هناك حكاية يتم تداولها في القاهرة هذه الأيام عن قيام الحكومة
المصرية المدعومة من الجيش باعتقال فريق أرسلته شركة علاقات عامة أمريكية استأجرتها الحكومة نفسها لتصحيح صورتها في الخارج.
وكانت مهمة الفريق هي التقاط صور عن الحياة الرائعة والأمن الذي يخيّم على العاصمة القاهرة. ولم يكد الفريق التلفزيوني يدخل المطار حتى ألقي القبض عليه.
حكاية سردها الصحافي المقيم منذ مدة في القاهرة "ماكس رودينبك"، والمراسل المخضرم لمجلة "إيكونوميست"، والذي كتب كتابا رائعا عن تاريخ القاهرة. فقد كتب رودينبك عن الجهود التي بذلتها الحكومة لتعزيز صورتها مستخدمة أموال الدعم من دول الخليج؛ خاصة السعودية، وفي ذات الوقت مواصلة قمع المعارضة، حيث تصادمت المهمتان.
وأنفقت الحكومة مبالغ كبيرة من ذلك الدعم لأجل حل مشكلة "الصورة" التي يعاني منها الإنقلاب. واستأجرت شركات للعلاقات العامة في واشنطن؛ منها تلك التي اعتقل فريقها حالة وصوله القاهرة.
ويقول ماكس فيشر في مقالة له عن هذه القصة بصحيفة "واشنطن بوست": هناك شيء من الكوميديا السوداء عن قمع الحكومة المصرية للأشخاص الذين استعانت بهم لتحسين صورتها في الخارج. ولكن هناك عنصر تراجيدي في المسألة كما يقول فيشر، ويتمثل في سؤال "ألا يعتبر استفزاز أو اعتقال أي صحافي من المعارضة هو هزيمة للذات إن لم يكن فاضحا؟ كان من المفترض أن يكون هذا الدرس الذي تم تعلمه من ثورة 2011 التي بدأت احتجاجا على كل ذلك، وكان من المفترض أن يكون الدرس الذي تعلمه مرسي، ومحاولته وضع السلطات بيده، ولكنها الدائرة التي تعود إليها مصر مرات ومرات".
ويقول "كل القوى التي حاولت حكم مصر منذ سقوط حسني مبارك، وهذا يشمل مبارك نفسه، لم يستطع أي منها إقناع البلد بخيريته، كما لم يكن أي منها قادر على فرض إرادته على البلد، وكلهم حاول، ولكن بطريقة بائسة".
وجاء تعليق فيشر في ضوء الإستفتاء على الدستور، حيث كتب معلقا على أحداث يومي الاستفتاء على الدستور: "قوس التاريخ يتجه نحو "الوضع القائم" الذي سبق الثورة المصرية، فقد خرج المصريون في الأيام السابقة للاستفتاء على الدستور، وهو الاستفتاء الثاني الذي يقوم به المصريون منذ عام 2011، وسيغير كل شيء؛ الغاء الدستور الذي مرر عندما كان محمد مرسي في السلطة ومنح المؤسسة العسكرية سلطات واسعة وحصانة خاصة. والأمر يتكرر مرة أخرى، حيث قام الجيش بتعليق العمل بالدستور مباشرة بعد
انقلاب عام 2013، فالدستور الجديد سيعزز سلطة المؤسسة العسكرية أكثر واستقلاليتها عن الحكم المدني، وكذا توسيع السلطات لقوات الأمن".
وأضاف أن هذا يتناقض مع دعوى الحكومة التي تتسيّدها المؤسسة العسكرية التي تقوم بإدارة دفة البلاد منذ إنقلاب تموز/ يوليو، والتي تقول إنها قامت بحماية الديموقراطية من مرسي، فيما هي تؤكد سلطة العسكر.
ويتساءل "كيف تقوم بتقديم صورة لطيفة أبوية عن جيش يحمي ويقود البلاد نحو الديموقراطية؛ صورة يبدو فيها الجنرال وبشكل متزايد أنه بصدد ترشيح نفسه للرئاسة، وفي الوقت نفسه تقوم بالسيطرة على الشارع وتقود حملة لقمع المعارضة السياسية؟". ولعل هذا هو مغزى القصة التي سردها رودينبك!