كتب

جذور التطهير العرقي الصهيوني ضد الشعب الفلسطيني.. قراءة في كتاب

استغلت دولة الاحتلال الآثار العربية في القرى والمدن الفلسطينية، لدعم الرواية الإسرائيلية المزيفة، وهو ما قامت به الجمعية الإسرائيلية للمسح الأثري التي أسست عام 1964م..
استغلت دولة الاحتلال الآثار العربية في القرى والمدن الفلسطينية، لدعم الرواية الإسرائيلية المزيفة، وهو ما قامت به الجمعية الإسرائيلية للمسح الأثري التي أسست عام 1964م..
الكتاب: التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني
فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري مستمر
الكاتبة: اسلام شحدة العالول
الناشر: مركز الزيتونة للدراسات والنشر، الطبعة الأولى بيروت عام 2023م.
عدد الصفحات 367

أصدر مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات كتاباً جديداً بعنوان “التطهير العرقي ضدّ الشعب الفلسطيني: فعل استعماري استيطاني صهيوني محوري ومستمر”، في 386 صفحة من القطع المتوسط، للأستاذة إسلام شحدة العالول. وقد صدر الكتاب بالتعاون مع أكاديمية المسيري للبحوث والدراسات، ومركز المبادرة الاستراتيجية فلسطين – ماليزيا.

قدّم الكتاب د. نهاد محمد الشيخ خليل، الأكاديمي والمحاضر في الجامعة الإسلامية بغزة قسم التاريخ، الذي رأى أن إسهام الشباب في بناء السرديات الكبرى المتعلقة بالقضية الوطنية للشعب الفلسطيني هو أكثر ما يبعث الأمل في النفوس، خصوصاً في ظلّ حالة الإحباط التي تعيشها شرائح واسعة من الناس، والضغوط والتحديات التي يفرضها الاحتلال على أبناء الشعب الفلسطيني.

إن عمليات التطهير العرقي المنظم الذي مارسته الحركة الصهيونية قبل عام 1948م، فاقت ما يمكن وصفه بالجرائم الحرب الدولية، فدولة الاحتلال بعد أن تمكنت من مسح 560 قرية فلسطينية عام 1948م، وشردت أكثر من مليون فلسطيني من قراهم ومدنهم، تخوض اليوم حربا على الوجود الفلسطيني، عبر الحرب الديمغرافية، لتقليص عدد الشعب الفلسطيني؛ فأرنون سوفر حذر دولة الاحتلال في أكثر من مؤتمر من مؤتمرات مركز هرتسيليا بالواقع الديمغرافي الذي تعيشه دولة الاحتلال، كونه يشكل تهديدا للأمن القومي الإسرائيلي في الجليل والمثلث والنقب والقدس، فهي تسابق الزمن لرفع نسبة عدد اليهود في القدس الشرقية، وترغب في ترحيل منطقة المثلث الفلسطيني، وفق ما جاء في صفقة القرن، في الوقت الذي تنشد فيه دولة الاحتلال بأنها الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ولكنها ديمقراطية بالمفهوم العنصري، فمعظم الحروب التي خاضتها إسرائيل بعد حرب النكبة الفلسطينية عام 1948، كان هدفها تهجير أكبر عدد ممكن من الشعب الفلسطيني ومحو أي أمل في تحقيق حلم العودة الذي أقرته الشرائع والقوانين الدولية وفق لقرار 194 القاضي بحق عودة اللاجئين لديارهم وممتلكاتهم.

ولتمزيق الشعب الفلسطيني وسلبه ما تبقى من أرضه، وتشتيته بصورة أكبر شنت حرب عام 1967م العسكرية، التي تزامنت مع خطة إسرائيلية هدفها إضعاف الشعب الفلسطيني، وتشير الكاتبة: "استخدمت دولة الاحتلال سياسات متعددة، ومتطورة وفق الأحداث؛ بهدف تحويل الفلسطينيين من حضور قوي مكثف على أرضهم إلى مركزين داخل معازل متفرقة لا ارتباط بينها، في مقدمة لاجتثاثهم من أرضهم ونفيهم مفرقين أشتاتاً في العالم؛ ولذلك فقد تبنت الحكومات الصهيونية المتلاحقة مصطلحاً مراوغاً للتهجير القسري، أسمته الهجرة الطوعي، الذي يعني نهب الأرض والموارد، وسد سبل العيش أمام الفلسطينيين، بحيث يدفعون إلى الهجرة بالتدريج من دون حاجة إلى القيام بعمل عنيف مباشر ضدهم" ص24.

