قضايا وآراء

غزة والمنطقة والعالم بعد 100 يوم من الحرب

حمزة زوبع
 100 يوم على طوفان الأقصى
100 يوم على طوفان الأقصى
نشرت صحيفة وول ستريت جورنال مقالا بعنوان "بعد مائة يوم.. مخاوف من انتشار الحرب إلى ما وراء غزة وتعطيل التجارة الدولية"، وصفت فيه الحرب بأنها أكبر الأحداث الجيوسياسية بهذا القرن. وتحدث المقال عن انتشار مساحة الحرب واتساع نطاقها وتأثيراتها خارج غزة، وخصوصا على العلاقات الأمريكية الصينية والحرب على أوكرانيا والتطبيع بين السعودية والكيان الصهيوني والتعثر الأمريكي في المنطقة.

وما يهمني هنا هو الوصف الدقيق والجديد للحرب بأنها أكبر حدث جيوسياسي في القرن الحالي والذي اعتقد أن المقاومة الفسلطينية هي صاحبة السبق في هذا الوصف حين أعلن الناطق باسم كتائب القسام أن ما جرى في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 هو "ضربة القرن".

بعد مائة يوم أصابت المقاومة الفلسطينية الإسلامية ألف آلية عسكرية، منها دبابات الميركافا وجرارات وجرافات وناقلات الجند وقتلت المئات من ضباط وجنود العدو، ناهيك عن الآلاف من المصابين بدنيا ومثلهم من المحطمين نفسيا، واضطرت المقاومة قوات العدو وألويته العسكرية للانسحاب، فقد انسحب لواء جولاني من قبل من شمال القطاع وأمس انسحبت الفرقة 36 ليتبقى للاحتلال ثلاث فرق من أصل ست فرق قامت بالحرب البرية على غزة على صغر مساحتها.

مائة يوم والعدو لم يستطع تحرير أسير ولا إخراج حماس من غزة ولا إجبار المقاومة على الاستسلام، رغم قوته وقوة الدول الست التي تدعمه عسكريا وسياسيا وماليا ولوجستيا، فلا تزال المقاومة بخير ولا يزال التحدي قائما.

مائة يوم انتقلت فيها الحرب إلى داخل مجلس الحرب الصهيوني، وانضم أحد أعضاء مجلس الحرب (الوزير السابق جانتس) إلى المتظاهرين الباحثين عن حل سلمي للإفراج عن الأسرى، كما انتقلت الحرب إلى البيت الأبيض الأمريكي فأورد وارده (وزير الخارجية توني بلينكن) إلى المنطقة أربع مرات من أجل الضغط على الكيان لوقف الحرب حتى لا تصل شظاياها إلى أمريكا، ولكنها وصلت وتضررت سمعة الحزب الديمقراطي والرئيس الأمريكي جو بايدن وقد ينتهي به الأمر إلى خسارة الانتخابات المقبلة، ومع ذلك فلم يستطع بايدن ترويض نتنياهو ولا إثناءه عن مشروعه الشخصي وحلمه السياسي المدمر.

مائة يوم استنزفت فيها دولة الكيان قرابة 50 مليار دولار ولا تزال تخسر من ميزانيتها العامة من أجل المجهود الحربي، ولكنها لم تحقق هدفا عسكريا ولا سياسيا واحدا وذلك بفضل الله ثم المقاومة الفلسطينية.

مائة يوم هي أطول أيام الحروب بين العرب والصهاينة وأكبر خسائرهم البشرية سواء في انتفاضة الأقصى أو ما تلاها من أيام الحرب وحتى هذه الساعة، بل إن صواريخ المقاومة لا تزال تنطلق صوب المستوطنات وصوب تل أبيب من المناطق التي دخلتها القوات البرية الصهيونية، في علامة على صمود المقاومة وفشل الحرب وعجز الصهاينة.

مائة يوم من الدمار والقصف وقتل المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا، ومع ذلك فصمود أهل غزة أعجز العالم وأبهر الشعوب حتى أن قادة الاحتلال ومن فرط غيظهم من ثبات الشعب وصموده طالبوا بإبادة هذا الشعب العظيم المقاوم واصفين إياه بأنه مؤيد للمقاومة.

مائة يوم لم تتحرك فيها الجامعة العربية من أجل تحقيق قراراتها التي اتخذتها في القمة العربية الإسلامية المشتركة في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، ولا يزال العجز مستمرا وواضحا وجليا، والتفاوض يدور سرا عن صفقة وقف الحرب مقابل تكفل عرب الخليج بإعادة الإعمار وتطبيع السعودية مع الكيان الصهيوني. ورغم أن الصفقة لصالح الكيان، فلا يزال يرفض ويرى أن التطبيع قادم بدون وقف للحرب وبدون السماح بإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس.

