كتاب عربي 21

هل يتحول اليمن إلى أزمة منسية في المنطقة؟

ياسين التميمي
1300x600
1300x600

كل شيء يبعث على القلق والإحباط من إمكانية أن تتبدد الآمال التي انتعشت إثر عودة السلطة الشرعية إلى عدن، على الرغم من واجهتها الجديدة المنفصلة تماماً عن الإرادة الانتخابية للشعب اليمني والمتمثلة في مجلس القيادة الرئاسي.

ومن ذلك وجود رئيس المجلس الدكتور رشاد العليمي في الرياض على وقع احتجاجات؛ حاول المجلس الانتقالي المدعوم من التحالف أن يعيد توجيهها قسراً ضد الشق الذي يمثل الجمهورية اليمنية في المجلس الرئاسي والحكومة، وليظهر كما لو كان يتحد مع مطالب أبناء مدينة عدن الذين يدركون أكثر من غيرهم أن مأساتهم الحقيقية بدأت عندما وضع الانتقالي يده على المدينة وتحكم بها عسكرياً وأمنياً ومناطقياً، وعبث بمقدراتها وأفقدها توازنها الوطني.

ثمة مخاوف حقيقية من أن يتحول اليمن في ظل الهدنة التي دخلت شهرها الثالث إلى أزمة منسية، على الرغم مما تموج به المنطقة من تغيرات، تكاد معها البلدان أن تطوي صفحات من الخصومة السياسية عميقة الجذور لتبدأ مرحلة جديدة. ومع ذلك لا أرى أيَّ أثرٍ لهذه التطورات على مستقبل الحرب في اليمن، بقدر ما أظهرت توافقاً مثيراً للقلق على إبقاء اليمن بثقلها الديموغرافي الجيوستراتيجي مجرد ورقة للمساومة وتبادل المنافع، عبر الابتزاز أو الضغوط أو التنازلات.

ثمة مخاوف حقيقية من أن يتحول اليمن في ظل الهدنة التي دخلت شهرها الثالث إلى أزمة منسية، على الرغم مما تموج به المنطقة من تغيرات، تكاد معها البلدان أن تطوي صفحات من الخصومة السياسية عميقة الجذور لتبدأ مرحلة جديدة

ثمة تطورات مهمة شهدتها المنطقة هذا الأسبوع، على صعيد تسوية الخلافات التي أنتجتها السياسات الراديكالية للرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، وكانت قد وضعت المنطقة كلها على شفير الانقسام والحرب والتهديد الوجودي للدول. ومنها الزيارات التي قام بها ولي العهد السعودية لكل من مصر والأردن وتركيا، وزيارة أمير دولة قطر إلى مصر.

لا أدري ما إذا كانت حرب السعودية في اليمن جزءا من أجندة الزيارة التي عكست حاجة ولي العهد السعودي إلى إظهار عهده في حالة توازن كامل على مستوى العلاقات الإقليمية، وميل نحو تصفر الخلافات مع المحيط الإقليمي استعداداً لاستقبال الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي يبدو أنه يفقد المزيد من أوراق الضغط على المملكة، ويكاد يتخلى عن نهج الوصاية الاستعلائية المستفزة على حليف قديم وشريك استراتيجي عتيد.

لقد فرض بايدن الهدنة في اليمن، لإثبات أنه قائد مختلف الطراز عن سلفه، لكن هذه الهدنة لا تخدم اليمن كدولة تتطلع إلى التخلص من الجماعات الانقلابية المتمردة، ولن تضمن السلام لكل من السعودية واليمن، ولن تعيد اليمنيين إلى خط المصالحة السياسية وصولاً إلى استعادة الدولة على قاعدة الشراكة الوطنية.

ما أراه هو أن المشاريع السياسية المتناقضة التي تعهدها التحالف بالدعم والرعاية وفرضها ضمن التركيبة السلطوية الجديدة المتمثلة في مجلس رئاسي واسع التمثيل؛ تستغل هذه الهدنة لتكريس مشاريعها، وتكاد تتناغم كلياً مع المشروع الانقلابي لجماعة الحوثي في صنعاء، ضمن قاسم مشترك هو التمرد على الدولة الوطنية والنظام الجمهوري الديمقراطي.
نرى الحوثيين يمضون في اختطاف اليمنيين وتطييفهم وتكريس التباينات المذهبية المقيتة، ويؤسسون مشروعهم السياسي الكهنوتي البغيض، فيما يمضي المجلس الانتقالي الجنوبي قدماً في إنجاز جدوله السياسي ذي الدافع الانفصالي الواضح، حيث ينتظم في عقد اجتماعات تكويناته القيادية التي تعطي انطباعاً بأنه بات سلطة فعلية بديلة وليست فقط موازية، ومنها دورة انعقاد ما يسمى الجمعية الوطنية للمجلس

في العاصمة السياسية المؤقتة عدن، ثمة من يعيد توجيه حالة الاضطراب الناجمة عن سوء الأوضاع المعيشية نحو تأسيس أرضية سياسية للفوضى، التي تسمح بعرقلة نشاط مجلس القيادة الرئاسي في مقابل تكريس المشروع السياسي للانتقالي.

