حلل الباحث رفائيل لافيفر مؤلف كتاب "
رماد حماة" العلاقة بين الإخوان المسلمين والسعودية، وتساءل في مقالته التي نشرها مركز
كارنيغي، عما إذا كان بإمكان
إخوان سوريا إنقاذ علاقة الجماعة مع الرياض.
وجاء في المقالة، أن العلاقة بين
السعودية والإخوان المسلمين هي علاقة معقدة، وهذا الأمر ينسحب على إخوان سوريا الذين عاش الآلاف منهم في السعودية منذ أوائل الثمانينيات، في مدن مثل الرياض وجدة. ومع أنهم عانوا من التدقيقات الأمنية المتكررة فإنهم لم يتعرضوا لقمع صارم، وحتى عندما تدهورت العلاقة بين السعودية والإخوان المصريين.
وأضاف الكاتب أن الربيع العربي عام 2011، أثار حالة من عدم الثقة بين السعودية والإخوان خاصة بعد دعم السعودية لوزير الدفاع المصري عبد الفتاح السيسي وانقلابه على حكم الإخوان المسلمين في مصر في تموز/ يوليو 2013.
وفي إطار آخر، دعم الإخوان السوريون قطر في منافستها للرياض على الدور الفاعل في المنطقة، ولكنهم عادوا واتخذوا موقفا مؤيدا للرياض.
ويقول الكاتب إن العلاقة تمر الآن بمنعطف درامي بعد تصنيف الرياض في بداية آذار/ مارس جماعة الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية" مع منظمات مثل "حزب الله" و"جبهة النصرة" في سوريا و"الدولة الإسلامية في العراق والشام". ويبدو أن القرار يتعلق بالإخوان المسلمين في مصر والسعودية نفسهما، ولكنها لم تحدد فرعا بعينه، ما يزيد احتمال استهداف الإخوان السوريين.
هناك مصالح كبيرة
ويرى الكاتب أن علاقة الإخوان السوريين مع السعودية مبنية على المصالح الكبيرة، فاثنان من مسؤوليها السابقين عاشوا هناك، وهما حسن هويدي الذي عاش في المدينة المنورة، وعبد الفتاح أبو غدة الذي عاش في الرياض. أما القيادات الأخرى، فيعيش معظمها في إسطنبول، ومعروف أن غازي عينتاب مثلا يقطن في تركيا. والكثيرون يسافرون من السعودية إلى تركيا ليجتمعوا بالأعضاء الآخرين أو بالسياسيين أو التجار.
ومع ذلك، فإن السعودية تعتبر المصدر الرئيس للتبرعات لأنشطة الجماعة، وقد تمكن بعض الإخوان السوريين من جمع ثروة جيدة من خلال العمل في دول الخليج، وهم يشكلون العمود الفقري لأنشطة الجماعة الخيرية والعسكرية.
ولذلك يقول الكاتب، إنه إن تم تجريم الانتماء للإخوان المسلمين، فسيكون له آثار كبيرة على الفرع السوري منها. ونقل الكاتب عن عضو في الإخوان المسلمين السوريين قوله: "فوجئنا بما أعلنته الرياض، وإن لم يفعل شيء للوصول إلى حل وسط، فستتأثر علاقتنا بشكل سلبي".
ويضيف لافيفر أن قيادات الإخوان فوجئت بالقرار السعودي، وخاصة أن علاقة جماعتهم شهدت تحسنا مع السعودية في الأشهر التسعة الماضية.
ويشير هنا لدور نائب المراقب العام محمد فاروق طيفور، الذي لعب دورا مهما في هذه المحاولة. فقد زار طيفور الرياض في حزيران/ يونيو الماضي، كنائب لرئيس الائتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، والتقى بمسؤولين سعوديين بارزين، واتفق معهم على أن يقود الجهود السعودية لصياغة المعارضة بشكل مرض لها. وقال أحد المقربين منه: "إن طيفور بذل جهودا مضنية لإنجاح الأجندة السعودية". وتضمن الاتفاق مثلا إعادة انتخاب أحمد الجربا رئيسا للائتلاف الوطني في تموز/ يونيو 2013، وفي كانون ثاني/ يناير .2014 ومثل هذه التحركات كلفت الإخوان ثمنا غاليا وخلقت خلافات داخلية.
