صحافة دولية

صحفية فلسطينية: الشجاعة بحثا عن الحقيقة.. أهم درس من "أبو عاقلة"

ذكرت الكاتبة أن شيرين كانت تقول؛ إن "الشجاعة في الصحافة تأتي فقط من خلال تحري الحقيقة"- جيتي
ذكرت الكاتبة أن شيرين كانت تقول؛ إن "الشجاعة في الصحافة تأتي فقط من خلال تحري الحقيقة"- جيتي

نشرت مجلة "كريستيان ساينس مونيتور" مقالا للصحفية فاطمة عبد الكريم، تحدثت فيه عن دور الصحفية شيرين أبو عاقلة في مسيرتها  المهنية، ودروس الشجاعة  التي استخلصتها من تجارب الراحلة.


وافتتحت الصحفية مقالها بالقول؛ إن الدرس الذي تذكرته عندما علمت أن مرشدتها وصديقتها قُتلت على أيدي القوات الإسرائيلية الأسبوع الماضي، في أثناء تغطيتها لاقتحام عسكري إسرائيلي في شمال الضفة الغربية لقناة الجزيرة، هو الشجاعة.


وتابعت أن شيرين كانت تقول للصحفيين الأصغر سنا: "لا جدوى من تعريض أنفسنا للخطر"، مؤكدة أن "الشجاعة في الصحافة تأتي فقط من خلال تحري الحقيقة، وليس في أي شيء آخر".


ولفتت كاتبة المقال إلى أنها تتذكر أيام الانتفاضة الثانية التي بدأت قبل أكثر من عقدين من انعدام الأمن والاضطرابات، التي يعاني منها الشعب الفلسطيني والتي استمرت حتى يومنا هذا، في غمرة حزنها، رفقة صحفيين آخرين وفلسطينيين من مختلف الأطياف السياسية على مقتلها.

 

وأضافت بالقول: "لقد كانت حقبة ارتقت فيها مهنية شيرين، مما جعلها صوتا موثوقا للفلسطينيين والعرب في جميع أنحاء العالم".


وذكرت أن شيرين كانت رائدة، وهي جزء من جيل جديد من المراسلات الميدانيات في العالم العربي في مطلع القرن الحادي والعشرين، في وقت كان يُنظر فيه للنساء عموما على أنهن مذيعات خلف مكتب، لكن رؤية امرأة تقدم تقاريرها من وسط الحدث، حطمت الصور النمطية وشقت الطريق لعشرات النساء العربيات للاقتداء بها.


وكان هذان العقدان الماضيان أيضا أعواما أرشدتني فيها صديقتي وزميلتي أنا والآخرين خلال الأوقات العصيبة والخطيرة بدفء، وفقا لكاتبة المقال.


وفي الأيام الأولى للانتفاضة الثانية، التي بدأت في أواخر عام 2000، التحقت بجامعة بيرزيت بالقرب من رام الله، لأدرس الأدب الإنجليزي، ولكني كنت أحلم بأن أصبح صحفية.

 

وأدى العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين والعدد المتزايد من نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية إلى جعل تنقلاتي لمسافة 5 أميال خطرة.


وكانت مصادر الأخبار الحية الرئيسية في ذلك الوقت هي القنوات الفضائية، مثل قناة العربية والجزيرة.

 

وتحديدا، اعتمدنا جميعا على العمل الدؤوب لمراسلة الجزيرة الفلسطينية الأمريكية، شيرين أبو عاقلة من القدس.


لقد سمحت مراسلات شيرين الفورية لي ولعشرات الآلاف من الآخرين بمعرفة كيفية التنقل في نقاط التفتيش العسكرية الإسرائيلية، والمناطق التي كانت تشهد أعمال عنف، وما هي الطرق التي كانت غير آمنة في ذلك اليوم، فبصوتها، كانت شيرين مرافقتي للجامعة.


إن حضور شيرين الهادئ ومثابرتها وثقتها واحترافها، جعلها قريبة من المشاهدين الذين وثقوا في تقاريرها الدقيقة، وبالنسبة للكثيرين، كانت حياتهم تعتمد على ذلك.


