نشر معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى،
تحليلا عن الاشتباك المسلح الأخير بين
حزب الله، وأهالي بلدة الكحالة ذات الغالبية المسيحية.
التحليل الذي كتبته الباحثة
اللبنانية حنين غدّار، حرض الولايات المتحدة على ضرورة تقنين المساعدات عن الجيش اللبناني، وقطعها تماما عن وحدات الجيش التي "لا تلتزم بحماية الشعب".
وجزمت الباحثة غدار بأن الجيش في حال تطورت الأمور بين حزب الله والمسيحيين المارونيين "لا يلاحق الحزب"، بيد أنها أبدت تفاؤلا بأن يقوم الجيش بحماية الناس.
وأوردت غدار بعض الأمثلة على "حالة العداء" بين مناطق ذات غالبية مسيحية، ودرزية، ضد حزب الله، بسبب تخزين الأخير للأسلحة والذخائر، والمتفجرات، ما يهدد أمن البلاد، بحسب قولها.
وأضافت: "أدّى تراكم خيبة الأمل من هذا السلوك إلى زيادة العداء تجاه "حزب الله" في الشارع وفي مواقع التواصل الاجتماعي، ويبدو أن حادثة الكحالة قد كسرت جدار الخوف المحيط بـ"حزب الله" لدى الكثير من اللبنانيين. وبالتالي يطالب المزيد من المدنيين وقادة المجتمع المسيحيين حالياً بردّ مسلح وتدابير للدفاع عن النفس".
اظهار أخبار متعلقة
توصيات
بعث التحليل بتوصيات، قال إن على الجيش تنفيذها لتفادي حدوث "انفجار أمني"، أبرزها أن يقوم الجيش بمهمته، محذرا من أنه في حال تمنع عن ذلك "ستكون النتيجة قيام المزيد من الجماعات المسلحة ووقوع المزيد من الاشتباكات في الأحياء".
وأضافت غدار "بدأت أساساً تتشكل جماعات مسلحة مستقلة في الأحياء المسيحية وتتولى مسـألة الأمن بنفسها - وهو تطور يحتمل أن يكون خطيراً نظراً لظهور فصائل مثل "جنود الرب"، التي تتبنى خطاباً طائفياً قوياً وأجندة اجتماعية يمينية متطرفة. ولكن لا يزال من السابق لأوانه التكهن بما إذا كانت هذه العناصر ستهاجم الأحياء الشيعية أو تنخرط في أشكال أخرى من العنف، لكن النمو المتزايد لشعبيتها قد يطرح مشاكل لأولئك الذين يأملون في الحفاظ على السلام".
وأضافت أن "نزعة الجيش اللبناني إلى الإعفاء عن الجناة من "حزب الله" أو التغاضي عن أنشطتهم، ناجمة إلى حدّ ما عن عقيدة لبنانية رسمية انتهجتها الحكومات المتعاقبة. فعلى مدى سنوات، مكّنت صيغة "شعب، جيش، مقاومة" إلى احتفاظ «مقاومة» "حزب الله" بأسلحتها (في انتهاك لـ "قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701"، الذي دعا إلى نزع سلاح جميع الكيانات غير الحكومية) والتنقل بها بحرية في جميع أنحاء البلاد، واستخدام الأحياء السكنية كدروع بشرية لمواجهة الأعمال العسكرية الإسرائيلية دون أي محاسبة".
وتابعت: "لذلك من الضروري أن يكون رئيس لبنان المقبل قادراً على تشكيل حكومة يمكنها اعتراض هذه العقيدة واتباع استراتيجية دفاعية تحرر الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية الأخرى من قيود "حزب الله". ومن خلال توجيه تنفيذي وتشريعي واضح سيتمتع الجيش بصلاحية التصرف - أو سيتم الضغط عليه للقيام بذلك إذا ثبت أنه متردد".