ومع ذلك فإنه، كما يرى الكاتب، حظيت جهود طيفور للدفع بالأجندة السعودية بدعم بعض الشخصيات القريبة من الإخوان، مثل نذير حكيم من "الائتلاف لحماية المدنيين"، وهي مجموعة تقدم الدعم المادي لفصائل المقاومة في سوريا، ومن أحمد رمضان من "مجموعة العمل الوطني"، وهي منظمة وطنية إسلامية. ولكن عددا من الإخوان عارضوا تلك الجهود، لأن بعضهم كان يميل للمرشحين المدعومين قطريا، مثل رجل الأعمال مصطفى الصباغ ورئيس الوزراء السوري السابق رياض حجاب. كما أن دعم طيفور للجربا في حزيران/ يونيو الماضي، كان مناقضا لقرار القيادة بدعم الصباغ.
ويروي الكاتب أنه، في النهاية تمكن طيفور تدريجيا من إقناع أعضاء آخرين في الإخوان لتبني وجهة النظر السعودية بالنسبة لقيادة المعارضة السورية، مع أن الفكرة بقيت مثيرة للجدل، وأدت لانقسامات عندما عادت في كانون ثاني/ يناير 2014. ويأتي قرار السعودية بإعلان الجماعة حركة إرهابية ليفاقم التوترات الداخلية.. وهذه الانقسامات من المتوقع أن تتبلور قريبا حيث تقوم الجماعة بانتخاب قيادتها هذا الربيع.
ويلفت إلى أنه يبدو في الوقت ذاته، أن هناك توافقا بين الإخوان السوريين على الحاجة لإقناع الرياض بأن حلا وسطا مع السعودية يمكن التوصل إليه، لأنه وفي المحصلة فإن الجانبين يعملان لنفس الأهداف القريبة والمتوسطة المدى، وهي دعم المعارضة السورية بهدف استبدال النظام السوري المدعوم من إيران وحزب الله بنظام ذي أغلبية سنية. ويزيد الكاتب، أنه لهذا قامت قيادة الحركة بتشكيل لجنة للتفاوض مع المسؤولين السعوديين، وهم على ثقة بإمكانية التوصل إلى اتفاق.
والمشكلة كما يراها لافيفر، هي أن وزير الداخلية السعودي، الأمير محمد بن نايف الذي دفع باتجاه تصنيف الإخوان جماعة "إرهابية" هو نفسه المسؤول عن ملف سوريا منذا شباط/ فبراير 2014. وحيث أن هناك صراعا على ولاية العهد، فإن الإخوان يراهنون على أن إجراءات الأمير محمد بن نايف ضد الحركة قد تكون مجرد تحرك ليحظى بولاية العهد، وليس خيارا مرتبطا بالمعتقدات. كما أن آخرين يشيرون إلى أن الأمير بندر بن سلطان، مسؤول المخابرات، أخذ وقتا لتقبل لعب الإخوان دورا في المعارضة السورية.
ويوضح أن هذه القراءة تتطلب من الإخوان معاودة جهود التواصل مع السعوديين، والتركيز على المصالح المشتركة، وأن يثبتوا لهم أن الفرع السوري يختلف عن الحركة في مصر، بالإضافة إلى استعدادهم للتنازل في قضايا أساسية.
ويعتقد الكاتب أن معالم الاتفاق، وإن لم تظهر بعد إلا أنها في الغالب تتضمن انسحابا تدريجيا للإخوان من لعب دور سياسي في المعارضة، على الأقل رسميا. واقترح بعض القيادات أن توقيت التحرك السعودي قد يعطي فرصة لدخول "حزب الوعد" المدعوم إخوانيا والمستقل رسميا والذي أعلن عنه الأسبوع الماضي بعد أن تأخر هذا الإعلان عدة مرات. ويتألف الحزب من أعضاء في الإخوان، بالإضافة إلى إسلاميين مستقلين وشخصيات وطنية، بما في ذلك شخصيات من الأقليات. ويهدف إلى إعادة صياغة الشكل الذي شارك فيه الإخوان في اللعبة السياسية في السنوات الأخيرة.
وبحسب أحد الأعضاء البارزين، في حديثه للكاتب، فإن حزب الوعد سيسمح للإخوان بـ"ترك السياسة لحزب وطني حتى تستطيع الجماعة التركيز على نشاطاتها داخل سوريا".
ويختم لافيفر بأنه "يبقى أن ننتظر لنرى إن كان هذا مرضيا للسعودية أم لا".