أفكَار

عن المسجد الأقصى وحكاية هيكل سليمان.. نقاش فكري وتاريخي هادئ

هل هيكل سليمان موجود داخل أو حول مكان المسجد الأقصى اليوم!؟  (الأناضول)
هل هيكل سليمان موجود داخل أو حول مكان المسجد الأقصى اليوم!؟ (الأناضول)
سؤال كبير وحائر ربما هو أطول الأسئلة في التاريخ عمرا! هذا السؤال هو:  ما هي حقيقة "هيكل سليمان"!؟ ولا يزال هذا السؤال حتى اليوم يبحث عن جواب!! وما هذا الحديث سوى حرف واحد من ملايين الحروف التي ملأت صفحات الكتب والدراسات العديدة التي تبحث منذ قرون طويلة عن حكاية  "هيكل سليمان"!

ويضاف إلى ذلك السؤال الكبير والحائر سؤال آخر هو: هل هيكل سليمان موجود داخل أو حول مكان المسجد الأقصى اليوم!؟

وردت الإشارة في القرآن الكريم الذي هو أصدق الحديث إلى مسجدين فقط بالإسم هما: المسجد الحرام والمسجد الأقصى. ذكر الله سبحانه وتعالى من بنى المسجد الحرام ولكنه لم يذكر من بنى المسجد الأقصى.

قال تعالى: "وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم". سورة البقرة آية ١٢٧. فعرفنا وعرف الناس من بنى المسجد الحرام في مكة المكرمة.

أما بالنسبة للمسجد الأقصى فهنالك بعض الروايات التي يصعب تصديقها إذ لا دليل عليها. فهنالك من ينسب بناءه إلى سيدنا آدم عليه السلام. ومنهم من ينسبه إلى سيدنا نوح عليه السلام. ومنهم من ينسب ذلك إلى ابنه سام. ومنهم من يقول إن النبي إبراهيم عليه السلام هو الذي بنى المسجد الأقصى كما بنى المسجد الحرام هو وابنه إسماعيل.

حكم الهكسوس مصر. وحكم الفرس كل البلاد المجاورة لإيران. وحكم الرومان أوروبا كلها بما فيها الجزر البريطانية. وقامت إمبراطوريات وزالت. ثم نشأت دول وحضارات أخرى وزالت ولم يدع السابقون أن لهم حقا في احتلال الأراضي التي كانت يوما ما مقرا لمملكة بعينها.
كان نبي الله سليمان بن داوود عليه السلام شخصية مميزة بين أنبياء الله ورسله. فهو الذي علمه الله سبحانه وتعالى لغة الطير فتحدث مع الهدهد وعلمه لغة النمل فسمع حديث النملة وهي تحذر قومها من النمل من جيش سليمان فتبسم ضاحكا من قولها وهو الذي  جيئ له بعرش ملكة سبأ بلقيس من اليمن إلى فلسطين في طرفة عين في زمن لم تكن فيه لا طائرات نفاثة ولا صواريخ عابرة للقارات!

هذا النبي الكريم هل كان له حقا هيكل!؟

أخبرنا الله سبحانه وتعالى أنه سخر للنبي سليمان جنودا من الإنس والجن والطير يأتمرون بأمره ويصنعون له ما يشاء من المحاريب والتماثيل فلا يستغرب أن يبنوا له هيكلا للعبادة. هذا من حيث المبدأ.

ولا نشك أبدا أن النبي سليمان عليه السلام قد يكون بنى مسجداً لعبادة الله. هم، أي اليهود، يسمونه الهيكل ولكن الله سبحانه وتعالى قد أشار إليه كمسجد كما جاء في الآية السابعة من سورة الإسراء في قوله تعالى: "وليدخلوا المسجد كما دخلوه أول مرة".

ثم يروي لنا القران الكريم كيف تم بناء قصر الملك سليمان عليه السلام من الزجاج حتى أن الملكة بلقيس حينما جاءت من اليمن "حسبته لجة وكشفت عن ساقيها ". حسبته من زرقته كما لو أنه جزء من البحر فكشفت عن ساقيها حتى لا تبتل ملابسها.! فلما قيل لها إنه "صرح ممرد من قوارير". قالت "أسلمت مع سليمان لله رب العالمين". ما قد يجعل البعض يصدق  قيام الملك سليمان عليه السلام ببناء مثل ذلك الهيكل.

ولكن السؤال هو أين بني هذا الهيكل!؟

قرأت ما تيسر لي قراءته عن حكاية هيكل سليمان كما يرويها اليهود وكما ترويها كتبهم وكما يرويها بعض أصحاب الأناجيل أيضا الذين يجمعون بين العهد القديم. وهو التوراة والعهد الجديد وهو الإنجيل.

كما قرأت البعض من الأبحاث التي تم القيام بها حول هذا الهيكل من بعض المختصين من أساتذة الجامعات في العالم وبعض كبار أحبار اليهود.

وهناك من يؤكد وجود الهيكل تحت قبة المسجد الأقصى ومن بين هؤلاء عالم الاجتماع والتاريخ عبد الرحمن بن خلدون رحمة الله ورضوانه عليه. وهنالك أيضا من ينفي ذلك.