اظهار أخبار متعلقة
الجيش غير قادر
وفي كلتا الحالتين بحسب غدار، "أظهرت حادثة الكحالة أن الجيش اللبناني لم يعد قادراً على خوض لعبة إرضاء مموليه الأساسيين في واشنطن وشركائه الغريبين في "حزب الله" (وبالتالي رعاة الميليشيا في إيران) دون عواقب. فالاستمرار في هذا النهج لن يؤدي إلا إلى تدمير ثقة الناس الضعيفة في الجيش، ودفع المزيد من السكان المحليين لتطبيق الأمن بأنفسهم كما فعلوا في الكحالة".
وقد يعتقد قائد الجيش اللبناني جوزيف عون أن تعاطي الجيش مع هذه الحادثة سيقوّي دعم "حزب الله" لمسعاه الرئاسي، "إلا أن الحقائق على أرض الواقع تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح أن يؤدي سلوك الجيش اللبناني في الكحالة إلى تقويض الدعم لعون من جانب الناخبين والزعماء المسيحيين الرئيسيين، ولا سيما "القوات اللبنانية" و"حزب
الكتائب"، بحسب التحليل.
حزب الله يطلب المزيد
بحسب التحليل، فإن "حزب الله يطلب حالياً المزيد من الجيش اللبناني، حيث يهدف إلى السيطرة على جميع القرارات الأمنية والعسكرية، بما في ذلك مَن يتم تعيينه في المناصب الرئيسية وكيفية استجابة عناصر الجيش للحوادث الداخلية، الأمر الذي يضع الجيش اللبناني عند مفترق طرق: فوسط تزايد الاستياء المسيحي من "حزب الله" واتساع الفراغ في مؤسسات الدولة، سيتعين على الجيش أن يقرر ما إذا كان سيحمي الشعب أو الميليشيا".
التداعيات السياسية المحلية
تاليا التداعيات المحتملة لحادثة الكحالة بحسب تحليل حنين غدار لـ"معهد واشنطن":
قد تؤثر حادثة الكحالة على المحادثات الجارية بين "حزب الله" والزعيم المسيحي جبران باسيل، رئيس "التيار الوطني الحر"، بشأن الرئيس المقبل، ولكن من غير المؤكد إلى أي حدّ. فلم يسبق لقادة "حزب الله" أن رأوا مثل هذا الاستياء من الناس - معظمهم من المسيحيين، الذين كانوا منقسمين دائماً (حول نظرتهم) تجاه الحزب.
وفي أعقاب الحادثة، أصدر كل من "حزب الله" وباسيل بيانات بشأن إطلاق النار. وأثار تصريح "حزب الله" بأن ميليشيا مسيحية اعتدت على عناصره انتقادات علنية من عضو "التيار الوطني الحر" سيزار أبي خليل الذي اعتبر أن ذلك "يجافي الحقيقة" ودعا إلى الحديث لتسليم الفاعلين. ومن المحتمل أنه قال ذلك لأن أحد الضحايا كان مقرباً من "التيار الوطني الحر"، مما جعل الأخير غير قادر على تجاهل الغضب في الشارع. إلا أن بيان باسيل الرسمي أيّد موقف "حزب الله".
وفي النهاية، يبدو أن الحادث وحّد الشارع المسيحي ضد "حزب الله" وقد يؤدي بالتالي إلى إضعاف شركاء "الحزب" المسيحيين - ليس فقط عون، ولكن أيضاً مرشح الميليشيا المفضل، سليمان فرنجية. وحتى الآن، اتهم حزب "القوات اللبنانية" "حزب الله" بقتل شخص مدني في الكحالة، في حين قدّم زعيم "حزب الكتائب" سامي الجميل تصريحات عالية النبرة ومستفيضة، جاء فيها، "ماذا لو كان هناك متفجرات في الشاحنة تفجرت عند سقوطها وذهب مئات من الأهالي ضحيّة فماذا كنّا سنفعل؟! لسنا مستعدّين لأن نتعايش مع ميليشيا مسلّحة. ستكون هناك إجراءات عملية وستجتمع المعارضة وستُتخذ قرارات".
