كتاب عربي 21

البنك المركزي المصري يكشف حجم الفجوة الدولارية

ممدوح الولي
1300x600
1300x600
أشارت بيانات البنك المركزي المصري الخاصة بنتائج ميزان المدفوعات خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2021-2022، أي من بداية تموز/ يوليو من العام الماضي وحتى آذار/ مارس من العام الحالي، إلى بلوغ العجز الكلي بميزان المدفوعات 7.3 مليار دولار، كفارق بين موارد النقد الأجنبي من صادرات سلعية وخدمية وتحويلات واستثمارات وقروض البالغة 114.8 مليار دولار، والمدفوعات من واردات سلعية وخدمية وفوائد للاستثمارات الأجنبية واستثمارات مصرية في الخارج وأقساط وفوائد الديون البالغ مجملها 122.1 مليار دولار.

وجاء هذا العجز رغم بلوغ المستخدم من القروض الخارجية والودائع الخليجية -والتي تمثل التزامات على مصر -31.4 مليار دولار خلال الشهور التسعة، وهو ما يعني بلوغ العجز الحقيقي في الميزان الكلي لميزان المدفوعات 38.7 مليار دولار، تمثل حجم الفجوة الدولارية في مصر حتى آذار/ مارس الماضي، وهي الفجوة التي دفعتها للتقدم بطلب للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي، وزيادة القيود على الواردات باعتبارها المكون الأكبر في مدفوعات النقد الأجنبي لتقليل الطلب على الدولار، وفي نفس الوقت خفض سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي، لتخفيف الضغط على الاحتياطيات التي انخفضت بنحو 3.5 مليار دولار خلال الشهور التسعة الخاصة بأداء ميزان المدفوعات.
جاء هذا العجز رغم بلوغ المستخدم من القروض الخارجية والودائع الخليجية -والتي تمثل التزامات على مصر- 31.4 مليار دولار خلال الشهور التسعة، وهو ما يعني بلوغ العجز الحقيقي في الميزان الكلي لميزان المدفوعات 38.7 مليار دولار، تمثل حجم الفجوة الدولارية في مصر حتى آذار/ مارس الماضي، وهي الفجوة التي دفعتها للتقدم بطلب للحصول على قرض جديد من صندوق النقد الدولي

وهذا الانخفاض استمر في الاحتياطيات من العملات الأجنبية خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو من العام الحالي، إلى جانب عودة السوق السوداء للدولار، واتساع الفارق ما بين السعر الرسمي في البنوك والذي بلغ مؤخرا حوالي 19 جنيها، والسعر في السوق السوداء الذي بلغ 23 جنيها للدولار.

استمرار العجز بميزان المدفوعات الربع الثاني

وتشير معطيات الأداء الاقتصادي المعلنة خلال الربع الثاني من العام الميلادي الحالي، والذي يمثل الربع الأخير من العام المالي 2020-2021، إلى استمرار العجز في الميزان الكلي للمدفوعات، والذي عبر عنه تراجع احتياطيات النقد الأجنبي خلال تلك الشهور الثلاثة بنحو 3.7 مليار دولار، وكذلك استمرار زيادة العجز في صافي الأصول الأجنبية (العُملات) في الجهاز المصرفي المصري، الذي يتضمن المصرف المركزي وباقي المصارف التجارية العاملة تحت إشرافه، حتى شهر حزيران/ يونيو الماضي، ليصل العجز إلى 19.7 مليار دولار، منها 8.2 مليار دولار عجزا في المصرف المركزي و11.5 مليار دولار عجزا بباقي المصارف التجارية العاملة بمصر، وهو ما يعني من جهة أخرى استمرار تصاعد الفجوة الدولارية، رغم الانخفاض النسبي الذي شهدته أسعار الغذاء في العالم خلال الشهور الأخيرة، مما خفف الضغط على قيمة الواردات الغذائية.

