كان هناك صديقان يناقشان حول الأزمة التي تسبب فيها نزوح عدد كبير من السوريين إلى
تركيا وافتتاح بعض اللاجئين محلات تجارية لينافسوا أصحاب المحالات الأتراك وغير ذلك من المشاكل الاقتصادية والاجتماعية.
وقال أحدهما إنه يرى أن الحق مع أصحاب المحلات الأتراك المحتجين على افتتاح السوريين محلات تجارية لأنهم جاؤوا من بلد آخر ليضيقوا عليهم، ولكن الثاني رد عليه قائلا إنه لا يأكل أحد رزق آخر، وأضاف: "لا شك أن هذا ابتلاء من الله وامتحان للجميع، وهم يمتحنون بهذه الثورة وما يعانونه من قتل وتشريد وتجويع كما نمتحن نحن بما نعانيه من بعض المشاكل التي تسبب فيها
لجوء هذا العدد الكبير من إخواننا إلينا"، ثم سأل: "هل تفضِّل أن تكون في مكانهم لتبتلى بما هم فيه أم تفضل أن تتحمل قليلا لهذه المشاكل لتفوز في هذا الامتحان؟"، وأجاب الأول قائلا: "صدقت، لم أكن أنظر إلى الأمر من هذه الزاوية".
تركيا حكومة وشعبا قدَّمت إلى اللاجئين السوريين خدمات ومساعدات لا بأس بها إلا أن قضية اللاجئين بحاجة إلى نظرة جديدة وتصحيح للمفاهيم، لأن تركيا القديمة كانت مبنية على أسس قومية علمانية متطرفة، كانت تبث الكراهية ضد العرب والقوميات الأخرى لسنوات طويلة، وهذه السياسة العنصرية تركت آثارها في المجتمع، الأمر الذي يتطلب من الحكومة ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني حملة توعية لإزالة هذه الآثار السلبية، لأن جزءا كبيرا من المشكلة يكمن في الزاوية الخاطئة التي ينظر من خلالها كثير من المواطنين إلى القضية، ومما لا شك فيه أن تغيير الزاوية سيغير نظرتهم تجاه اللاجئين بشكل إيجابي.
رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو تطرق يوم الجمعة الماضي في كلمته أمام رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية إلى معاني الأخوة التي يجب أن تكون حاضرة في أي مشكلة متعلقة باللاجئين. وفي رده على الذين ينتقدون صرف الحكومة حوالي 4.5 مليار ليرة تركية لاستضافة اللاجئين، ذكر أن "يثرب بفضل قبولها المهاجرين تشرفت وعلت منزلتها وأصبحت المدينة المنورة"، ثم أضاف: "ولو أن أهلها قالوا: "طعامنا بالكاد يكفينا ومساكننا لا تتسع لغيرنا" لبقيت يثرب وما قصدها ملايين الناس"، وشدَّد على أن ديننا وثقافتنا وتربيتنا وتراثنا يحتم علينا قبول المهاجرين ويفرض علينا وضعهم تاجا على رؤوسنا، وأن العبرة ليست في كثرة الرزق وإنما في بركته، وأن وجود المهاجرين يعني خيرا وبركة.
عندما نقول إن اللاجئين السوريين "ضيوفنا" يعترض البعض قائلا إن "الضيافة ثلاثة أيام". وبغض النظر عن صحة هذا الاستدلال أو عدم صحته، فإن الأفضل معاملة اللاجئين السوريين كأنهم مواطنون وأن تمنح لهم كافة حقوق المواطنة على أن يحصلوا في إطار برنامج معين على الجنسية التركية مع الاحتفاظ بجنسيتهم السورية، لأن النظام المعمول في تركيا يسمح للمواطنين بالحصول على جنسية بلد آخر بالإضافة إلى الجنسية التركية.
منح اللاجئ السوري حقوق المواطنة وفرصة الحصول على الجنسية التركية هو الحل الأمثل لكثير من مشاكله، وهكذا يبيع اللاجئ ويشتري ويعمل ويتملك ولا يضطر للإقامة في المخيمات، بل يسهم في تطوير البلد الذي احتضنه ولا يشعر بأنه "ضيف ثقيل"، لأن الضيافة كلما طالت فمن المحتمل أن ينزعج صاحب البيت أو الضيف أو كلاهما. ولا يبدو في الأفق حل قريب للأزمة السورية، وبالتالي، فمن الأفضل أن تقدم الحكومة التركية للاجئين السوريين برامج مكثفة للاندماج لتجعلهم جزءا من فسيفساء المجتمع التركي ونموذجا رائعا لتنوعه.
الجهود المبذولة والحلول المقترحة تهدف إلى الحفاظ على حقوق اللاجئين السوريين وكرامتهم وإلا لن ينعدم المجتمع التركي كبقية المجتمعات الأخرى من العنصريين الفاشيين، ومهما قامت الحكومة ومنظمات المجتمع المدني بالإصلاحات وحملات التوعية فإن العنصريين سيواصلون تذمرهم وعدم ارتياحهم لوجود غيرهم، وليس هناك علاج سحري لهؤلاء ولكن المطلوب تحجيمهم ونبذ العنصرية اجتماعيا وتجريمها قانونيا. والغريب في الأمر أن بعض هؤلاء الذين يطالبون بطرد اللاجئين السوريين هم أنفسهم ليسوا من سكان تركيا الأصليين بل هاجر آباؤهم إلى تركيا من البلقان أو القوقاز أو غيرهما.