كتاب عربي 21

استثمارات قطرية بمصر خلال الشهور المقبلة

ممدوح الولي
1300x600
1300x600

رغم الاتفاق على إنهاء المقاطعة الخليجية المصرية لقطر في كانون الثاني/ يناير 2021، فلم يتم تعيين سفير جديد لقطر بالقاهرة إلا في منتصف أيلول/ سبتمبر من نفس العام، وتعيين سفير جديد لمصر في الدوحة في الشهر التالي، وانعكس ذلك البطء على العلاقات التجارية بين البلدين، والتي شهدت تعاملات تجارية ضعيفة بلغت قيمتها أقل من 45 مليون دولار، موزعة ما بين 4.5 مليون دولار للصادرات المصرية لقطر و40 مليون دولار للواردات منها.

وخلال الربع الأول من العام الحالي شهدت حركة التجارة قفزة بالقياس إلى الربع الأول من العام الماضي، لتصل قيمة الصادرات المصرية إلى 3.2 مليون دولار، وهو ما يمثل أقل قيمة صادرات مصرية لدولة عربية خلال تلك الفترة فيما عدا جزر القمر.

وعلى الجانب الآخر، بلغت قيمة الواردات المصرية من قطر بنفس الربع الأول 32 مليون دولار، لتصل قيمة التجارة إلى 35 مليون دولار، بنسبة 415 في المائة عن نفس الفترة من العام الماضي، إلا أن حجم التجارة ما زال قليلا بالمقارنة بما كان عليه قبل المقاطعة التي حدثت في حزيران/ يونيو 2017.

جاءت أحداث الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من خروج لغالبية الأموال الساخنة من مصر، مدعوما برفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة، بمثابة عامل مؤثر في عودة الدفء إلى العلاقات المصرية القطرية

ورغم تدني حركة التجارة خلال فترة المقاطعة التي استمرت لثلاث سنوات ونصف، فقد استمر قدوم الاستثمارات القطرية لمصر خلال تلك الفترة، بداية من 165 مليون دولار في العام الأول للمقاطعة، إلى 383 مليون دولار في العام الثانى إلى 678 مليون دولار في العام الثالث للمقاطعة، وهو رقم لم يحدث خلال سنوات ما قبل المقاطعة، وهي استثمارات متنوعة المجالات ما بين الطاقة والفنادق والسياحة والقطاع الغذائي.

الحرب الروسية أفادت العلاقات بين البلدين

وجاءت أحداث الحرب الروسية الأوكرانية وما ترتب عليها من خروج لغالبية الأموال الساخنة من مصر، مدعوما برفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة، بمثابة عامل مؤثر في عودة الدفء إلى العلاقات المصرية القطرية. ففي ظل نقص العملات الأجنبية بمصر ولجوئها إلى دول الخليج العربي لتعويض هذا النقص، خاصة مع استفادتها من ارتفاع أسعار النفط والغاز الطبيعي، ساهمت قطر بنصيب لم يتم إعلان قيمته بعد في تلك التدفقات الخليجية لمصر.

ومع توجه الإدارة المصرية إلى استبدال الودائع الخليجية التي حصلت عليها إلى استثمارات بأصول مصرية، وهو ما قامت به الإمارات بالفعل وأعلنت السعودية عن المشاركة به، فقد انضمت قطر للإعلان عن نيتها لاستثمار خمسة مليارات دولار في مصر، وذكرت وزيرة التخطيط المصرية في آذار/ مارس الماضي أن صندوق الثروة القطري سيستحوذ على أصول مصرية.
مع توجه الإدارة المصرية إلى استبدال الودائع الخليجية التي حصلت عليها إلى استثمارات بأصول مصرية، وهو ما قامت به الإمارات بالفعل وأعلنت السعودية عن المشاركة به، فقد انضمت قطر للإعلان عن نيتها لاستثمار خمسة مليارات دولار في مصر

وفي ضوء ذلك قام وزير النقل المصري بزيارة غير مسبوقة لقطر بشهر نيسان/ أبريل، وهي الوزارة التي أعلنت عن نيتها بيع حصص في شركات تداول الحاويات الحكومية، والاتجاه لتحويل سبعة موانئ مصرية إلى شركة قابضة وبيع حصص منها من خلال البورصة، إلى جانب التوجه مستقبلا لخصخصة مشروعات القطار السريع والمونوريل.