وبالعودة إلى بيانات أداء الميزان الكلى للمدفوعات المصري خلال الشهور التسعة الأولى من العام المالي 2021-2022، تتضح عدة ملاحظات: أولها أن القروض الخارجية والودائع الخليجية البالغة 31.4 مليار دولار، مثلت النصيب الأكبر من موارد النقد الأجنبي بنسبة 27 في المائة، تليها تحويلات المصريين في الخارج بنسبة 20.5 في المائة، والصادرات السلعية غير البترولية 17 في المائة، والصادرات النفطية والغازية 11 في المائة، والسياحة 7 في المائة، والاستثمار الأجنبي المباشر 6 في المائة، وعائدات قناة السويس رغم نمو إيراداتها مع زيادة الرسوم أكثر من مرة؛ 4 في المائة، وباقي المتحصلات الخدمية بخلاف السياحة والنقل 2 في المائة، وخدمات النقل للسفن والطائرات الأجنبية بالموانئ المصرية أقل من 2 في المائة، والمتحصلات الحكومية من الرسوم التي تتقاضاها القنصليات المصرية من المصريين العاملين في الخارج واحد في المائة.
القيود التي مارسها كل من البنك المركزي ووزارة التجارة ووزارة المالية على الواردات، لم تفلح في خفضها أو حتى في بقائها على حالها، حيث زادت قيمة الواردات بنسبة 29 في المائة

زيادة العجز التجاري رغم القيود ونمو الصادرات

وثاني الملاحظات: أن القيود التي مارسها كل من البنك المركزي ووزارة التجارة ووزارة المالية على الواردات، لم تفلح في خفضها أو حتى في بقائها على حالها، حيث زادت قيمة الواردات بنسبة 29 في المائة لأسباب منها التضخم العالمي، وبلغت نسبة النمو في الواردات السلعية غير النفطية 26 في المائة، وفي الواردات البترولية 55 في المائة، مع زيادة أسعار النفط الذي تستورد مصر ثلث احتياجاتها منه.

ورغم نمو قيمة الصادرات السلعية بنسبة 58 في المائة، فقد زاد العجز التجاري بنمو عشرة في المائة، حيث بلغت زيادة قيمة الواردات السلعية 15 مليار دولار، بينما بلغت قيمة زيادة الصادرات السلعية حوالي 12 مليار دولار.

وجاء نمو قيمة الصادرات بنسبة 57 في المائة، كمحصلة لنمو قيمة الصادرات غير البترولية بنسبة 33 في المائة، ونمو قيمة الصادرات البترولية بنسبة 120 في المائة، نتيجة زيادة الصادرات من الغاز الطبيعي، والتي بلغت 5.6 مليار دولار، مقابل 7.5 مليار دولار للصادرات البترولية.

لكن الأمر الذي لا يعرفه الكثيرون أن حوالي نصف تلك الصادرات البترولية (النفط والغاز) والبالغة 13 مليار دولار، تحصل الشركات البترولية الأجنبية العاملة في مصر عليها، نظير التكاليف التي تحملتها خلال عمليات الاستكشاف والإنتاج والتشغيل، وهي القيمة التي تقوم بتحويلها إلى بلدانها الأم، وهو ما أظهرته بيانات الاستثمار الأجنبي الخارج من مصر.
حوالي نصف تلك الصادرات البترولية (النفط والغاز) والبالغة 13 مليار دولار، تحصل الشركات البترولية الأجنبية العاملة في مصر عليها، نظير التكاليف التي تحملتها خلال عمليات الاستكشاف والإنتاج والتشغيل، وهي القيمة التي تقوم بتحويلها إلى بلدانها الأم

الملاحظة الثالثة تخص خروج استثمارات الحافظة للأجانب في مصر خلال الشهور التسعة بنحو 17.2 مليار دولار، مقابل رصيد موجب لتلك الاستثمارات بالفترة المقابلة المنتهية في آذار/ مارس 2021 بلغ 16 مليار دولار، أي أن تلك النوعية من الاستثمارات التي تتركز في مشتريات الأجانب لأذون وسندات الخزانة المصرية، بالإضافة إلى تعاملاتهم في البورصة المصرية، قد فقدت 33.2 مليار دولار ما بين آذار/ مارس من العام الماضي والعام الحالي، أي بنسبة 97.5 في المائة من أرصدة تلك الاستثمارات في نهاية أيلول/ سبتمبر 2021، حين بلغت 34.1 مليار دولار. وهو ما أكدته تصريحات وزير المالية بأن أكثر من 90 في المائة من تلك الاستثمارات قد خرجت بعد الحرب الروسية الأوكرانية ورفع الاحتياطي الفيدرالي الفائدة، مما أربك المشهد الاقتصادي وتسبب أساسا باتساع الفجوة الدولارية، ودفع السلطات المصرية لطلب دعم عاجل من الدول الخليجية؛ حصلت عليه بالفعل، وكذلك طلب قرض من صندوق النقد الدولي.