مع تعدد المجازر الإسرائيلية وآلة القمع، سطر الصمود الفلسطيني أروع مشاهد البطولة والكرامة العربية، فلم تستطع إسرائيل بمجازرها وعتادها العسكري، أن تطفئ شعلة المقاومة الفلسطينية في جنين أو نابلس أو القدس أو قطاع غزة، بل إن الإرهاب الإسرائيلي أعاد للمقاومة الفلسطينية وهجها في الداخل الفلسطيني، في صورة لم يشهد لها التاريخ الفلسطيني مثيلا عام 2021م، كيف لا وصاحب الأرض يستميت دفاعاً عن وطنه، في ظل صراع صفري مع المنظمات الصهيونية العنصرية على الوجود، القائم على إما نحن وإما هم، ففلسطين ستبقى جامعة الكل الفلسطيني على الرغم من ضعف إمكانياته مقارنة بالترسانة العسكرية الإٍسرائيلية.

تذكر الكاتبة أن هدف وضع هذه الدراسة جاء  لـ"توضيح الأفكار باستخدام المخططات التوضيحية والصور الأرشيفية والخرائط، لأن الإيقاع البصري أثناء القراءة يساهم بشكل أفضل في إيصال المعلومة" ص27، فهي تطرح الموضوع وتدعمه بالصورة والخريطة والتحليل، والإضاءات، وتضيف جاء الكتاب ليوضح أن التطهير العرقي هو الوصف الدقيق لما حصل عام 1948م، خاصة مع وجود تعريف محدد له وفق القانون الدولي، وأن مصطلح النكبة وبعدها النكسة هو مصطلح مضلل وفيه إخفاء لحجم الجريمة.

تمهيد مفاهيمي

تناولت الكاتبة في الفصل الأول تمهيدا مفاهيميا للاستعمار والتطهير العرقي  في السياق الفلسطيني، فمراجعة التاريخ الإنساني تبين أن الفعل الاستعماري سمة منتشرة ومتكررة، منذ الإمبراطورية الرومانية ، إلا أن الممارسات الاستعمارية التي قادتها القارة الأوروبية كانت أكثر اجراماً وتأثيراً، عبر إحداث تبديل ديمغرافي حينا، وإعادة بناء استعمار اقتصادي في البلدان المستعمرة حينا أخر، بما يتوافق مع مصالح القوى المستعمرة، فمازالت دول عربية عديدة تعاني من اقتصاد يتسم بالتبعية الاقتصادية للدول التي سبقت وأن استعمرتها، فالاستعمار الاقتصادي وكذلك الاجتماعي والثقافي، يعد الأسهل على الدول المستعمرة من الاستعمار العسكري، فعقد الاتفاقات الاقتصادية أو الثقافية الثنائية قد لا تكون واضحة لعموم الشعب، فهما بوابة التحكم في الدول النامية خاصة كالهند، أما الاستعمار الصهيوني فتشير" إن الاستعمار الصهيوني لفلسطين بنية وعملية مستمرة وليس حدثاً منفصلاً...

ومازال النهج الاستعماري الصهيوني مستمر دون توقف، فعمليات الاقتلاع ومصادرة الأراضي وترحيل الفلسطينيين، وسياسات الفصل العنصري مكونات راسخة للمشروع الاستعماري الاستيطاني، أي أن فكرة المشروع الصهيوني ترتكز على محو الفلسطينيين من فلسطين، واستبدالهم بالمهاجرين اليهود، ولا يستقيم هذا المشروع من غير الاستحواذ على الأرض التي تشكل أهم رأس مال مادي يمتلكه الفلسطيني" ص39 .

مر الاستعمار الاستيطاني الإحلالي بتحولات مهمة، بعد عملية التطهير العرقي خلال حرب عام 1948م، فما بين النكبة ونكسة عام 1967م، حاولت دولة الاحتلال إخضاع السكان الأصلانيين عبر استخدام التطهير العرقي، واستغلت فلسطيني عام 1948م كعمالة رخيصة تم حصرهم في أفقر الاحياء، بأدنى الخدمات بعد الاستيلاء على مواردهم التي تساعدهم على العيش دون الاعتماد على دولة الاحتلال، ومع كل ذلك يغيب توصيف الاستعمار الصهيوني عن المؤرخون الجدد لفلسطين المحتلة عام 1948م، حيث ان الاستعمار الصهيوني يبدأ لديهم باحتلال عام 1967م، أي عندما احتلت إسرائيل الضفة الغربية وقطاع غزة، حيث نظروا إليها باعتبارها المتروبول، أي الدولة الأم، وإلى المستوطنين في الضفة الغربية بمنزلة مبعوثيها!!. 