كما قامت وزيرة التجارة والصناعة المصرية بزيارة لقطر خلال الشهر الحالي، دعت خلالها وفدا من رابطة الشركات القطرية لزيارة مصر، كما أعلنت إعادة إحياء مجلس الأعمال المصري القطري، الذي تم إنشاؤه عام 1990، ومر بفترات نشاط وركود حتى أعيد تنشيطه في أواخر عام 2012، لكنه مع توتر العلاقات بين البلدين فيما بعد تولى الجيش السلطة في تموز/ يوليو 2013، والوصول إلى المقاطعة منتصف عام 2017، فقد جمد المجلس نشاطه في ظل أجواء غير مواتية، حتى وصل الأمر إلى دعوة رجل الأعمال نجيب ساويرس حينذاك؛ رجالَ الأعمال المصريين إلى سحب استثماراتهم من قطر ووقف التجارة معها، في ظل أجواء إعلامية مصرية كانت تنظر للمتعاملين مع قطر بشكل عدائي، رغم ارتباط البلدين باتفاقية تبادل تجاري وتعاون اقتصادي من بداية عام 1990، ووجود اتفاقية لتشجيع وحماية الاستثمارات منذ عام 1999.

المصارف أحد مجالات الاستثمار

وشارك وزير المالية المصري في منتدى قطر الاقتصادي خلال الشهر الحالي، وهو مشاركة لم تحدث منذ سنوات، لتُتوج الأمور بزيارة أمير قطر لمصر قبل أيام، وهي الزيادة الأولى منذ سبع سنوات وإجراء مباحثات مع القيادة المصرية، شارك فيها وزيرا المالية والتخطيط المصريين، ووزير المالية القطري ومسؤولون آخرون مصريون وقطريون، وهو ما يشير إلى إعطاء العلاقات السياسية والاقتصادية دفعة خلال الشهور المقبلة.

حيث يتوقع سعي قطر للحصول على نصيب من الأصول التي ستعرضها السلطات المصرية للبيع، في ضوء بلوغ أصول جهاز قطر للاستثمار والذي يمثل صندوق الثروة السيادي لقطر 450 مليار دولار، حتى أنه احتل المركز التاسع بين الصناديق السيادية في العالم من حيث الأصول، والذي يرأسه أمير البلاد.

ومن تلك الأصول المرشحة بنك القاهرة في إطار سعر الدوحة لتعزيز تواجدها المصرفي في مصر، والذي يقتصر منذ تسع سنوات على بنك وحيد، بينما وصل عدد البنوك المملوكة للإمارات بمصر خمسة مصارف، بالإضافة لاستحواذ أحدها على بنك سادس مؤخرا، كذلك بلوغ عدد البنوك التابعة للكويت حاليا ثلاثة بنوك تعمل في مصر، وقيام بنك بحريني يعمل في مصر بالاستحواذ على بنك آخر مؤخرا.
يتوقع سعى قطر للحصول على نصيب من الأصول التي ستعرضها السلطات المصرية للبيع، في ضوء بلوغ أصول جهاز قطر للاستثمار والذي يمثل صندوق الثروة السيادي لقطر 450 مليار دولار

ومن بين الأنشطة الاقتصادية التي تستفيد منها مصر خلال علاقتها بقطر، التحويلات التي تصل إليها من المصريين العاملين في قطر، والبالغ عددهم حوالي 300 ألف شخص. وظلت هذه التحويلات تزيد عن المليار دولار سنويا خلال السنوات المالية الممتدة ما بين 2015/2016 وحتى 2019/2020.

كذلك رسوم عبور السفن القطرية المحملة بالنفط والعابرة لقناة السويس، خاصة وأن غالب صادرات الغاز القطرية تتجه لدول جنوب شرق آسيا، وفي ضوء سعي أوروبا لتنويع مصادر الطاقة للاستغناء عن الطاقة الروسية، وسعيها للحصول على الغاز القطري، فقد طلبت قطر عقود طويلة الأجل وهو أمر ما زال محل تفاوض، حيث تأمل دول أوروبية في عودة العلاقات مع روسيا التي توفر لها النفط والغاز عبر أنابيب مما يجعله أقل تكلفة. لكن في ضوء توقع طول أجل الحرب الروسية الأوكرانية، وتنويع مصادر الطاقة الأوربية، فقد بدأ بالفعل ورود كميات من النفط الخليجي لأوروبا، مما زاد من حصيلة عائدات قناة السويس، وهو ما سيزيد في حالة اتفاق أوروبا مع قطر ودول خليجية أخرى لتوريد كميات من الغاز الطبيعي لها.

