بات من المرجح أننا سنكون عرضة في
تونس لموجة
إرهابية متواترة وبنسق جديد بما يجعل هذا الصيف وخاصة رمضانه ساخنا بكل المقاييس.
إرهاب القاعدة وشقيقاتها لم يبدأ الآن. كان مساره متعرجا. زمن بن علي لامس الحدود مع
الجزائر، ثم توسع بهدوء وصمت.
كانت تجمعات المقاتلين التونسيين في قاعدة الرافدين كبيرة، وقياسا بسكان البلاد، كانت ضخمة ومن الاكبر اطلاقا.
شبكاتها نشطت وسفرت تحت أنف النظام أو بالرغم منه. ضرب في الغريبة ثم استغرق في الشعانبي بعض الوقت مثلما الحال الان قبل ان يحاول استباق المراحل والتموقع في منطقة جبلية محدودة في ضواحي العاصمة. التكتيك المتسرع كان متزامنا مع الإعلان عن الوطالة الحصرية باسم القاعدة في بلاد المغرب.
والآن عديد العناصر القيادية المتورطة في ارهاب الان كانت مجموعات السجناء التي قبعت في سجن المرناقية قبل الثورة.
كانوا أحد مكونات تركة بن علي. أرادت القاعدة التأقلم مع الثورات، محاولة مراودتها، إلى حد إعلانها وبكل صفاقة وبدون حياء تمظهرا دقيقا لاستراتيجيتها، على الرغم من سلميتها الطاغية خاصة في الاشهر الاولى من سنة 2011، وعلى الرغم من شعاراتها "الطاغوتية" التي لاريب فيها من حرية وديمقراطية.
بقي "إدارة التوحش" منذ سنة 2008 عملا تنظيريا يقبع في الأدراج في مرحلة صعبة من مسار القاعدة عموما، عندما وصلت إلى مأزق وكان التراكم للثورات. بمجرد اشتمام اللحظة المصيرية الجديدة تم تفعيل المقرر المدرسي الجديد بدقة، وفي تونس مثلا قبل حتى هروب بن علي بايام انبرى زعيم قاعدة المغرب دروكدال ليعلن بوضوح انهم ينوون ركوب الموجة.
كان هاجس بناء "الحاضنة الشعبية" حاضرا بقوة في تنافس مع مبدأ "الطائفة المنصورة". وانتقلنا من مرحلة "الجهاد الفردي" بما يعنيه من اغتيالات من خلال خلايا معزولة بالتزامن مع خلق مجالات حرة عازلة مع محاولة التمركز في جبال الشعاني وخمير على الحدود المحاذية لقواعد "قاعدة المغرب" في الجزائر. وعمليات استعراضية تحدث الرجة تحضيرا لمرحلة النكاية التي بدأنا ندخلها الان.
الخط تصاعدي استفاد ويستفيد من "خبرة" التجربة الجزائرية، والكم البشري في تونس، والسلاح المتدفق من ليبيا.
من المرجح أنه تم التحضير لمرحلة النكاية الراهنة بهدوء، مع الاستفادة من عدم تكرار خطأ التكتيك المتسرع المعروف باسم "عملية سليمان".
الاقتراب من الوسط الحضري جذاب ومغري للجماعة لكنهم يقاومون هذا الشعور لكنهم بدوا الان مستعجلين لاستنساخ "نموذج" الدولة، وافلام "صليل الصوارم"، بما يتحمله كل تلك الصور من شعور الغلبة، والسيطرة، وحسم المعركة.
كان الجولان الاستعراضي في مدينة القصرين بالتكبير والكلاشينكوف بعد استهداف المنزل العائلي لوزير الداخلية بوصفه رمزا للدولة واستشهاد اربعة حراس امام التراخي المثير للجدل للتحصينات المختلف من منطقة حرس واقليم ومنطقة امن المحيطة بها، كان كل ذلك قطعة مشهدية صغيرة مستنسخة مباشرة من حالات "
داعش".
بين العراق والشام تبرز "داعش" مثل "الدولة-القاعدة" بمفهومها البعثي البحت. دولة في عمق الهلال الخصيب، حيث "قلب الامة". "داعش" تفرض نوعا جديدا من الصراع: إما معي او مع بشار. وهكذا يتم فرم المنطقة الوسطى. التجربة بصدد مفاجأة الجميع بما في ذلك القاعدة الأم، وزعيمها الظواهري الذي اصبح يتابع من بعيد "ناصحا" وبلا حول او قوة.
