نشرت صحيفة "واشنطن بوست" مقالا لكبير مراسليها رجيفتش اندراسيكاران، حول
تحالفات قطر وأسبابها، وكيف ولماذا تزعج هذه التحالفات جاراتها في الخليج.
يبدأ المقال بالحديث عن قاعدة العديد العسكرية، التي تحوي مركز قيادة ضخما، ويعمل فيه 8000 عسكري أميركي وعشرات الطائرات، وشاشات ضخمة لمتابعة كل الطائرات في المنطقة والصور التي تبثها الطائرات دون طيار، والتي تستخدمها أميركا في حربها ضد "
داعش".
ثم يقول وعلى النقيض من هذه القاعدة، وعلى بعد عشرين ميلا منها وفي قلب هذه العاصمة التي تعج بالحياة يقع مسجد عملاق يتم استخدامه كموقع متقدم لناشطي القاعدة، يقوم فيه المشايخ بدعوة الناس للتبرع لحركات متطرفة مثل جبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة والموجودة على قائمة الحكومة الأميركية للمنظمات الإرهابية.
ويستدرك مراسل الصحيفة قائلا إنه بالرغم من كون السلطات القطرية تحركت حديثا ضد جمع التبرعات للمنظمات السورية التي يشتبه في انتمائها للقاعدة، فليس هناك أي إشارة لوقف دعمها لمنظمات أخرى "تعتبرها دولا في المنطقة منظمات إرهابية".
ويضيف أن استراتيجية قطر في دعم الإسلاميين مثل حماس في غزة والإخوان في مصر والمتشددين في
سوريا وتقديم نفسها في الوقت ذاته كحليف رئيسي للولايات المتحدة يكمن في البراغماتية، فشبه الجزيرة الصغيرة هذه، والتي تقع على حدود المملكة العربية السعودية تريد حماية نفسها بأن تكون صديقة للجميع.
وتنقل الصحيفة عن وزير الخارجية القطري خالد بن محمد العطية قوله: "لا نريد أعداء.. نتحدث مع الجميع، فنحن بالتأكيد لا نستطيع تغيير الجغرافيا ولذلك فإن كل من هو في محيطنا الجغرافي يجب أن يكون صديقا حميما لنا".
وأضاف العطية بأن بلده مشاركة في التحالف الذي تقوده أميركا في حربها على "داعش"، ولكنه أوضح أن لدى بلاده تصنيفا مختلفا لتقديم الدعم للمنظمات السياسية والمقاومة عن ذلك الذي تتبناه بعض جاراتها أو أصدقائها
الغربيين "فلا نستطيع القول بأن كل إسلامي هو إرهابي.. كلا"، وفق التقرير.
ويشير التقرير إلى أن نفس الروح المتسامحة تجدها أيضا تجاه الثوار الليبيين الذين يحاولون إسقاط حكومة منتخبة، وتجاه إيران التي تشارك قطر في حقول غاز تحت الخليج، فبدلا من أن تشارك إخوانها العرب بالشعارات النارية ضد البرنامج النووي الإيراني سعت قطر لعلاقة انسجام مع ايران بالرغم من دعم إيران للأسد في حربه مع الثوار.
هذه المقاربة أزعجت الدول الأخرى في المنطقة، حتى وصل الأمر بالسعودية والبحرين والإمارات أن قامت بسحب سفرائها من الدوحة أوائل العام، وجعلت البعض في واشنطن يشك في موثوقية قطر كحليف، كما أورد التقرير.
وعلق مسؤؤل كبير من دولة جارة، مشترطا عدم ذكر اسمه: "إنهم يلعبون لعبة ازدواجية.. إن القطريين انتهازيون محترفون".
ويقول الكاتب إن الأمر يتعلق بالبقاء؛ فخوفا من أن يصبح للإخوان موضع قدم في قطر، اتفقت الحكومة القطرية معهم قبل 20 عاما أن تستقبل أعضاءهم من دول أخرى، شريطة أن يلتزموا بعدم التدخل في قطر.
ويتابع بأن هذا سمح للقطريين بأن يصبحوا لاعبين مهمين في الشرق الأوسط، وأن يخرجوا من تحت عباءة السعودية، فبدلا من الاعتماد على جار قوي لحمايتهم، اجتهد القطريون في صناعة تحالفاتهم الخاصة.