تنبه الكاتبة بالقول: "يشرعن بعض المثقفين الغربيين لإسرائيل صفة الديمقراطية بمنح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية ما يعني نفي الصفة الاستعمارية عنها...وعلى أنها ممارسات دولاتية إسرائيلية منصفة، تنفي عن إسرائيل صفة دولة استعمارية، وتنفي أيضا وقوع الفلسطينيين تحت الشرط الاستعماري" ص47 ، ففرض الجنسية الإسرائيلية لم تكن مبادرة إسرائيلية ولكنها جاءت استجابة للمطالب الدولية لقبول خطة الجمعية العامة للأمم المتحدة في قرار التقسيم، ولم يكن هناك أي اعتراض من الأحزاب الصهيونية على منحهم الجنسية؛ كون عددهم لم يزد عن 160 ألف فلسطيني، ولا يشكلون ثقل سياسي وديمغرافي على الحكومة الإسرائيلية بعكس الواقع اليوم فهم يشكلون أكثر من 20% من المجتمع الصهيوني، ويمثلون تهديداً ديمغرافياً مقلق لدولة الاحتلال، جعل بعض قادتها يطرحون العديد من المشاريع التهويدية للجليل والنقب، وبروز أصوات صهيونية يمينية للتخلص من المثلث الفلسطيني بشرياً، أي بعد سلبهم أراضيهم وقراهم، وضمهم لأراضي السلطة الفلسطينية دون أراضيهم.

الاحتلال مارس التطهير العرقي فكرا وفعلا

مارست الحركة الصهيونية التطهير العرقي فكراً وفعلاً خلال الفترة 1947 ـ 1949م، حينما بثت الشائعات الزائفة بأن أرض فلسطين أرض خالية، و أن من يسكنها لم يشكلوا شعب ذو حضارة، ووصفهم هرتزل بأنهم سلسلة من الرعاة واللصوص،  كما أطلق عليهم حاييم وايزمن لقب كوشيم  أو الزنوج الذي لا قيم لهم بحسب وصفه، في حين اعترف جابوتنسكي بوجود الشعب الفلسطيني الذي لا يمكنه ان يتنازل عن حقوقه، وهذا ما أدركته الحركة الصهيونية جيداً منذ أول عملية تطهير عرقي تمت في قرية الجعوانة عام 1886م، ورفضت الكاتبة وصف التهجير القسري للفلسطينيين بأنه عملية ترانسفير "يعتبر مصطلح الترانسفير مصطلح مضلل لما ترنو له الصهيونية من تهجير قسري للفلسطينيين؛ للاستيلاء على أراضيهم، ومسح اسم فلسطين من الوجود، لأن كل الخطابات الصهيونية أخفوا حقيقة ما سيقومون به من عمليات تطهير عرقي لأراضي فلسطين، وصدروا للإعلام والعالم أن العملية هي فقط ترانسفير، أي نقل للفلسطينيين من أرض إلى أرض أخرى ضمن حدود وطنهم الأكبر الوطن العربي" ص55