ويعتقد اليهود أن هذا الهيكل هو المعبد اليهودي الأول الذي بناه الملك سليمان بن داوود عليه السلام، ويرون أن أرض المسجد الأقصى هي أرض الهيكل وهو قدس الأقداس عندهم. ويقولون إن نبي الله سليمان هو الذي بناه ووضع فيه التابوت الذي يحتوي الوصايا العشر!. غير أنه تمّت العديد من الحفريات في موقع المسجد الأقصى وما حوله دون العثور على الهيكل المزعوم.

وتقول كتب التاريخ إن الهيكل قد تعرض للهدم على يد القائد البابلي نبوخذ نصر عام ٥٨٦ قبل الميلاد فيما يعرف في كتب التاريخ بسبي بابل وذلك خلال غزوه لأورشليم القدس. ثم قيل إنه تعرض للهدم مرة أخرى بعد ذلك بأربعة قرون على يد الرومان سنة ٧٠ ميلادية. فمن الذي أعاد بناءه مرة أخرى بعد أن هدمه البابليون. حتى يعيد هدمه الرومان.!؟ تلك علامة استفهام أخرى حول هذا الهيكل.!

لماذا يصر غلاة الصهاينة على وجود هيكل سليمان تحت قبة الصخرة في المسجد الأقصى.!؟ واستخدام ذلك لتبرير الاحتلال الصهيوني لفلسطين!؟

لقد شهد التاريخ البشري موجات متتالية من الأحداث وقامت دول وزالت دول وقامت حضارات وزالت حضارات ولكن كان دائما لكل حادث حديث ينتهي بانتهاء أسبابه. وهكذا ينبغي أن يكون الحال بالنسبة لمملكة نبي الله داوود وابنه نبي الله سليمان عليهما السلام في فلسطين. تلك أمة قد خلت لها ما كسبت وليهود ١٩٤٨ وليهود ٢٠٢٣ ما اكتسبوا وما اكتسبوا لا علاقة له لا بمملكة داوود ولا بمملكة سليمان ولا بالهيكل المزعوم.

الحقيقة اليوم هي أنه ليس في باحة المسجد الأقصى ولا بداخله شيء اسمه هيكل سليمان.
حكم الهكسوس مصر. وحكم الفرس كل البلاد المجاورة لإيران. وحكم الرومان أوروبا كلها بما فيها الجزر البريطانية. وقامت إمبراطوريات وزالت. ثم نشأت دول وحضارات أخرى وزالت ولم يدع السابقون أن لهم حقا في احتلال الأراضي التي كانت يوما ما مقرا لمملكة بعينها.!

لم تدع إيطاليا ولا يجوز لها أن تدعي أن من حقها احتلال بريطانيا اليوم لأن هذه الجزر البريطانية كانت  يوما ما جزءا من الإمبراطورية الرومانية.!

قصة طالوت وجالوت والنبي داوود الذي أتاه الله الملك وردت في القرآن آلكريم ولا جدال في أنه كانت لداوود الملك وابنه سليمان دولة في أرض فلسطين. ولكن ذلك كان حدثا تاريخيا وقع بين عام ١٠٢٠ و١٠٠٠ قبل الميلاد أي منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.! ولا يمكن أن يكون ذلك سببا للادعاء بأن فلسطين هي الوطن القومي لليهود بحجة مملكة النبي داوود عليه السلام.! وإلا جاز للإيطاليين الرومان القدماء وجاز لليونانيين الإغريق القدماء وجاز للبنانيين الفينيقيين القدماء استعادة كل الأراضي التي كانت يوما ما تشكل جزءا من تلك الإمبراطوريات القديمة.!!

طالوت إسمه بالعبرية شاؤول. وتقول بعض الروايات التي وصلتنا ومنها الرواية الإسرائيلية ويسمونه شاؤول الملك أنه هو الذي أسس الدولة الإسرائيلية القديمة والأولى والأخيرة في فلسطين منذ حوالي ثلاثة آلاف سنة.!! وهي الدولة التي انتهت كما انتهت دول كثيرة عرفها العالم خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية.!!

روى لنا القرآن الكريم في الآيات من ٢٤٦ إلى ٢٥١ من سورة البقره قصة طالوت وداوود ومقتل جالوت. فلا أحد ينازع في ذلك.!! ولكن "تلك أمة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون." سورة البقرة آية ١٣٤. "وتلك الأيام نداولها بين الناس ". صدق الله العظيم.

الخلاصة

قد يكون النبي سليمان عليه السلام قد بنى معبداً لا يهم كثيرا إن كان اسمه الهيكل أو كان اسمه المسجد أو كان اسمه المعبد. وقد يكون ذلك المكان قد تعرض للهدم بفعل التضاريس السياسية على مر العصور.!

ولكن الحقيقة اليوم هي أنه ليس في باحة المسجد الأقصى ولا بداخله شيء اسمه هيكل سليمان.

ولكن الحقيقة أيضا هي أن كل المؤشرات التاريخية تقول إن ذلك الهيكل لا وجود له منذ أيام المدعو نبوخذ نصر ملك بابل في التاريخ القديم.

*كاتب وباحث ليبي
التعليقات (0)