ويضيف أن هذه المقاربة قائمة على الفرضية بأن العرب سيحاولون تغيير الأنظمة الدكتاتورية، وخمنوا بأن الشعوب ستنحاز لمن يجعلون للإسلام أولوية في السياسة. يقول العطية: "في نهاية المطاف ستنتصر إرادة الشعوب وليس عندنا شك في ذلك". ولكنهم لا يتوقعون نفس الشيء في بلادهم لأن الناس يعيشون حياة مرفهة وحتى انتخابات المجلس الاستشاري، التي كانت مزمعة العام الماضي، تم تأجيلها إلى أجل غير مسمى دون أي ضجة.
وتعتقد قطر أنها بتأييدها للإسلاميين تراهن على الفائز وثبت هذا عمليا، عندما فاز الإخوان في مصر وتونس وليبيا، مما جعلها تظهر بأنها اتخذت القرار الصائب عام 1995، حيث اتبع الأمير آنذاك سياسة الصداقة مع الجميع وسمح للإخوان وحماس بإنشاء المؤسسات هناك في نفس الوقت الذي سمح فيه لأميركا بإنشاء أكبر قاعدة قيادة مركزية في المنطقة، بحسب الصحيفة.
ويرى مراسل الصحيفة أن نجاح من دعمتهم قطر في دول الربيع العربي شجعها على دعم الثوار في سوريا، فأرسلت عشرات الملايين من الدولارات لشراء السلاح والمواد الأخرى، بحسب مسؤولين غربيين مطلعين على أنشطة قطر حيث تحدثوا بشرط عدم ذكر أسمائهم.
وتذكر الصحيفة أن القطريين كانوا يعلمون أن الثوار السوريين هم خليط يتراوحون بين العلمانيين والمتطرفين الإسلاميين فعمدوا إلى دعم الإسلاميين من الثوار، بحجة أنهم القادرون على الحصول على الشعبية، وبحسب الكاتب، شجع هذا بعض أئمة المساجد في قطر للدعوة للتبرع لجبهة النصرة وفتح حسابات في بنك قطر الإسلامي للتبرع للمنظمات الإسلامية هذه.
ويعلق بأن قطر حققت النجاحات في سوريا، ولكنها بدأت برؤية هذه النجاحات تتبدد بنفس السرعة في مصر وليبيا، كما أن بعض الفصائل السورية التي حصلت على دعم قطري بدأت بالانضمام لجبهة النصرة، بعد أن بدأت الفصائل بالتناحر فيما بينها، ولكن المستفيد الأكبر كان تنظيم الدولة، الذي رأى أعداد منتسبيه تتضاعف، مشجعا التنظيم ليصبح أقوى من غيره في سوريا ثم يدخل العراق.
ويقول وزير الخارجية القطري إن حكومته لم تدعم "داعش"، ويقول مسؤول أميركي كبير إنهم لا يملكون أي أدلة تشير إلى عدم صحة ذلك. ومع هذا يتهم المسؤولون الأميركيون والمحللون قطر بسوء التعامل مع المسألة، وإن بعض التمويل قد يكون وصل لجبهة النصرة أو من يؤيدهم. ويقول مسؤول أميركي له علاقة في السياسة الأميركية في سوريا: "إن القطريين لا يمتلكون الخبرة الكافية ولا المقدرة على إدارة مهمة على هذا النطاق"، وفق التقرير.
ومما أزعج الغربيين دعم قطر لتنظيم "أحرار الشام"، والذي قاتل في ائتلاف مع جبهة النصرة، مما جعل الغربيين يتهمون قطر بالتعامل مع الناس "غير الواضحين".
ويختم التقرير بالإشارة إلى أن العطية يرى أن قطر لا تتفق دائما مع حلفائها في الولايات المتحدة والغرب حول من هي جماعات المعارضة السورية التي تعتبر معتدلة، وبيّن أن التطرف يعود لإهمال الغرب للأزمة، فيقول "إن الغرب أضاع حوالي عامين ونصف وهو مشغول في تصنيف الفصائل بناء على ارتباطاتها، وصنفت حمراء وبرتقالية وخضراء، والآن عندما انتهينا من التصنيف عدنا للفصائل التي صنفت خضراء فوجدنا أنها اصبحت حمراء، ولكن ما يغضب أميركا من قطر ليس هو نفسه الذي يغضب السعودية والإمارات والبحرين منها، حيث ما يغضي هذه الأخيرة منها هو الدور الذي تلعبه في مصر وليبيا".