملفات الموضوعة على ذمة هيئة مكافحة الفساد.
وحدد أبرز القطاعات التي استفحل فيها الفساد، إذ احتلت الشكايات المتعلقة بالصفقات العمومية الحيز الأكبر من جملة شكايات المواطنين، وكذلك تلك المتعلقة بالأمنيين وبمصالح الجمارك والجباية وبأسرة العدالة (قضاة ومحامين وخبراء عدليين وكتبة محاكم وعدول التنفيذ).
وحذر الطبيب من "التعايش مع الفساد، فلا يجب أن نتطبع فنصبح بذلك نعيش تحت ظل دولة مافيا، ينتشر فيها أباطرة الفساد الذين لن يكتفوا بالمواقع الخلفية، بل سيتحولون إلى ما هو أهم وأعمق، أي إلى المراكز العليا للدولة (...) وسينجحون في الوصول إلى المؤسسة العسكرية التي نتباهى بنزاهتها"، وفق تعبيره.