نشرت صحيفة دير شبيغل الألمانية تقريرا حول مستقبل
الطاقة في العالم، تحدثت فيه عن تراجع دور دول نفطية مثل السعودية وروسيا، في مقابل صعود دول تراهن على الطاقات المتجددة مثل تشيلي وألمانيا والهند.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن أسعار
النفط والغاز والفحم الحجري تشهد انخفاضا متواصلا، وقد أثر ذلك بشكل سلبي على اقتصاديات عدة دول، على رأسها روسيا التي يشهد اقتصادها انهيارا حقيقيا، والسعودية التي تسعى جاهدة من خلال حرب أسعار النفط للحفاظ على مكانتها ضمن الدول المسيطرة على قطاع الطاقة، وتعاني في الوقت نفسه من عجز تجاري ضخم، ما دفعها للتفكير في بيع حصص من أكبر شركاتها في البورصة.
واعتبرت الصحيفة أن مشكلات الرياض وموسكو سببها واحد، وهو التوجه العالمي نحو تغيير مصادر الطاقة، وهذا التغيير ستكون له أيضا تأثيرات على التوازنات السياسية في العالم، وليس الاقتصاد فقط.
ويقول عدد كبير من الخبراء في هذا القطاع إن أسعار المحروقات ستظل منخفضة، حتى مع تعافي الاقتصاد العالمي وارتفاع الطلب مجددا، وكلما طال أمد هذا الانخفاض ستكبر مشكلات الأنظمة الخليجية وأنظمة أخرى أيضا في الدول الغربية، تعتمد بشكل كبير على تصدير المواد الطاقية. وفي المقابل تتمتع دول أخرى بنظرة استشرافية، وهي تعمل على إنتاج طاقة المستقبل بمصادر متجددة، مثل توربينات
الرياح والطاقة الشمسية والسيارات الكهربائية.
واعتبرت الصحيفة أن المرتبة الأولى في إنتاج الطاقة في المستقبل قد تحتلها الهند، رغم أنها تعاني الآن من الفقر الطاقي والاعتماد الكبير على الواردات، ويعاني ملايين الهنود الحرمان من الإضاءة والأجهزة الكهربائية، وهي تشهد انقطاعات متكررة للتيار خلال فصل الصيف.
ولكن رئيس الوزراء الهندي ناريندا مودي أعلن أن الطاقة أصبحت أولوية قصوى في السياسة الهندية، ولذلك تخطط الهند للاعتماد أولا على إنتاجها المحلي من الفحم الحجري، أما على المدى المتوسط فهي تخطط لزيادة إنتاجها من الطاقة الشمسية بحوالي 100 جيغاوات مع حلول سنة 2022، من خلال تركيز مزارع الطاقة الشمسية التي سيصل إنتاجها تحت شمس منتصف النهار لما يعادل إنتاج 100 منشأة نووية.
كما توقعت الصحيفة أن تأتي الولايات المتحدة في المرتبة الثانية، بعد أن فرضت نفسها كرائد في مجال الطاقة النظيفة، المستمدة من الشمس والرياح، وهي تقوم بتطوير وتصنيع المعدات اللازمة بنفسها. فشركة "تيسلا" الرائدة عالميا في تطوير السيارات الكهربائية وتخزين الطاقة، تعمل الآن على إنشاء أكبر مصنع للبطاريات في العالم على أطراف صحراء نيفادا. وشركات أخرى مثل غوغل وآبل أصبحت أيضا مهتمة بتطوير السيارات الكهربائية والطاقات المتجددة وتطوير برمجيات التحكم في الطاقة، وهو ما سيضمن للولايات المتحدة في المستقبل تفوقا كبيرا على الدول التي لا تزال تنتج الطاقة بطرق تقليدية.
واعتبرت الصحيفة أن الصين ستحتل المرتبة الثالثة في المستقبل، بفضل سياستها الحالية، حيث أخذت الصين الدروس من معضلة سحب الدخان والمشكلات الاقتصادية المرتبطة بالاعتماد على استيراد الطاقة التقليدية. وتسعى الصين لتركيز مشاريع عملاقة للطاقة المتجددة، ستمكنها في سنة 2025 من إنتاج 350 جيغاوات إضافية باستغلال الرياح، وفي سنة 2020 سترفع إنتاجها من الطاقة الشمسية بقدر 200 جيغاوات، كما ستنتهي بكين في هذه الفترة نفسها من تركيز 40 منشأة لإنتاج الطاقة النووية.
ويعتبر خبراء الطاقة في مؤسسة بلومبيرغ للتحليلات المالية أن الصين من أهم الدول الصاعدة في مجال الطاقة النظيفة، بفضل ضخامتها الجغرافية والديمغرافية، وقد برزت شركات صينية عديدة في هذا المجال، مثل شركة BYD لإنتاج البطاريات والسيارات الكهربائية، وشركة Kandi للسيارات الكهربائية، وشركات الطاقة الشمسية مثل Jinko وYingli.
وتوقعت الصحيفة أن تكون تشيلي في المرتبة الرابعة، بعد أن أصبحت وجهة مفضلة للمستثمرين في المجال الطاقي من أنحاء العالم كافة، حتى إن دراسات مؤسسة بلومبيرغ تضع هذا البلد اللاتيني في المرتبة الثالثة في إنتاج الطاقة المتجددة، والسبب أنها تتمتع بتيارات هوائية متواصلة وأشعة شمس قوية، وهي الظروف المثالية لإنتاج الطاقة النظيفة.
كما أن تشيلي تقع فوق أكبر مخزن لمادة الليثيوم في العالم، يوجد في صحراء أتاكاما الملحيّة، وهذه المادة تستعمل في صناعة بطاريات الليثيوم، المستخدمة في السيارات وتخزين الطاقة وكل أنواع الأجهزة الإلكترونية.
وذكرت الصحيفة أن ألمانيا أيضا ستكون في قائمة الدول الخمس الرائدة في قطاع الطاقة، ورغم الصعوبات التي تواجهها حاليا في تمويل بعض المشاريع العملاقة التي لا تحظى بدعم الاتحاد الأوروبي، فإن ألمانيا تبدو واعدة في مجال البحث العلمي والتطوير، خاصة بالنسبة لشركات استغلال الرياح، التي توفر آلاف الوظائف الجديدة كل عام.
وتعد شركات "سيمنس و"نوردكس" وإينيركون" رائدة في هذا المجال، وهي تقوم بتشييد توربينات الرياح في البحر للاستفادة من رياح الشمال. كما أن الدولة لا تعتمد فقط على القطاع الخاص، بل تقوم هي أيضا بضخ مليارات الدولارات لتشجيع الاعتماد على الطاقات المتجددة.
وقالت الصحيفة إن اقتصاديات هذه الدول الخمس ستستفيد بشكل كبير في المستقبل من الخيارات التي اتخذتها الآن؛ لأن التغير الكبير في قطاع الطاقة سيعني في المستقبل أن القيمة الحقيقية ستكون للتكنولوجيا والأفكار، وليس للمواد الطاقية في حد ذاتها.