حتى لا تقع
مضايا فريسة الخداع من جديد، فمن الضرورة أن يدرك المعنيون أن
الحصار هو مدروس بعناية، ويهدف الى تحقيق نتائج كارثية على صحة الذين يتعرضون للحصار المميت في المستقبل، وهذا يعني أن هذا الحصار في مضايا وغيرها؛ يشرف عليه متخصصون، وبالتالي هؤلاء يعرفون تماما أنهم في لحظة معينة سوف يُضطرون إلى إدخال المواد الإغاثية للمدينة المحاصرة، وهنا تبدأ الحملة الإعلامية التي تهلل لفك الحصار عن المدنيين بأخذ دورها، ثم يتم طي صفحة الحصار من الإعلام، أمام المتغير الجديد، ولكن على الأرض يستمر الموت البطيء إلى ما لا نهاية.
هذه التجربة المميتة مررها النظام السوري ومليشيا
حزب الله على مخيم اليرموك، ومن الضروري أن نعيد بعض التفاصيل، فالناس في مخيم اليرموك اضطروا لتناول الأعشاب وأوراق الشجر، والماء والبهارات، لفترة طويلة. وهذه الأشياء كلها ينتج عنها تبدلات مهمة في أنسجة وخلايا الإنسان، حيث تبدأ القصة من التحولات في معدة الإنسان، والتي تبدأ بإفراز مواد شبيهة بما في معدة الحيوان الآكل للعشب، ما يعني أن الأنسجة والخلايا وصولا للدماغ البشري، كلها تتعرض لمضاعفات خطيرة، أخطرها ما يقع على أجسام الأطفال، والذين بعد انتهاء الحصار سوف يحتاجون إلى سنوات طويلة من العلاج حتى تعود أجسامهم طبيعية من جديد.
في تجربة مخيم اليرموك بدأ النظام بإدخال المواد التموينية الجافة، وهذه بالطبع لم تحل المشكلة، لأنها أسكتت
الجوع مؤقتا، وانتقلنا إلى مرحة ثانية من الحصار، وهي منع دخول الألبان واللحوم والخبز والبيض، وكل هذه الأشياء من المستحيل أن تستقيم صحة الأطفال بدون تناولها. ويضاف إلى ذلك الحصار منع دخول الخضروات والفواكه، وبذلك عمليا يكون الحصار مستمرا؛ لأن هدف الحصار هو هدف رخيص يقوم على قاعدة القتل والإبادة، وهكذا يستمر الحصار ويستمر الموت، ولكنه موت بطيء بطرق تبدو مختلفة، لكن أصل الموت واحد، وهو منع وصول مستلزمات الحياة كاملة للناس.
هناك صورة إضافية للحصار، وهو حصار على المواد النفطية؛ لأن هذا يمنع توفر الكهرباء اللازمة للأمور الضرورية كالعلاج في المستشفيات، وما يلحقها من الأدوية وغيرها، إضافة إلى أن عدم توفر الكهرباء هو سبب إضافي لعدم توفر طرق الحفاظ على المواد التموينية في حال توفرت، وهو يعني أن جميع الموجودين هم سجناء يتحكم بهم السجان ويتفنن بقتلهم باختيار الطريقة التي يريد.
فك الحصار عن مضايا ليس بإدخال بعض الطحين والأرز، فليس المطلوب أن نعيد تجربة مخيم اليرموك الذي لا تزال الناس تموت فيه بفعل سوء التغذية ومنع الأدوية، بمعنى أن الحصار باق ولكن أدواته مختلفة.
مؤكد أنه ليس هناك أسوأ في التاريخ من أن تقوم دولة تسمي نفسها إسلامية، مثل
إيران، بهذا القتل البشع للناس، وليس هناك أسوأ من حزب يدعي أنه إسلامي ويسير نحو القدس.. وأيضا لم يسجل التاريخ أسوأ من ظاهرة القومجية العربية التي تسير وراء هؤلاء لأجل حفنة فلوس. وبمقابل ذلك، يتمنى كل سوري عدوا مثل إسرائيل، لأن إسرائيل هذه التي خرجت من صميم الحضارة الأوروبية، تحاول دائما أن تقدم صورة عصرية عن نفسها، رغم العقل العنصري الذي تقوم عليه. في مقابل ذلك، فنحن أمام دولة وحزب يقدمان الإسلام نموذجا، لكنهما يمارسان سلوك قبائل حاقدة غارقة في مجاهل التاريخ السوداء.
أمام وحشية إيران وحزب الله وبقية الأدوات الصغيرة الموجودة برفقتهم في
سوريا، يمكن لأهل مضايا أن يعيدوا قول ما قاله سكان مخيم اليرموك سابقا: "اللهم ارزقنا حصارا يشبه حصار غزة".