مقالات مختارة

حربُ الأحلاف.. حافة الهاوية

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600

في كامل زينته خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن، من اجتماع ضم رئيسة وزراء السويد والرئيس الفنلندي، وقد برقت عيناه بنصر معلناً أن السويد وفنلندا تستوفيان "كل المعايير" للانضمام إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)، مؤكداً دعم بلاده تحقيق ذلك في أسرع وقت ممكن.


هذا النصر الجزئي قابله العالم بقلق عميق بعد أن تخلت السويد وفلندا عن حيادهما طويل الأمد، وعوضاً عن تخفيف التوتر بين أفيال العالم، فقد أسهمت هذه الخطوة الانفعالية في تكريس حالة حافة الهاوية بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا التي اقتربت من يومها المائة، هذه الحالة الخطيرة التي تعتري العالم تهدد الحشائش الوادعة قبل أن تقضي على الأفيال نفسها في نهاية المطاف، اليوم العالم على قطبي رحى، سياسة حافة الهاوية التي تلعب أدوارها الرئيسية الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، كلاهما يهدفان إلى تحقيق مكاسب عن طريق تصعيد الأزمة الأوكرانية، وهو تصعيد يلامس كابوس الحرب النووية، ويعمد كلاهما إلى إيهام الآخر باستحالة التنازل أو الرضوخ ولو أدّى ذلك إلى اجتياز هذه الحافة الخطرة.

ظل التوسيع المستمر لحلف الناتو لا سيما بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي السابق، ومن ثمّ تداعي حلف وارسو الخصم اللدود لحلف الناتو يشكل قلقاً وهاجساً لموسكو، والحقيقة أن حلف الناتو الذي ستصل عضويته إلى نحو 30 دولة بعد إكمال إجراءات انضمام السويد وفنلندا، بدأ بعدد 12 عضوا في عام 1949، بعد انتهاء الحرب الباردة، اعتمد الحلف سياسية التوسع باتجاه الشرق نحو روسيا، التي ظلت تكظم شعورها بالاستفزاز والتهديد المباشر، وعلى وجه الخصوص تسبّب ضم الدول التي كانت في السابق جزءًا من الكتلة الشرقية والاتحاد السوفييتي في تصعيد التوتر بين دول الناتو وروسيا، فمنذ عام 1999، انضمّت بولندا والمجر والتشيك إلى المنظمة، ثم جاء توسعٌ آخر بضم سبعة دول من أوروبا الوسطى والشرقية هي: بلغاريا، وإستونيا، ولاتفيا، وليتوانيا، ورومانيا، وسلوفاكيا، وسلوفينيا.

وليس كما يزعم المحللون العسكريون الأوروبيون بأن الحرب الروسية على أوكرانيا قد غيرت المشهد الأمني في أوروبا بأكمله، وأنها شكلت بشكل كبير نمط التفكير في حلف الناتو، إذ إن التوسع أمر ظل مستمرا سواء نحو روسيا شرقاً أو على حساب حلفاء تقليديين لموروثها الاتحاد السوفييتي السابق.

ورغم أن توالي انضمام مزيد من دول الجوار الجغرافي لروسيا، إلى الناتو بتحريض أمريكي غير أن محاولة ضم أوكرانيا كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، إذ تعتبر موسكو أو ذلك خطاً أحمر وتهديدا جديا لها، وما قبل محاولة ضم أوكرانيا كان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مشحوناً باعتقاد أن الولايات المتحدة نقضت وعداً قطعته عبر وزير خارجيتها آنذاك، جيمس بيكر، لميخائيل غورباتشوف (آخر رئيس للاتحاد السوفييتي)، في عام 1990، إذ قيل إن بيكر تعهد لغورباتشوف، بأنه "لن يكون هناك تمدد لقوات الناتو بوصة واحدة إلى الشرق". وفي إطار التصعيد والتصعيد المقابل لا سيما بعد ترشيح السويد وفلندا لعضوية الناتو؛ هدد بوتين بإحياء حلف وارسو، وعقدت الاثنين الماضي في موسكو، قمة منظمة معاهدة الأمن الجماعي، التي تضم مجموعة من جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابقة، حيث برزت دعوات خلال القمة لتشكيل تحالف يواجه حلف الناتو فيما يمكن أن يشكل نسخة محدّثة لـحلف وارسو الذي حُلّ قبل انهيار الاتحاد السوفييتي.