مائة يوم وشعوب العالم تنتفض وجامعات أمريكا تستعصي على الهيمنة الصهيونية، بينما الشارع العربي مكبل بقيود من حديد، وألسنة من يسمون بالمثقفين قد أصابها الشلل لولا أن بعضهم نطق كفرا وأيد الكيان وأدان المقاومة ليثبت للتاريخ أن من بيننا خونة وعملاء كشفتهم الحرب على غزة.

مائة يوم والتحرك القضائي يأتيك من جنوب القارة السمراء العظيمة ومن دولة عانت من مآسي الفصل العنصري وحكم البيض، وقال زعيمها الكبير الراحل نيلسون مانديلا: "لا طعم للحرية بدون حرية الشعب الفلسطيني". كان التحرك الجنوب أفريقي غاية في العظمة والإبهار والتحدي للكيان الصهيوني والقوى الغربية المؤيدة له، ما دفع بألمانيا للانضمام إلى المحكمة الدولية في لاهاي دفاعا عن الكيان الصهيوني، فاندفعت دولة ناميبيا الأفريقية التي كانت محتلة من ألمانيا لكي تدافع عن الحق الفلسطيني، بينما النظام في مصر لا يزال مترددا في الرد على اتهام الكيان الصهيوني لمصر بأنها هي التي تحاصر غزة وليس الكيان الغاصب.

بعد مائة يوم اتسع نطاق الحرب بالفعل وإن لم يكن بالوتيرة المتوقعة، فشاهدنا كيف كان لليمن دور في تعطيل الملاحة والتجارة الدولية في البحر الأحمر، وانتهى الأمر بإصدار أمريكا تحذيرا للسفن بعدم المرور عبر البحر الأحمر حتى إشعار آخر، ناهيك عن إطلاق الصواريخ والمسيّرات صوب الأراضي المحتلة، مما دفع بالأمريكان والبريطانيين لطلب الدعم من أجل التصدي، ولكنهما عادا بخفي حنين إذ رفضت معظم دول العالم المشاركة في احتلال البحر الأحمر وضرب القوات الحوثية، وانفردت الدولتان الاستعماريتان بقصف اليمن دون إذن من مجلس الأمن كالعادة، ومع ذلك ورغم القصف قام اليمنيون بضرب سفينة حربية أمريكية بصاروخ، في تحد كبير وصفه موقع أكسيوس بأن الحوثي كان يسعى من أجل أن يصبح عدوا لأمريكا وحصل على ما يريد، أي أن استراتيجية الحوثي هي جر الأمريكان إلى المنطقة كما قالت وول ستريت جورنال.

دخل العراق الحرب عبر هجمات متفرقة على مواقع الجيش الأمريكي واعترف الأمريكيون بذلك وقاموا بالرد على القصف عدة مرات، ولكن الأمر بات مزعجا.

ودخل حزب الله المعركة من جنوب لبنان ومعه مقاومة فلسطينية جديدة، وباتت مستوطنات الشمال الصهيوني تحت القصف وقيد التهجير حتى بلغ عدد المستوطنين المهجرين قرابة الثمانين ألف مستوطن.

مائة يوم ولا تزال المفاوضات بين أمريكا وإيران والغرب بشكل عام دائرة حتى لا تدخل إيران الحرب خشية ألا يتم السيطرة والتحكم في العواقب، ولكن نذر الحرب الإقليمية يراها كل ذي نظر ويدركها كل صاحب بصيرة.

مائة يوم والضفة الغربية تنتفض من جديد وهي تواجه العدو الصهيوني والسلطة العميلة، ورغم ذلك فعمليات الدهس والطعن والاشتباك مع جنود العدو ومستوطنيه مستمرة حتى وصلت إلى تل أبيب قبل يومين.

مائة يوم وكل الدراسات الغربية تشير إلى أن عالما جديدا يولد من بعد طوفان الأقصى بعدما تمت الإطاحة بأسطورة إسرائيل وجيشها الذي لا يقهر، فقد تم قهره وتهشميه على حد وصف القائد يحيى السنوار، وتم كشف نقاط ضعفه وهتك ستره وأصبح نمرا من ورق وعلى الجميع ألا يخشاه، ولكن العرب المتحالفين مع الكيان لا يعترفون بسقوطه لأنهم يعتقدون أن المقاومة إذا انتصرت ففي ذلك هلاكهم، لذا فهم ينتظرون اللحظة التي يمنون بها النفس وهي إن لم تكن انتصار العدو فلتكن عدم انتصار المقاومة.

مائة يوم والمقاومة بخير والمتصهينون العرب في مأزق ومأتم وكرب شديد.
التعليقات (0)