يرى ديفيد بلير في صحيفة "صاندي تلغراف" أن
القاعدة العسكرية البريطانية المزمع إقامتها في
البحرين هي تعبير عن
التحالف غير العادي بين
بريطانيا وإيران؛ لمواجهة تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام.
ويقول بلير إن القاعدة العسكرية تعد الأولى التي تقيمها بريطانيا في الخليج منذ 50 عاما، وبالمقابل هناك مقاتلات
إيرانية تقاتل إلى جانب المقاتلات البريطانية والأميركية في العراق ضد تنظيم الدولة. ويرى في هذا السياق أن قواعد العلاقات القديمة تتلاشى.
ويشير هنا لما قاله وزير الخارجية الأميركي السابق هنري كيسنجر "لا تنسحب أمة وللأبد"، ففي عمليات الانسحاب من المستعمرات انشغلت بريطانيا بإغلاق قاعدة عسكرية بعد الأخرى. ولكن حالة الغروب توقفت فجأة عندما أعلن وزير الخارحية فيليب هاموند وبجرة قلم إلغاء قرار هارولد ويلسون عام 1968، الذي قضى بإغلاق كل قاعدة عسكرية في المناطق الواقعة شرقي قناة السويس، حيث أغلقت بريطانيا كل القواعد العسكرية في الخليج.
ويجد الكاتب أنه بعد 50 عاما فإلغاء قرار ويلسون مثير للدهشة، خاصة أن منطقة الخليج مليئة بمليارات الدولارات من الاستثمارات والتصدير، ويعيش فيها حوالي 175.000 بريطاني يعملون في قطاعات المال والأعمال والتعليم في دول الخليج كلها. وأصبحت بريطانيا تلعب دورا في كل أزمة تتعرض لها المنطقة، ولهذا السبب، فلماذا لا يكون لبريطانيا موقع عسكري دائم؟
ويتابع بلير أنه فوق كل هذا فدولة البحرين هي التي ستتولى الإنفاق على بناء القاعدة البحرية، التي تبلغ كلفتها 15 مليون جنيه إسترليني، فيما ستتولى وزارة الدفاع البريطانية كلفة إدارتها. ومن هنا فصفقة كهذه ستعطي الفرصة لبريطانيا كي توسع من نفوذها في المنطقة الحيوية وبأقل التكاليف.
ويبين الكاتب أنه مع أن القاعدة البحرية التي ستقام في ميناء سلمان، لن تكون ذات فائدة في العمليات العسكرية، إلا أنها ستسمح لبريطانيا بنشر بوارج حربية كبيرة في منطقة الخليج، بما في ذلك البوارج البحرية العملاقة الحاملة للطائرات، عندما تبدأ بالعمل في نهاية العقد الحالي. وستعطي القاعدة الحكومات البريطانية المتعاقبة الفرصة لإظهار القوة في منطقة الخليج، خاصة أن البوارج يمكن أن تنطلق منها طائرات دون طيار ومقاتلات حربية؛ كي تضرب أهدافا تبعد آلاف الأميال.
ويلفت التقرير إلى أن الجنرال سير سايمون مايال قام بوضع الأسس لقرار الحكومة، وقد عمل مستشارا لوزارة الدفاع البريطانية لشؤون الشرق الأوسط، وسيتقاعد من منصبه نهاية الشهر الحالي. ويرى الجنرال مايال أن قرار "شرق السويس" لم يكن في محله، ويجب التخلي عنه. ويبدو أن جهود الجنرال، الذي قضى ثلاثة أعوام مستشارا للقوات البرية العمانية، نجحت.
ويذكر الكاتب أن الدرس واضح من هذا؛ ففي الوقت الذي تجتاح الشرق الأوسط العواصف تطير القواعد القديمة من النافذة. وعليه فقد تم التخلي عن قرار تراجع بريطانيا من المنطقة.