ما يميز هذه الدراسة أنها في ردها على الرواية الصهيونية لم تستخدم الأدلة اللفظية والواقعية، ولكنها استخدمت الصورة الحية للحياة الثقافية والحضارية لفلسطين المحتلة.. وأكدت في كل فصل من فصول الدراسة أن التطهير العرقي الإسرائيلي يمارس ضد الشعب الفلسطيني حتى اليوم بكل حذافيره، السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية والحضارية والثقافية.
وحين لم يلبي قرار التقسيم الأطماع الصهيونية، ولم يرضي طموحاتهم راحت المنظمات العسكرية تفرض قرار التقسيم الذي ترتأيه المستند على نظرية التطهير العرقي، واستخدمت المنظمات العسكرية "كشتيرن والبلماخ والهاغاناة" مصطلح التنظيف في عمليات الطرد والتشريد للشعب الفلسطيني، وراحت تنفذ الإرهاب الصهيوني مستهدفة الساحل الفلسطيني في المدن الرئيسة يافا، حيفا، القدس ولم يسلم الريف الفلسطيني أيضا من الغارات والتفجيرات بالتزامن مع تدمير البيوت والمجازر الهادفة إلى ترويع الفلسطينيين، وحملهم على الرحيل بحسب الخطة"ج"، التي أفضت لتهجير أكثر من 30 ألف فلسطيني، لتستعد الحركة الصهيونية بعدها لتنفيذ خطة دالت التي تم تنفيذها في نيسان عام 1948م، عندما تنامي إليها التوجه نحو إقرار التقسيم: "مع وجود مؤشرات على أن الدعم الأمريكي لقرار التقسيم أخذ يضعف، قررت القيادة الصهيونية التسريع في تنفيذ الخطة دال، وتحديد المنطقة الإضافية المنوي ضمها إلى الدولة اليهودية الممنوحة للهم وفق قرار التقسيم، وبالتالي وضع العالم أمام حقائق منتهية، قبل أن يتم اتخاذ أي قرار جديد من شأنه أن يلغي الشرعية الدولية عن الدولة اليهودية "، وقضت الخطة إلى توسيع حدود الدولة اليهودية لأبعد ما يكون من حدود التقسيم، عبر نسف وحرق وتدمير القرى العربية وطرد الفلسطينيون إلى خارج أراضيهم وحدود الدولة اليهودية المرغوبة، وهي سياسية صهيونية قامت على استراتيجية أكبر مساحة من الأرض مع أقل عدد من الفلسطينيين، ومن هنا تم احتلال المواقع الفلسطينية المرتفعة، والضغط الاقتصادي على الفلسطينيين، واحتلال قواعد الفلسطينيين في المناطق الريفية والحضرية، وبذلك مثلت خطة دالت حرب شاملة على الكل الفلسطيني بأحيائها الحضرية، وقراها الزراعية وبات الجميع تحت الاستهداف المنظم من المنظمات الإرهابية الصهيونية"، ص87.

أفضت الحرب لسلب أكثر من 78% من مساحة فلسطين، وإخلاء خمسة مدن فلسطينية بصورة تامة حيث جرى تفريغها من أهالها، وتشريد نحو 800.000 ألف فلسطيني، نصفهم إلى خارج فلسطين، ولم تنج من الدمار والترحيل سوى مدينة الناصرة، وتم ذلك بأوامر من ديفيد بن غوريون؛ خشية من اغضاب الفاتيكان والعالم المسيحي، وتم تدمير المشهد الفلسطيني بمجمله، وتضيف العالول حول تدمير المركز المديني الفلسطيني:" أفضى دمار المدن إلى تشتت غالبية أفراد طبقة المثقفين الناشئة، وخروج قادة المجتمع، وانهيار البنية الطبقية، وأدى تدمير المركز المديني الفلسطيني إلى إعاقة مسارات التطور والحداثة التي كانت آخذه بالتطور... وتركت أثراً مباشراً على حاضر الفلسطينيين ومستقبلهم، فضاع خلال عمليات النهب والتدمير جزء كبير من الإرث الثقافي الفلسطيني المكتوب" ص 113.

حق العودة مقدس

تؤكد الكاتبة أن فشل عملية توطين اليهود في القرى العربية المهجرة أدى إلى تسريع عمليات هدم القرى الفلسطينية، وبحسب الدكتور سلمان أبو ستة "كان الإسراع في قرار التدمير لتفادي الضغط الدولي من أجمل السماح بعودة اللاجئين"، وتم ذلك عبر التخلص من ركام القرى المهدمة، ومن ثم تدمير القرى الواقعة على امتداد الطريق بين يافا والقدس، وخلال خمسة عشر عام بعد النكبة تم مسح 410قرية من أصل 560 قرية فلسطينية تم تهجيرها، دمرت بشكل كامل، في حين قدر عدد القرى التي تم البناء الاستيطاني عليها نحو93 موقع فقط، تم التوسع العمراني الاحتلالي عليها. ص161.

ومن هنا جاء طرح الدكتور سلمان أبو ستة بإمكانية تحقيق حق العودة باعتباره حق مقدس وممكن، لفراغ القرى الفلسطينية حتى اليوم، وهو ما جاء في كتابه حق العودة حق مقدس وقانوني وممكن.