ويبدو أن تعامل بوتين مع خصومه في الغرب اختلف عن تعامل سلفه بوريس يلتسن باختلاف موازين القوى، ففي في سبتمبر 1993، كتب يلتسن رسالة خجولة إلى نظيره الأمريكي بل كلينتون، معربا عن مخاوفه من عملية توسع الناتو قائلا فيها: "نحن نفهم، بالطبع، أن أي انضمام محتمل لدول أوروبا الشرقية إلى الناتو لن يؤدي تلقائياً إلى تحول التحالف بطريقة ما ضد روسيا، ولكن من المهم مراعاة الكيفية التي قد يتفاعل بها الرأي العام لدينا مع هذه الخطوة، فكان همه الكسب السياسي الداخلي أكثر من أمن بلاده القومي، ولعل بوتين بدا عازماً منذ انتخابه لأول مرة على تحويل روسيا من دولة مهدَّدة إلى قوة عظمى، عبّر رسالته التي حملت توجهه الجديد في أواخر عام 1999، وحملت عنوان "روسيا على العتبة الألفية الجديدة".

إن الأفيال اليوم مشغولة بإظهار عضلاتها والإمعان في تحدي بعضها البعض، غير عابئة بأنين الحشائش من تحت أقدامها؛ فحتى قبل اندلاع المواجهة المباشرة فقد وصل عدد الأشخاص الذين يعيشون في حالة نزوح داخلي حول العالم إلى أعلى مستوى على الإطلاق، حيث بلغ نحو 60 مليونا في نهاية العام الماضي. ووفقا لتقرير للمجلس النرويجي للاجئين، فإن الوضع اليوم أسوأ بشكل هائل أكثر مما يوحي به هذا الرقم القياسي، لأنه لا يشمل ما يقرب من ثمانية ملايين شخص هربوا من الحرب في أوكرانيا، وذكر الأمين العام للمجلس، يان إيغلاند، "نحن بحاجة إلى تحول هائل في التفكير من قادة العالم حول كيفية منع النزاعات وحلها لإنهاء هذه المعاناة الإنسانية المتصاعدة.


اليوم طوفان موجات اللجوء نحو أوروبا يؤرق حكوماتها ويؤزها أزا، وبلغ مستوى لم يبلغه منذ الحرب العالمية الثانية، وبدلا من تقديم المساعدة والعون للاجئين الفارين إلى أوروبا من جحيم الحروب، اتخذت أوروبا سياسات طرد وردع قاسية. من جانب آخر شكلت الأخطار المرتبطة بالطقس 94 % من إجمالي كوارث العالم، وكان العالم لا سيما غالبه الفقير والمستضعف، يطمح إلى صحوة ضمير تنتاب أكبر الملوثين في العالم وهم ذات القوة المتصارعة والتفاهم حول الاتفاقية الإطارية بشأن التغير المناخي، والذي من أهم أجنداته تقليل الانبعاثات السامة بحلول عام 2030، بالطبع لا يجوز أن يحلُم الناس يوما بجمهورية أفلاطون الفاضلة؛ فالصراع المادة هو القانون الطبيعي الذي يحكم الحياة، لكن أن تغدو الصراعات العسكرية والاقتصادية مشروع انتحار كوني فتلك هي الطامة الكبرى، وهو انتحار بأفعال الكبار لكنه لا يبقي ولا يذر.

 

(الشرق القطرية)

0
التعليقات (0)