انتابت مشاعر الخوف من القادم لدى
التونسيين قبل الانتخابات التشريعية من أن يصعد من كان ينتمي إلى نظام الرئيس المخلوع، زين العابدين
بن علي، لكن العديد من المراقبين والسياسيين أكدوا أن نتائج الانتخابات التي جرت في 26 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي لن تمنع ملاحقة رموز الاستبداد ومحاسبتهم، على حد قولهم.
وبحزن ومرارة، عبّرت السيدة فاطمة، وهي والدة الشهيد أحمد الورغي -الذي قتل في 16 كانون الثاني/ يناير 2011، عقب انطلاق الثورة التونسية- عن خوفها من أن يعود النظام السابق الذي قتل ابنها، "فينقلب الوضع ونُعاقب، واليوم يتضاعف هذا الشعور كلّما اقتربت الانتخابات الرئاسية".
ما عبّرت عنه والدة شهيد الثورة التونسية يوازيه تصريح آخر لسهام بن سدرين، وهي رئيسة هيئة الحقيقة والكرامة، التي أكّدت أنّ نتائج الانتخابات لن تمنع هيئتها من ملاحقة رموز الاستبداد ومحاسبتهم.
وردت بن سدرين على تصريحات لرئيس حزب "نداء تونس"، الباجي قايد السبسي، الذي توعّد بحلّ هيئة الحقيقة والكرامة الحالية، والسعي إلى تغيير قوانينها، معتبرا أنّها "تؤسس لمنطق الانتقام والتشفي وتصفية حسابات، باعتبار أن المحاسبة ستبدأ من سنة 1955 وهو تاريخ اعتلاء الرئيس الراحل حبيب بورقيبة الحكم"، حسب تعبيره.
لن يقدروا على حلّ الهيئة
وكان السبسي قد صرّح نهاية الأسبوع الماضي، لإذاعة "أوازيس أف أم"، قائلا إنّ "العدالة الانتقالية كلمة حق يراد بها باطل.. ففي الوضع الحالي أعتقد أنّ القانون كما هو ليس في صالح العدالة الانتقالية، لأن هناك عدّة اعتبارات يجب تغييرها.. هي مسألة تصفية حسابات.. أنا أقول إن العدالة الانتقالية لا بدّ منها، ولا بدّ من توفير الأسباب لمصداقيتها، لذلك من الضروري أن نغيّر قوانينها".
وجاء ردّ بن سدرين سريعا بإذاعة صفاقس، بأنّ الذين يتوعدّون بحلّ الهيئة المكلّفة برصد انتهاكات حقوق الإنسان في تونس وتوثيقها زمن حكم الرئيس الراحل بورقيبة وخلفه المخلوع بن علي وتحديد مرتكبيها وإحالتهم إلى العدالة وتعويض الضحايا، "لن يقدروا على ذلك"، على حد قوله.
لا حصانة للفاسدين
وقالت بن سدرين إنّه "لا حصانة للفاسدين أينما كانت مواقعهم في السلطة القادمة"، مؤكدة أنّ هيئتها "مستقلة عن جميع التجاذبات السياسية والأحزاب".
وتساءلت عن سبب تخوّف السبسي من العدالة الانتقالية ومن هيئة الحقيقة والكرامة.
وأضافت بن سدرين: "نحن ماضون نحو كشف الحقيقة، فإذا كانوا يخافونها فليكشفوا ذلك للشعب التونسي.. كان يفترض أن يؤمن السبسي باستمرارية الدولة ويحترم مؤسساتها، أمّا إن كان ينوي الانقلاب على الدستور والدولة من خلال الانتخابات فهذا أمر ثان، لأنّ الأمر هنا لا يتعلّق بهيئة الحقيقة والكرامة أساسا، بل بالدولة عموما"، بحسب تعبيرها.
رغبة في غلق ملف الشهداء
من جهتها، اعتبرت الناطقة باسم هيئة الدفاع عن شهداء الثورة وجرحاها، ليلى الحدّاد، في تصريح لـ"عربي21" أن جلّ الأحزاب السياسية لم تتعامل مع ملف الشهداء بجدّية.
وأكّدت الحدّاد أنّ الصمت الذي خيّم على قضايا هؤلاء منذ 12 نيسان/ أبريل الماضي -وهو تاريخ صدور أحكام "البراءة" في حقّ المذنبين- يدُلّ على أنّ هذا الملف ليس من أولويات الأحزاب وأنّ هناك رغبة في غلقه إلى الأبد.
وأشارت إلى أنّ ملف شهداء الثورة وجرحاها أولوية وطنية، ولا يمكن في أيّ حال السكوت عليه. إذ لا يمكن تكريس الديمقراطية في ظلّ الإفلات من العقاب، وفق الحداد.
غياب المحاسبة
وأرجعت عضو هيئة الدفاع عن شهداء الثورة وجرحاها سبب عودة رموز النظام السابق من جديد إلى الحياة السياسية والترشّح للانتخابات الرئاسية والفوز بمقاعد في البرلمان إلى غياب المحاسبة.
وعبّرت عن أسفها لعدم تغطية قانون العدالة الانتقالية لملف شهداء الثورة وجرحاها، لكنّها نوّهت بالقوانين الخاصة التي صدرت في حزيران/ يونيو الماضي، والتي جاءت بعد أحكام 12 نيسان/ أبريل 2014، وإضراب الجوع الذي نفّذته عائلات القائمين بالحق الشخصي في قضايا شهداء الثورة وجرحاها.
وأوضحت الحداد أنّه رغم صدور تلك القوانين الخاصة التي تلزم إحالة جميع قضايا الشهداء والجرحى من القضاء العسكري الى القضاء العدلي، لكن لم يحصل شيء إلى اليوم.
وختمت الحداد قائلة إنّ الأيادي المرتعشة لا يمكنها محاسبة قتلة الشهداء أو الكشف عن الحقيقة التي هي جزء من تاريخ تونس، وأنّ الإفلات من العقاب يُكرّس عودة النظام القديم.