استغلت دولة الاحتلال الآثار العربية في القرى والمدن الفلسطينية، لدعم الرواية الإسرائيلية المزيفة، وهو ما قامت به الجمعية الإسرائيلية للمسح الأثري التي أسست عام 1964م، فكل ما تم تدميره، أرادت منه دولة الاحتلال إيجاد تاريخ إسرائيلي مزيف، حين ظهر توجه إسرائيلي لمحو أي أدلة أثرية ذات طابع عربي أو إسلامي، بل وإقحام تاريخ يهودي مكانه، فتم تزوير بعض المعالم التي تعود للعصر المملوكي على أنها تعود للعصر الصليبي، وتدمير المدينة القديمة في قيسارية ، وقرية كوكب الهوى، في الوقت الذي تم ترميم الأثار الصليبية، وتحويل المساجد والكنائس في القرى والمدن المهجرة إلى مطاعم أو أندية ليلية، أضف إلى ذلك تهويد أسماء الشوارع والمعالم والمواقع الجغرافية الفلسطينية ص163.

أما عن التطهير العرقي في مرحلة التوسع الصهيوني الإحلالي1967م، فتم خلالها استهداف مخيمات اللجوء في الضفة الغربية وقطاع غزة، فعلى سبيل المثال تم تهجير سكان مخيمات اللاجئين بالقرب من مدينة أريحا فتقول الكاتبة:" عملت قوات الاحتلال فور احتلال منطقة وادي الأردن على طرد وترحيل أكثر من 50 ألف لاجئ فلسطيني، من ثلاث مخيمات للاجئين تحيط بمدينة أريحا، وهي مخيمات عين السلطان والنويعمة وعقبة جبر، طرودوا إلى الضفة الشرقية لنهر الأردن مع أكثر من 50% من المواطنين الريفين الأصليين في وادي الأردن" ص243، فقد أرادت دولة الاحتلال من هذا التهجير تخفيض الكثافة السكانية التي تناقصت من 182 نسمة /كم2 عام 1961، ووصلت نحو 26/ كم 2 فقط عام 1967م، وهذا ما تقوم به اليوم القدس والضفة الغربية عبر التهجير الصامت بالقوانين وممارسات التضييق، والانتهاكات الإسرائيلية.

أما في النقب المحتل التي لم يتبق من أهلها سوى 12% فقط، لم ترغب دولة الاحتلال ببقائهم وراحت تعمل على تهجير بشكل قسري، بجحه أنهم يقيمون في مناطق عسكرية مغلقة وتم " تجميعهم في شمال وشرق مدينة بئر السبع فيما يعرف باسم السياج، التي تشكل 7% فقط من مساحة قضاء بئر السبع"ص295، الذين وصل عددهم نحو ربع مليون فلسطيني، ونحو ثلث سكان منطقة النقب المحتل، ويشكل قضاء بئر السبع اليوم نحو 62% من المساحة التي أقيمت عليها دولة الاحتلال، أقيم فيه نحو 126 بلدة يهودية معترف بها، في الوقت الذي لم تعترف فيه دولة الاحتلال بعشرات القرى العربية وفق المخططات الهيكلية الاستيطانية، بالتالي اعتبرتها قرى غير موجودة، ويأتي هذا في إطار الصراع الديمغرافي والجغرافي الذي تشنه دولة الاحتلال على الشعب الفلسطيني، وهو صراع صامت، ونتائجه أصعب من الصراع العسكري، فهي ترفض ربط تلك القرى بالكهرباء، أو إيصال المياه إليها، وتمنع البناء فيها أو شرق الطرق، أي أنها تمارس التطهير العرقي القسري، ولذلك شكلت وحدة الدورية الخضراء، كوحدة عسكرية مهمتها الضغط على البدو للانتقال الى البلدات المعترف بها وترك قراهم، وتهدم المنازل التي تعتبرها غير قانونية، وتصادر مصدر رزقهم من قطعان وماشية، وأوكلت لوحدة يوأب تنفيذ عملية الهدم في النقب، فدولة الاحتلال تدرك جيداً أن الديمغرافية الفلسطينية في داخل الاحتلال تشكل مشكلة كبرى لها.

وأخيراً على أهمية هذه الدراسة بكل ما تحتويه من تفاصيل، وطرح مغاير، قلة من الباحثين من يجيده، سواء في سلاسة التعابير، وتفكيك المصطلحات الخاصة بالقضية الفلسطينية، وتفنيد الرواية الصهيونية، لم تضع الكاتبة نتائج لدراستها القيمة، فما يميز هذه الدراسة أنها في ردها على الرواية الصهيونية لم تستخدم الأدلة اللفظية والواقعية، ولكنها استخدمت الصورة الحية للحياة الثقافية والحضارية لفلسطين المحتلة.. وأكدت في كل فصل من فصول الدراسة أن التطهير العرقي الإسرائيلي يمارس ضد الشعب الفلسطيني حتى اليوم بكل حذافيره، السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية والحضارية والثقافية.
التعليقات (0)