كتب الدكتور داود عبد الله: كان الإعدام البشع لواحد وعشرين قبطيا في
ليبيا في عطلة نهاية الأسبوع، هدية مرحبا بها للنظام
المصري، الذي يقوده الجيش. وكما حدث مع جرائم باريس، فإنه أعطى للحكومة في القاهرة فرصة لإبراز نفسها حليفا موثوقا ومستحقا في "الحرب على الإرهاب".
على الصعيد المحلي، هناك مستويان لأثر الجريمة؛ هي أنها أولا تكشف عن ضعف إمكانيات السلطة الحاكمة في القاهرة في حماية مواطنيها، بالرغم من مناشدات كثيرة للعمل على إطلاق سراحهم. ويقول أقارب الضحايا إن وزارة الخارجية فشلت في التعامل مع القضية بالشكل المناسب.
وفي السياق ذاته فإن عملية الإعدام عملت على حرف الأنظار عن المشاكل الاقتصادية والسياسية التي تواجه نظام
السيسي. وقد بدأ فعلا في استغلال الجريمة للحصول على دعم شعبي لسياسة التدخل في ليبيا.
وبغض النظر إلى أي الاتجاهين يميل الميزان، فإن النظام لا يعير كثيرا من الاهتمام لردود الفعل المحلية، ويعتبرها ثانوية، ما دام يضمن الأساليب التي يقمع بها المعارضة داخل مصر. وما هو مهم حقا بالنسبة له هو مدى الدعم الذي يحصل عليه إقليميا ودوليا.
ومن ناحية عملية؛ فليس من الواضح ما يمكن أن تحققه الغارات الجوية على أهداف في ليبيا، ففشل الحملات الجوية للناتو في أفغانستان، وفشل نظام الأسد ضد
تنظيم الدولة في سوريا، أصبح جليا. وإن كان هناك أٌثر لهذه الغارات فإن الضحايا الأبرياء، الذين يسقطون بسببها، تدفع بالسكان المحليين دفعا لتأييد تنظيم الدولة.
كما أن هجمة أخرى قوية على ليبيا قد تكون لها آثار سلبية على العمال المصريين في ليبيا، وليست هناك أرقام دقيقة لعدد العمال المصريين الموجودين في ليبيا، ولكن المنظمة الدولية للهجرة قدرت العدد بـ 330 ألف إلى 1.5 مليون لغاية الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011.
وعلى أي حال، فاستخدام مصر للغارات الجوية على ليبيا ليس شيئا جديدا، ففي آب/ أغسطس 2014، اتهم المسؤولون الليبيون في طرابلس كلا من مصر والإمارات بضرب أهداف في الأراضي الليبية. وأنكر البلدان في البداية، ولكن ظهر بعد ذلك أن الهجمات وقعت في الحقيقة. وقال المسؤولون الأمريكيون إن المصريين والإماراتيين تعاونوا لضرب أهداف إسلامية في ليبيا، وبالذات في مدينة درنة في شرق ليبيا.
وإن كانت في الماضي لا توجد موافقة دولية على تدخل إقليمي في ليبيا، إلا أن ذبح 21 قبطيا قد يستخدم ذريعة لمثل هذا التحرك. وبالدرجة ذاتها أصبحت الدول الإقليمية أكثر انفتاحا حول تدخلها وقصفها لأهداف تابعة لتنظيم الدولة في سوريا، بعد حرق الطيار الأردني معاذ الكساسبة. وقد دعا الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لتحالف دولي للحرب في ليبيا.
ولكن هناك مخاوف في حالة ليبيا، فقد تستغل مصر التأييد الدولي، وتذهب إلى أبعد من الغارات الجوية، وتسيطر على مناطق احتياطي
النفط في شرق ليبيا. وسيكون ذلك بذريعة حرمان "الإرهابيين" من مصادر الدخل.
أما الأمر الآخر الذي يبعث على المخاوف فهو التحالفات في ليبيا، فليس سرا أن رئيس الأركان السابق السيسي متحالف مع الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، أحد اللاعبين الرئيسين في ليبيا، ويشتركان في بغضهما للإسلاميين، وبالذات الإخوان المسلمين. ولهذا فإنه ليس من الواضح ما إذا كانت مصر تسعى للانتقام لمواطنيها المقتولين، أم أنها تستغل الفرصة لدعم ربيبها.
والمفارقة هي أنه منذ مقتل المصريين الأقباط كان هناك مصريون آخرون يتظاهرون لإطلاق سراح أقاربهم المختطفين لدى قوات حفتر، حليف السيسي.
وبشكل عام فإن إعدام الأقباط أعطى للسيسي حياة جديدة، ودعوته لانعقاد مجلس الأمن بخصوص ليبيا قد تكون لصالحه. لقد تغير الكثير في ليبيا منذ الإطاحة بالقذافي، ويبقى أن نرى فيما إذا رفضت روسيا التدخل العسكري كما فعلت عام 2011، حينها امتنعت روسيا عن التصويت، ووصف رئيس وزراء روسيا آنذاك فلاديمير بوتين، قرار الأمم المتحدة بدعم تدخل عسكري في ليبيا بحملة صليبية من العصور الوسطى.
ويخرج النظام المصري، الذي يقوده العسكر، مستفيدا على أكثر من وجه من مقتل المصريين الأقباط في ليبيا، فعلى مستوى العلاقات الدولية يستطيع السيسي أن يختال على المسرح الدولي، كما فعل في دافوس، وأن يأخذ مكانه في الحرب اللانهائية على الإرهاب. ومن ناحية عسكرية فإن عملية الإعدام تقوي حجته في طلب أسلحة أكثر فتكا من الغرب، والتي ستستخدم في المحصلة في سيناء، وفي أي مكان فيه معارضة لحكومته.
وأخيرا فهناك إغراء لا يقاوم بالوصول إلى مصادر النفط الليبية، وبالنسبة لنظام أثبت فشله على المستويات كلها، لم يكن يستطيع أن يطلب من أعدائه أكثر مما فعلوا.