في حين يقود البغدادي، الذي حرص بتبيان اصله القرشي حتى يشرعن وجوده كخليفة جديد. العمليات في العراق او الأنبار تحديدا تعتمد بشكل كبير على استياء الناس من حكم طائفي متزايد والوضع الاقتصادي والامني الصعب.
اهتأأت تجربة "الصحوات" وتبني "داعش" سيرتها الآن بالتعاضد مع كم الدماء الذي فرضته التحالف الطائفي الشيعي في مراكز الدولة في معالجة وضعية الفلوجة على سبيل الذكر لا الحصر.
توغلت "داعش" في الشام لتسيطر على شطر سوريا الذي تطغى عليه الصحراء ومحاولين التقدم في حركة اختراق نحو الحدود التركية وساحل اللاذقية حيث معاقل بشار.
وهكذا انهكت بعزمها الراسخ على تحقيق دولة قبل انهاء بشار اي قوى سورية حقيقية كبديل لبشار. هذا هو النموذج الاعلى والاصفى للمجموعات المتمركزة في تونس.
خاصة ان شبكات التونسيين فيها طاغية ورهيبة مستمدة شرعية تاريخية من زمن التونسيين المتواجدين في العراق مباشرة اثر الحرب الامريكية التي اطاحت بصدام.
مصر تواجه اختبارا ضخما. سيناء منفلتة نحو تيارات قريبة من القاعدة اهمها تنظيم "بيت المقدس".
والسيسي انهكته الطريق الى الرئاسة قبل الوصول اليها. من الصعب الا نرى في اهتراء صورته والعزوف الواسعة على التصويت في لجان رأى الجميع فراغها، بمعزل عن الارقام المعلنة المضحكة التي لم يتمالك امامها نفسه حمدين صباحي كومبارس السيسي ذاته استفادة مباشرة من كل القوى الضمنية المتحالفة معه لكن التي لم يتم الاعتراف بها كهيكل رسمي.
بدأ الضغط على السيسي بأنه لا يكفي وحده وانه في حاجة الى "الماكينة" لخوض غمار السياسة بما في ذلك البرلمانية القادمة. انهارت صورة الفرعون الفحل واتت عوضا عنها صورة رجل مبتدئ في السياسة بدون اسس راسخة في المستقبل. انتكاسة الانتخابات الصورية في مصر امل جديد لرجوع مصر الى سكة ثورة 25 يناير.
لذلك يضعف وضع حفتر في ليبيا، وهو المصري الهوى، والذي "كل امنيته ان يلقى السيسي".
اللقاء بالسيسي الان من الناحية الرمزية فأل شؤم. يركب موجة الاستياء العام من الفوضى وضعف الدولة وهيمنة سطوة الجماعات "الجهادية" خاصة في الشرق، سواء بنغازي او درنة. لم يخض حتى الان معركة كبيرة وحاسمة. يواصل الحشد.
غير انه مؤثر من حيث مزيد اضعاف ما تبقى من الدولة. ليس في الواقع امام الليبييين الا الحل السياسي اذ لا احد قادر على اسحم المسلح في بلد الخمسة وعشرين مليون سلاح. لكن في الاثناء تبرز "انصار الشريعة" الليبية عبر ناطقها الزهاوي كطرف يستحث تدخلا دوليا بما يعني التهيئة لاجهاض مسار الانتقال الديمقراطي هناك. وبهذا المعنى فان الاطراف اتي تضعف الدولة تلتقي من حيث جعل وجود كل منهما مرتبطا بالاخر.
في المقابل الجزائر على تركيزها على اولوية الارهاب التي يعلنها حفتر دون القدرة الفعلية على فعل شيء، بقدر ما يقلها بشدة وكما حدث من قبل اي انخراط مصري في منطقة المغرب العربي.
عموما الموجات الارتدادية القادمة من الشرق بدأت تمسنا عب مجموعات الارهاب في العمق. فالثورة المضادة هي المنظومة القديمة واحد تمظهراتها هي القاعدة وشقياقاتها. في تونس الهدف انهاء التجربة الديمقراطية عبر منع الانتخابات.
يتقاطع ذلك موضوعيا مع كل من لا يعتبر الانتخابات الا وسيلة لفرض قرار الاغلبية وللتساهل مع الارهاب وبالتالي "بلاش بيها". المعادلة واضحة اما ان نحمي الديمقراطية ومعها نحمي الدولة ذاتها، أو أن نتراخى ونعتبر حماية الديمقراطية مسالة بدون قيمة والاهم حماية الدولة، ونخسرهما الاثنين.