فها نحن نرى الحوثيين يمضون في اختطاف اليمنيين وتطييفهم وتكريس التباينات المذهبية المقيتة، ويؤسسون مشروعهم السياسي الكهنوتي البغيض، فيما يمضي المجلس الانتقالي الجنوبي قدماً في إنجاز جدوله السياسي ذي الدافع الانفصالي الواضح، حيث ينتظم في عقد اجتماعات تكويناته القيادية التي تعطي انطباعاً بأنه بات سلطة فعلية بديلة وليست فقط موازية، ومنها دورة انعقاد ما يسمى الجمعية الوطنية للمجلس. ومن خلال اجتماعات كهذه يعيد المجلس وعبر رئيسه الذي هو أيضاً نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي؛ تصدير مواقفه السياسية المتمسكة بالانفصال دونما اعتبار للتطورات السياسية الأخيرة التي رآها اليمنيون فرصة أخيرة للحل القائم على وحدة اليمنيين واستعادة دولتهم.

كل التكوينات التي تمثل مشاريع ما دون الدولة في اليمن تتمتع باستقرار لافت وبالموارد، وتشهد تطوراً في الموقف السياسي والتنظيمي، في حين أن تكوينات السلطة الشرعية تفقد نفوذها وتأثيرهاً وتزداد ضعفاً وعجزاً وعدم استقرار، بدليل أن رئيس المجلس الرئاسي لا يزال حتى اللحظة في العاصمة السعودية، الرياض، دون جدول واضح يبرر سبب بقائه هناك، إذ يبدو أنه يواجه كما واجه سلفه إشكالية عدم تحمل الكلفة الأمنية لاختبار عدن كعاصمة للجمهورية اليمنية.
ثمة حاجة إلى التذكير بأن السعودية والإمارات بشكل خاص وبقية دول مجلس التعاون والدول العربية الأكثر صلة بملف اليمن تتحمل كامل المسؤولية عن فشل اليمن وعن إهانة شعبه وإفقارهم وإذلالهم، وتطرح السؤال الوجودي الأهم عن اللحظة التي ستشهد ولادة مشروع سياسي جديد

ليس عبثاً أن يخرج المجلس الانتقالي العشرات من قواته بلباس مدني في مسيرة أراد من خلالها خلط الأوراق، وإظهار أن الاحتجاجات الشعبية في المدينة جزء من أجندته السياسة وليست موجهة ضده، حيث أطلقت مجاميعه شعارات مناطقية استهدفت بالتحديد قيادات الدولة التي تنتمي إلى ما كان يعرف بالجمهورية العربية اليمنية (شمال اليمن). وللمصادفة فإن رئيس المجلس الرئاسي وكذلك رئيس الحكومة ينتميان معاً لمحافظة تعز الواقعة جنوب غرب اليمن.

ولهذا النوع من استجرار الإحن المناطقية جذرا من المفاهيم المغلوطة التي حاولت أن تصوغ تاريخاً متوتراً بين أبناء محافظة تعز الذين يشكلون أغلبية سكان مدينة عدن، وكانوا الجزء الأكثر تأثيراً في معركة استقلال الجنوب وإعادة وحدة اليمن، وبين الجنوبيين المنحدرين من المحميات الواقعة في محيط عدن على الرغم من العناصر المشتركة التي تجمعهم وتوحدهم.

وتأسيساً على هذه الوضعية المنسية للحالة اليمنية، وعلى التطورات التي تقود اليمن إلى الانقسام وتحوله إلى ساحة لصراع إقليمي مفتوح، ثمة حاجة إلى التذكير بأن السعودية والإمارات بشكل خاص وبقية دول مجلس التعاون والدول العربية الأكثر صلة بملف اليمن تتحمل كامل المسؤولية عن فشل اليمن وعن إهانة شعبه وإفقارهم وإذلالهم، وتطرح السؤال الوجودي الأهم عن اللحظة التي ستشهد ولادة مشروع سياسي جديد، وقيادة يمنية تعيد الاعتبار لتاريخ هذا البلد ولوزنه الديمغرافي في زمن انعدام الوزن الذي تعاني منه منطقتنا.

 

twitter.com/yaseentamimi68
التعليقات (0)