واشتهرت الصحفية الراحلة بتوقيعها الأيقوني، "شيرين أبو عاقلة، الجزيرة، رام الله"، كنت أسمع القوات الإسرائيلية تستخدمه من حين لآخر عند إعلان حظر تجول عبر مكبرات الصوت في شوارع رام الله.

 

ربما كان المقصود منه الاستهزاء بها، لكنه رسخها كأحد أعمدة الحياة اليومية للفلسطينيين، لقد كنت أعلم أنني إذا امتهنت الصحافة، فسأسعى لأحذو حذوها.


بعد سنوات، عندما أصبحت أخيرا صحفية، كنت أراها في الميدان لكل حدث وكل حادث وكل أزمة، لقد أخذتني والعديد من الصحفيين الأصغر سنا تحت جناحها، وشاركت قصصها عن النجاة والدروس المستمرة حول السلامة واليقظة.

 

أخبرتنا كيف استخدمت الخوف كغريزة للحفاظ على سلامتها، لقد رسخت فينا جميعا أهمية أن نكون يقظين وفي المكان المناسب في الوقت المناسب، وتجنب العنف وأن نكون آمنين.


لقد كان الخوف مرشدا لها حتى آخر لحظاتها على الأرض، فعندما أصيبت كانت تعمل مع الصحفيين شذى حنايشة ومجاهد السعدي، وكلاهما في العشرينيات من العمر.


وأضافت كاتبة المقال أن شيرين، بعيدا عن الكاميرات، كانت كريمة وطيبة، وكان صوتها مبعثا على الراحة هدأت به الناس من حولها، وكانت روايتها للأخبار واقعية ومباشرة، حيث كانت دائما موجودة لنستعين بها.


وقالت في مقالها: "نادت شيرين بأهمية محاسبة الصحافة لمن هم في السلطة".

 

اقرأ أيضا:  MEE: تصرف "إسرائيل" في جنازة أبو عاقلة يعبّر عن الضعف

 

وخلال مسيرة شيرين المهنية، رأى الفلسطينيون العنف ينتشر من الداخل ومن الخارج. بدأت جولات محادثات السلام، وتعثرت، وانهارت، وضاعت الفرص.

 

وانتشرت المستوطنات الإسرائيلية في أنحاء الضفة الغربية، كما أدى الاقتتال الداخلي بين فتح وحماس إلى تقسيم الضفة الغربية وقطاع غزة، ومن ثم تأجيل الانتخابات.

 

وساد الإحباط جيلا كاملا نشأ في حالة من عدم الاستقرار، غير قادر على اختيار قادته أو مستقبله، بينما كانت شيرين هناك خلال كل تلك الأحداث، وتعمل التقارير حولها، وتساعدنا في فهمها، حتى غابت.

 

حملت جنازتها التي استمرت ثلاثة أيام من جنين إلى نابلس، ثم رام الله والقدس، الناس إلى الشوارع، في رسالة امتنان لسيدة تم الترحيب بها في كل منزل بشكل يومي.

 

كما لو كانت في جنازة رسمية، رافق جثمانها جماهير المعزين، فيما وقف الناس الذين لم يلتقوها قط في الشوارع وبكوا، معربين عن غضبهم وحزنهم.


وفي مسقط رأسها ومقر سكنها في القدس، اتحد الآلاف من الناس من جميع الخلفيات والفصائل السياسية والأديان خلفها يوم جنازتها.

 

لقد كان مشهدا عاطفيا، شابته حملة من الشرطة الإسرائيلية التي ضربت المشيعين وحاملي النعش، وهو حدث انتشر من خلال وسائل الإعلام العالمية.


لم أنم منذ أيام، لكن التعامل مع وفاة شيرين كقصة إخبارية، ربما منحني المسافة التي أحتاجها للتركيز على وظيفتي.


وحتى بعد موتها، سلطت شيرين الضوء على الحقائق القاسية لحياة الفلسطينيين تحت الاحتلال، فالرصاصة التي أصابتها وأحداث جنازتها جددا وعي الفلسطينيين بحاجتهم الملحة: رواية سرديتهم، وهي سرديتنا التي سنرويها بالطريقة التي فعلتها شيرين، بشكل واقعي وغير اعتذاري.

التعليقات (0)