كتب محمد نور الدين: في غمرة انشغال المنطقة كلها بأحداث
غزة، تتواصل المعركة الرئاسية في
تركيا بين المتنافسين الثلاثة رجب طيب
أردوغان وأكمل الدين
إحسان أوغلو وصلاح الدين ديميرطاش والتي ستجري بعد حوالي الأسبوع من الآن.
الأول إسلامي ومرشح حزب العدالة والتنمية الحاكم، والثاني أيضا إسلامي ومرشح المعارضة القومية والعلمانية والثالث مرشح الأحزاب الكردية المؤيدة لعبدالله أوجالان.
طغت غزة على مناخ الجولات الرئاسية، ليس من هذا الحماس الذي كان متوقعا أو يفترض أن يكون. غزة أكلت من وهجها لأن فلسطين هي في الأساس أساس كل القضايا العربية والإسلامية.
لكن هذا لايكفي لتبرير برودة الحملة الانتخابية.
من عوامل البرودة أن المرشح الكردي لا يشكل أي تهديد للآخرين وخطابه السياسي معروف سلفا وإن كان يحاول تسخين بعض الأجواء. وهو لا يستطيع التجوال في كل تركيا ليس لأنه ممنوع من ذلك بل لأن قاعدته هي حيث يتواجد الأكراد أي في مناطق الجنوب الشرقي وفي أنقرة وإسطنبول وكان الله في عون المحسنين.. يعني لا يمكن أن نراه مثلا في قونية أو سيواس أو بورصة أو طرابزون أو زونغولداق أو أي منطقة ليس فيها أكراد.
أما أكمل الدين إحسان أوغلو فشخصيته في الأساس غير صدامية وهادئة وأقرب إلى الباحث ورجل العلم منها إلى السياسة رغم أنه تولى مهاما سياسة على المستوى الدولي ومنها الأمانة العامة لمنظمة التعاون الإسلامي لمدة ثماني سنوات.. وبالتالي فإن خطابه السياسي ليس استفزازيا أو هاويا للمعارك الاستعراضية والعبثية.
ثم إن إحسان أوغلو ليس حزبيا.. بل هو مرشح حزبي الشعب الجمهوري العلماني وحزب الحركة القومية اليميني المتشدد.. وهو كان خيار هذين الحزبين الرئيسيين حتى لا تفترق بهما السبل ويخسران المعركة قبل أن تبدأ فارتأيا اللجوء إلى هذا الخيار الوسطي بينهما.. وبالتالي فإن الجماهير التي يمكن أن تحضر إلى أي مهرجان يقيمه ليست جماهيره بل جماهير الأحزاب التي رشحته أو تلك التي تدعمه.. وهذه الجماهير ستأتي إلى مرشح لا ينتمي تنظيميا إلى أحزابها وهذا يشكل عاملا لاجما لحضور الجماهير مهرجانات إحسان أوغلو .
وإحسان أوغلو يدرك ذلك ولهذا استعاض عن الالتقاء بالجماهير في ساحات عامة بتنظيم لقاءات في مناسبات أو في إفطارات في شهر رمضان.. وما يمكن أن يقيمه بعد رمضان لن يكون كافيا لتعويض إشعار الجماهير بوجوده وحضوره.وهو هنا أقرب إلى أن يكون موظفا كبيرا يترشح لانتخابات رئاسية يقوم البرلمان لا الشعب بانتخابه.
وشتان هنا الفارق بين مثل هذا المرشح وبين مرشح آخر(أردوغان) فله صولاته وجولاته وخطاباته ولقاءاته وتكتيكاته في مخاطبة الناس من على المنابر الشعبية وفي الساحات العامة وله خبرة عمرها أكثر من عشرين عاما منذ ترشح لرئاسة بلدية إسطنبول عام 1994 وليس فقط منذ أن وصل بحزبه إلى السلطة في العام 2002 أمام سياسيين عتاة مثل بولنت أجاويد وطانسو تشيللر ومسعود يلماز ودولت باهتشلي وغيرهم.
عدا ذلك فخلفه حزب متماسك لا ينظر إلى السياسة على أنها مجرد مصالح وفرص بل كونها مشروعا عقائديا يخدم مشروعا قوميا ودينيا ووطنيا يريد أن يدفع بتركيا إلى مصاف الدول الفاعلة في محيطها وفي العالم.
وبمعزل عن مدى نجاح أو فشل هذا المشروع فإن أردوغان المرشح هو هذا بالضبط.وهو ما يعطيه أفضلية كبيرة على خصميه ينتظر أن تترجم في صناديق الاقتراع التي يريدها أنصاره تتويجا له في مسيرته السياسية ليس ليرتاح في مقر رئاسة الجمهورية فقط بل أيضا ليستأنف المعركة من أجل المشروع من موقع آخر وبأساليب أخرى جديدة.
لذا، ليس عبثا أن تجمع استطلاعات الرأي حتى الآن على أن أردوغان قد يفوز من الدورة الأولى بفارق كبير يصل إلى 52-55 في المئة مقابل 38 في المئة تقريبا لإحسان أوغلو و7-8 في المئة لديميرطاش.
وفي حال حدث ذلك من الدورة الأولى، فإنه سيحرر أردوغان وحزبه من الكثير من الابتزاز ودفع تكاليف سياسية لجذب غير المؤيدين له للتصويت له في الدورة الثانية.
(بوابة الشرق القطرية - 1 آب/ أغسطس 2014)