أقل من 2 في المائة من الاستثمار لتأسيس شركات

الملاحظة الرابعة تتعلق ببلوغ مدفوعات عوائد دخل الاستثمارات الأجنبية نحو 11.8 مليار دولار، بينما بلغت المتحصلات من دخل الاستثمار 579 مليون دولار فقط، وبالطبع فإن تلك المدفوعات للخارج ستنخفض خلال الشهور المقبلة، في ضوء تراجع أرصدة استثمارات الحافظة للجانب في مصر لكنها لن تنخفض تماما؛ نظرا لأن من مكونات مدفوعات دخل الاستثمار أيضا فوائد ودائع غير المقيمين، وهذه تمثل مبالغ كبيرة.

وهذا بالإضافة إلى فوائد الدين الخارجي، وهي أيضا تزداد قيمتها مع كبر قيمة الدين الخارجي، حيث إنها بلغت 4.2 مليار دولار بالعام المالي 2020-2021 حينما كان الدين الخارجي أقل من 138 مليار دولار، بينما زاد الدين الخارجي حتى آذار/ مارس الماضي إلى 158 مليار دولار.

الملاحظة الخامسة تتعلق بنوعية الاستثمار الأجنبي المباشر الوارد لمصر، حيث أظهرت بيانات المركزي المصري بلوغ الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل لمصر خلال الشهور التسعة المذكورة 12.8 مليار دولار، مقابل خروج استثمارات أجنبية مباشرة قيمتها 5.4 مليار دولار، ليصل صافي الاستثمار الأجنبي المباشر إلى 7.4 مليار دولار.

وهنا نلاحظ أن قيمة التحويلات التي قامت بها شركات البترول العاملة في مصر خلال الشهور التسعة، إلى بلدانها الأصلية قد بلغت 5.4 مليار دولار، تمثل استرداد التكاليف التي قامت بها في أعمال البحث والتشغيل، وكنا قد ذكرنا في بداية المقال أن قيمة صادرات النفط والغاز قد بلغت خلال الشهور التسعة 13 مليار دولار.
الأمر الهام أيضا ليس مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل، ولكن نوعية ذلك الاستثمار الأنسب لاحتياجات البلاد

والأمر الهام أيضا ليس مجمل الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل، ولكن نوعية ذلك الاستثمار الأنسب لاحتياجات البلاد، حيث ذكرت بيانات المركزي المصري أنه من بين مجمل الاستثمار المباشر الداخل البالغ 12.8 مليار دولار، كان نصيب الاستثمار الوارد لتأسيس شركات جديدة 208 ملايين دولار فقط، أي بنسبة 1.6 في المائة من مجمل الاستثمار المباشر الداخل، وهي الشركات التأسيسية التي تضيف قدرات إنتاجية وخدمية وتتيح فرص عمل جديدة، وتقلل من قيمة الواردات السلعية والخدمية، وتعد النمط الاستثماري الذي تحتاجه البلاد كثيرا.

ويوضح ذلك استعراض مكونات الاستثمار الأجنبي المباشر الداخل البالغ 12.8 مليار دولار، بتضمنه 2.4 مليار دولار زيادات لرؤس أموال الشركات الأجنبية الموجودة في مصر، و2.3 مليار دولار قيمة بيع أصول إنتاجية وخدمية كان أغلبها لصندوق أبو ظبي، و3.5 مليار دولار تمثل أرباحا مُرحلة للشركات الأجنبية الموجودة في مصر، و644 مليون دولار قيمة مشتريات الأجانب لعقارات في مصر، و208 ملايين دولار فقط لتأسيس شركات جديدة!

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (0)