تنتشر
مقاهي القهوة السريعة ومطاعم البيتزا على الطراز الإيطالي في شوارع العاصمة الليبية، التي بقيت بمنأى عن الاشتباكات بين الميليشيات والفصائل الوطنية.
وهذا الإرث الذي تركه الاستعمار الإيطالي، والذي يدل على العلاقة الثقافية الوطيدة بين البلدين الواقعين على ضفاف البحر الأبيض المتوسط، لا يزال صامدا في وجه أعمال العنف والاضطرابات السائدة حاليا.
وقال سالم وهو متقاعد يعيش في طرابلس يجلس مع أصدقائه في ساعات الصباح الأولى على إحدى طاولات مقهى عمر المختار، الذي يحمل اسم بطل مقاومة الاستعمار الإيطالي: "ليس في وسعي أن أبدأ يومي من دون فنجان "نص نص"، أو ما يعرف عموما بقهوة ماكياتو.
ويرفض الزبائن الرد على أسئلة عن الوضع الأمني في البلاد، مفضلين تغيير الموضوع. وكتب بالإنكليزية على واجهة المقهى الواقع في شارع تجاري كبير إنها "أفضل قهوة في المدينة". وكتبت أيضا هذه الجملة على أكواب الكرتون التي يقدم فيها المشروب الساخن البني اللون. ويفتح هذا المقهى الصغير أبوابه على مدار الساعة، شأنه في ذلك شأن عدة مقاه في
ليبيا حيث تشرب القهوة في أي وقت صباحا ومساء.
وانتشرت القهوة السريعة (إسبريسو) في البلاد خلال الاستعمار الإيطالي، مع العلم أن الليبيين هم أصلا من كبار مستهلكي الشاي. وباتت هذه العادة متجذرة في الحياة اليومية.
وبعد سقوط نظام معمر القذافي الذي كان مغلقا على الاستثمارات الخارجية، فتحت مجموعة قهوة إيطالية أبوابها في طرابلس. وأصبح لديها اليوم ثلاثة فروع تعمل برخص امتياز في طرابلس، على ما شرح مدير أحد هذه الفروع الواقع قبالة البحر بالقرب من الحي الإيطالي القديم.
وصرح رشيد -وهو مغربي قَبِلَ الانتقال من أحد مقاهي العلامة في دبي ليجرب حظه في طرابلس-: "نشكل حالة استثنائية... فزبائننا يعودون كل يوم" إلى هذا المقهى الذي لم يبق فيه طاولة فارغة والذي تقصده النساء أيضا في مشهد نادر جدا في العاصمة طرابلس.
ويخوض شباب ليبيون غمار هذا المجال، من أمثال الثلاثيني محمد صاحب مقهى أدريان في طرابلس الذي يعول على النوعية.
وقال المدير "أختار القهوة بعناية"، مشيرا إلى أكياس ذهبية من ماركة إيطالية، وموضحا أن مستوردي القهوة الإيطالية هم كثيرون في طرابلس.
وليست النوعية من دون شك العلامة المميزة لأطباق البيتزا المستهلكة في طرابلس، حيث تكيف هذه الوجبة حسب الأذواق المحلية مع صلصات قوية المذاق ومكونات أخرى لا تضاف عادة إلى وصفات البيتزا الإيطالية.
لكن بعض
مطاعم البيتزا، من قبيل "إل فورنو"، لا تزال حريصة على المحافظة على الطريقة التقليدية لتحضير البيتزا في الفرن، بالرغم من صعوبة الحصول على أجبان جيدة النوعية.
وقال ليبي محاط بأطفاله الثلاثة في مطعم يقع في قلب طرابلس: "أولادي يريدون تناول البيتزا كل يوم". والسواد الأعظم من زبائن مطاعم البيتزا هم من الشباب، بحسب ما لفت أحمد، طاهي البيتزا، الذي دل على زبائن مطعمه غير الآبهين بالاشتباكات التي تدور في جنوب المدينة.
فسكان جنوب العاصمة يعيشون هم على وقع صدى الاشتباكات المتكررة للسيطرة على مطار طرابلس في حياتهم اليومية، وشغلهم الشاغل الصمود وسط انقطاعات الكهرباء ونقص الوقود.
وتدل البيتزا والقهوة والمعكرونة أيضا على الروابط الوطيدة القائمة بين ليبيا وإيطاليا، التي تعد من البلدان الغربية القليلة التي حافظت على بعثاتها الدبلوماسية في طرابلس، بالرغم من تدهور الأوضاع الأمنية.