وعلى الجانب الآخر تسعى قطر لإزالة الجمود في العلاقات قبل مونديال كأس العالم لكرة القدم الذي سيقام بها في تشرين الثاني/ نوفمبر القادم، حتى تحصل على نصيب جيد من المشجعين المصريين الراغبين في مشاهدة المباريات بمدرجات الملاعب القطرية، من الدولة العربية الأكثر سكانا، والتي تزخر بوجود آلاف الأغنياء المحبين لكرة القدم، مما يساهم في زيادة الإيرادات السياحية.

 

twitter.com/mamdouh_alwaly
التعليقات (1)
الكاتب المقدام
الأحد، 26-06-2022 06:43 م
*** استثمارات قطر وهي شديدة المحدودية، بل واستثمارات غيرها من الدول الأكبر، لا أهمية لها ولن تغير من الحالة المتردية للاقتصاد المصري اليوم، بعد أن انخفضت استثمارات الأجانب في الأسهم والسندات لدرجة شبه النضوب، في ظل أوضاع اقتصادية عالمية غير مواتية أدت إلى هروب رؤوس الأموال الأجنبية والعربية من الدول النامية عموماُ ومن مصر على سبيل الخصوص، ولن تعوضها حصيلة بيع الأصول المملوكة للقطاع العام والهيئات المصرية الحكومية، التي إن تمت ستتم بأقل من قيمتها الحقيقية محققة خسائر لمصر في ظل صفقات تبرم في الغرف المغلقة وتبادل مصالح وعمولات وإتاوات خفية، والتي يطمع السيسي أن يضع يده على حصيلتها، فهي لا تمثل استثمارات جديدة مضافة، بل هي أصول موجودة ومستغلة فعلاُ، وإعادة بيعها لن يضيف جديداُ لها، بل قد قد يصاحبها موجة تصفيات لتلك الأصول ببيع أراضيها وإحالة العاملين فيها للتقاعد، كما أنها لن تكفي لسداد التزامات سداد أقساط وفوائد القروض الأجنبية الدولارية المضاعفة، التي تراكمت وتضاعفت في فترة الحكومات الانقلابية للسيسي، واهدرت على مشتريات السلاح التي تمت إرضاءً للدول المصدرة لها، وللحصول على سكوتها على جرائمه، وعلى قصور السيسي ومدن السراب التي يبنيها، والصفقات التي تتم بالأمر المباشر وبأضعاف تكلفتها الحقيقية مقابل عمولات تنهبها العصابة الانقلابية كالمحطة النووية الروسية، والبرج الذي تشيده شركة صينية للسيسي ليتفاخر به، وما يغفل عنه كثيرون أن وضع المديونية المحلية للحكومة المصرية لا يقل خطورة عن مديونيتها الخارجية، فهي تمثل أموال صناديق التأمينات المخصصة لسداد معاشات التقاعد للعاملين، التي توقفت مؤخراُ عن سداد معاشات التقاعد المبكر، ومدخرات المصريين وودائعهم في البنوك المصرية، وحينما تعجز الحكومة عن سداد اقساطها وفوائدها، والتي ارتفعت مؤخراُ إلى 18%، فستتعرض مدخرات المصريين لخطر فعلي، وقد تلجأ الحكومة للتوسع في طباعة أوراق النقد، بما يفقدها الكثير من قيمتها، وهو الأمر المتوقع حدوثه في غضون أشهر وليس سنوات، بعد أن عجزت الحكومة حتى الآن في الحصول على موافقة صندوق النقد على قروض جديدة، وبعد أن توقفت البنوك المصرية عن تدبير النقد الأجنبي اللازم لاستيراد خامات ومكونات الإنتاج للمصانع المصرية، بما ينذر بكارثة توقف جزئي لتلك المصانع، والعرض السابق يظهر كيف أن التركيز على جانب محدود من جوانب الاقتصاد المصري قد يؤدي إلى التغطية على إدراك الأوضاع الشاملة المأسوية التي تنحدر إليها مصر سريعاُ، بسبب السياسات الاقتصادية الفاشلة لحكومة الانقلاب الفاسدة، والله أعلم.