اظهار أخبار متعلقة
وتعكس هذه التصريحات غضباً حقيقياً داخل المجتمع المسيحي، على الرغم من أن هذا الاستياء ليس بجديد. وتتزايد مشاعر الكراهية تجاه "حزب الله" منذ أن هاجم الناس في أيار/مايو 2008 باقتحامه شوارع بيروت ومحاصرته منزل رئيس الوزراء - وهي خطوة لم يقم بها من قبل. وأوضح ذلك الحادث لكثير من المواطنين أن الميليشيا أوقفت حربها مع إسرائيل وأنها توجه أسلحتها ضد الشعب اللبناني وأهداف أخرى. ثم جاءت الحرب السورية، التي فقد فيها "حزب الله" مصداقيته كحزب «مقاوم» بين الطائفة السنية اللبنانية وبعض الفئات الأخرى. وحدث أكثر ما أضر بصورته في عام 2019 عندما قرر "حزب الله" حماية الطبقة السياسية الفاسدة من الاحتجاجات الشعبية الجماهيرية. كما شكل انفجار المرفأ في عام 2020 ضربة أخرى، لا سيما بعد أن وجّه رئيس أمن "حزب الله" وفيق صفا، تهديداً علنياً لقاضي التحقيق الأول، طارق البيطار.
ويبدو حالياً أن معظم المواطنين - من بينهم العديد من الذين ينتمون إلى الدوائر الشيعية الأساسية لـ "حزب الله" - ينظرون إلى "الحزب" على أنه قوة احتلال إيرانية ويعتبرون حديثه عن «المقاومة» غير ذي صلة، في حين أن قلة يرون أسلحته ضرورية لتحرير لبنان أو حتى حمايته.
الدور الأمريكي
تتيح حادثة الكحالة لواشنطن فرصة أخرى لاستخدام مساعدتها الوافرة للجيش اللبناني كوسيلة ضغط لضمان المساءلة. وعلى وجه التحديد، يجب على المسؤولين الأمريكيين الاستفسار عن ردّ الجيش على إطلاق النار ومكان وجود الشاحنة وأي خطط قد تكون لدى القضاء العسكري لإعادة الأسلحة إلى "حزب الله".
وعلى نحو أوسع، يجب على واشنطن النظر في هيكل مساعدتها العسكرية المقدمة للجيش اللبناني وتحديد الوحدات التي تستحق أساساً هذه المساعدة وأيها لا تستحقها. على سبيل المثال، كان أداء وحدة الجيش اللبناني التي استجابت لاشتباكات الطيونة عام 2021 أفضل من أداء الوحدة في الكحالة.
ففي الطيونة، قام الجيش بحماية الحي وسكانه من خلال حماية السكان المحليين من دخول المسلحين إلى المنطقة واعتقال عناصر مسلحة من الجانبين فيما بعد. وتم اختيار هذا النهج عمداً من قبل القائد على الأرض وربما تم تنسيقه مع عناصر من الجيش اللبناني. وتحتاج هذه الوحدات والقادة إلى الحماية والمساعدة والتشجيع، بينما يجب ألا يستفيد أولئك الذين يقفون إلى جانب "حزب الله" ضد المدنيين من المساعدات الأمريكية.
علاوةً على ذلك، تتعرض بعض مؤسسات الجيش اللبناني - مثل المحاكم العسكرية ومخابرات الجيش - لاختراق وسيطرة "حزب الله" أكثر من غيرها. وبالتالي يمكن للمساعدة الأمريكية المقدمة لهذه المؤسسات أن تخدم مصالح الميليشيات أكثر من قدرات الجيش واستقرار لبنان. يجب على واشنطن أيضاً أن تولي اهتماماً إضافياً للتعيينات العسكرية والأمنية، لأن هذه التعيينات تؤدي دوراً رئيسياً في جهود "حزب الله" للسيطرة على عملية صنع القرار في هذا المجال.