مقالات مختارة

خفض إنتاج النفط من أوبك

محمد المومني
1300x600
1300x600

ثمة مساران لفهم قرار منظمة الدول المنتجة للنفط خفض الإنتاج بمعدل مليوني برميل يوميا؛ إطار فني وآخر سياسي. أميل للقناعة أن هناك مبالغة بتسييس القرار، والأفضل فهمه ضمن إطاره الفني، والخلافات السياسية، وان كانت موجودة، فهي لم تقترب من أن تصبح تعارضا استراتيجيا أو مواجهة، فدول الخليج ما زالت صديقة وحليفة للغرب، وان كانت تختلف معه في عدة ملفات.


الإطار الفني يفضي للفهم أن النفط تتحدد أسعاره ضمن آلية العرض والطلب، وأن المنتجين يريدون أسعارا مرتفعة ليحققوا أرباحا، ولكن تلك الأرباح يجب أن تبقى بحدود المائة دولار، لأن تجاوز ذلك سيؤدي لركود اقتصادي على المدى المتوسط، ما سيحدث اضطرابا في أسعار النفط وانخفاضها لاحقا. المنتجون يريدون أسعار نفط تتراوح ما بين السبعين والمائة دولار، حتى لا يخسروا بحسب تكلفة الإنتاج، وحتى يحققوا أرباحا معقولة تعود بالمال على موازنات دولهم. أما المستهلكون، وأهمهم الدول الصناعية، فيسعون دائما لأسعار نفط أقل، ذلك أن الأسعار المنخفضة تقلل تكلفة الإنتاج وتزيد من قدرة المنافسة، وفي معرض ذلك يحاولون عقد اتفاقات طويلة المدى مع المنتجين لتجنب أي اضطرابات في سوق النفط العالمي، ويحاولون أيضا إيجاد بدائل للنفط الخام، وقد قطعوا أشواطا بذلك، إلا أن النفط ما يزال المصدر الأساسي للطاقة للاقتصاد العالمي، وبدائله ما زالت عاجزة عن سد رمق الاقتصاد العالمي أو إشباعه. القرار الأخير لأوبك بلس تدافع عنه المنظمة أنه ضروري، في ظل التوقعات شبه المؤكدة بركود اقتصادي عالمي قادم، عطفا على معدلات التضخم وما تبعها من رفع أسعار الفائدة لمستويات قياسية، والركود المتوقع معناه انخفاض أسعار النفط تحت سقف السبعين دولارا، وربما تصل لحدود الأربعين دولارا، وهذا مضر ومؤذ للمنتجين، لذلك فهم يقررون خفض الإنتاج الآن، لعلمهم أن أسعار النفط ستنهار في ضوء الركود المتوقع.


المسار السياسي لفهم القرار وتداعياته أعقد بكثير. فالموقف الرسمي الأمريكي متزن، أما غير الرسمي، فقد تحول الأمر في الولايات المتحدة لجزء من الحملات لانتخابات الكونغرس النصفية القريبة، بين قلة من الجمهوريين يتهمون إدارة بايدن بالضعف مع السعودية والخليج المنتج للنفط، وقلة من الديمقراطيين يطالبون بايدن بسحب القوات من الخليج، ليعلم أن أمنه مهدد إذا لم يحترم التحالف مع أمريكا. تناسى هؤلاء – القلة في الواقع – أن إعادة التموضع الأمريكي خارج الشرق الأوسط، وعدم الالتزام باعتبار تهديدات أذرع إيران كأنها تهديدات من إيران، سياسة ديمقراطية وجمهورية مارسها أوياما وترامب، وبايدن وان بدرجة أقل، ونسوا أيضا، أن الاتفاق النووي مع إيران تجاهل رأي ومصالح دول المنطقة. ثمة أجواء سلبية وضبابية بسبب ذلك بكل تأكيد، ولكن العلاقة بين أمريكا والخليج ما تزال عميقة واستراتيجية، تربطهم مصالح أكثر بكثير مما يفرقهم أو يختلفون عليه، وأمريكا والخليج يعلمون حاجتهم لبعضهم، وضرورة حل خلافاتهم ومنعها من التمدد، وضمن هذا الفهم، كان أهم ما قاله بايدن عندما زار الخليج، أن هناك حاجة لإعادة النظر بإعادة التموضع الأمريكي بعيدا عن الخليج، فالشراكة والعلاقات مع الخليج، والمصالح والأهمية والمتبادلة، لا تزال عميقة واستراتيجية.

 

الغد الأردنية

0
التعليقات (0)