ويضيف أنه قبل هذا بأيام رمى جون كيري، وزير الخارجية الأميركي بمحظور آخر في الهواء، عندما قدم ثناء حذرا على قدوم الطائرات الإيرانية للأجواء العراقية. فقد قامت طائرات فانتوم أميركية الصنع بضرب مواقع داخل العراق. وتخلى كيري عن العبارات المعروفة الشاجبة للتدخل الإيراني، ورحب به عوضا عن ذلك.
ويعتقد بلير أن العامل الرئيسي للترحيب بإيران كان تنظيم الدولة الإسلامية، الذي يكره إيران بقدر أكبر من كراهيته الولايات المتحدة. وعليه يجد قادة الحرس الثوري الإيراني أنفسهم في الخندق ذاته إلى جانب طائرات "الشيطان الأكبر"، التي يرسلها باراك أوباما وديفيد كاميرون، حيث تحلق في ذات الأجواء والبلد.
ويجد التقرير أن السؤال ليس في التغير في التحالفات، ولكن إن كان هذا ينجح في دفع تنظيم الدولة؟. فمنذ آب/ أغسطس قامت الطائرات الأمريكية ودول التحالف بأكثر من ألف غارة في العراق وسوريا.
ويرى الكاتب أن ما يهم في مواجهة تنظيم الدولة هو الكيفية التي تطورت فيها الحملة الجوية بعد سيطرة التنظيم على مناطق في شرق سوريا وشمال العراق، وسيطرته على مدينة الموصل بسكانها الـ 1.5 مليون نسمة.
ويفيد بلير بأنه لا يمكن لأحد إنكار حقيقة تأخر القرار الأميركي في مواجهة تنظيم الدولة، وما يمكن استنتاجه هو أن الحملة الجوية لم تهزمه بعد، كما أن المشاكل التي سيخلفها التنظيم على افتراض هزيمته تحتاج لسنوات كي يتم حلها.
ويذهب التقرير إلى أنه رغم نجاح الطائرات الأميركية بوقف تقدم تنظيم الدولة نحو العاصمة بغداد، وكذلك أربيل، عاصمة منطقة الحكم الذاتي في كردستان، إلا أن العاصمة بغداد لا تزال عرضة للخطر والاختراق، أما أربيل فقد تجاوزت الخطر. واستطاعت الطائرات الأميركية وتلك المتحالفة معها إخراج تنظيم الدولة الإسلامية من عدة مناطق في شمال العراق. ولم يعد أبو بكر البغدادي، الذي نصب نفسه "خليفة" للمسلمين، يتحرك بحرية في مناطقه، بعد استهدافه بغارة في 10 تشرين الثاني/ نوفمبر، قرب الموصل. وعند هذا تنتهي الأخبار السعيدة فلا يزال التنظيم يتقدم وبقوة في سوريا. ويقوم البغدادي بتوسيع مناطق سيادته في المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات غير الجهادية، ويتجنب قدر الإمكان مواجهة النظام، ويكرس جهوده على السيطرة على مناطق جديدة.
ويعتقد بلير أن السبب في استمرار تقدم البغدادي في سوريا هو غياب القوى المؤهلة لمواجهته في الميدان، فلا جيش الأسد الضعيف، ولا الجيش السوري الحر، الذي أُضعف وخسر مساحات واسعة من مناطقه، قادران على المواجهة. وكما يقول إميل هوكايم، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "لا يوجد حليف جاهز على الأرض".
ويستنتج الكاتب أن الاستراتيجية التي وضعها الأميركيون كانت منذ البداية قاصرة. وتحاول الولايات المتحدة بناء قوة ثالثة على الأرض تعتمد عليها، وذلك من خلال تدريب المعارضة السورية بمعسكرات في الأردن وقطر، حتى تكون جاهزة لمواجهة كل من قوات بشار الاسد وتنظيم الدولة. ويمكن إنجاز قوة كهذه، لكنها تحتاج للوقت.
ويخلص الكاتب إلى أن القواعد القديمة انهارت، مثل قرار "شرق السويس"، إلا أن القوة وحدها لا تكفي، فهناك حاجة لتسوية سياسية دائمة، والتصدي للخلافات السنية – الشيعية. وعليه فالحملة الأميركية ضد "داعش" ليست بداية النهاية، ولكنها بداية البداية.