قضايا وآراء

النكبة في سحق المنكوبين

نزار السهلي
1300x600
1300x600

أربعة وسبعون عاما هي عمر نكبة الشعب الفلسطيني، يحيي ذكراها المشردون في أرضهم ومنها وفي أصقاع الأرض. ضحايا المشروع الاستعماري الصهيوني، توارثوا جيلاً بعد جيل الفاجعة، يحملونها في حياتهم اليومية بمختلف التفاصيل التي ترمز لوجودهم في مخيمات اللجوء وفي مدن وقرى هجروا إليها داخل وطنهم وخارجه، ومحاولة الاستيلاء على كل ما يشير لوجودهم وارتباطهم بالأرض والتاريخ والتراث والهوية مستمر.

عايش أجيال النكبة الفصل تلو الآخر من مراحل التهجير والسطو والتزوير والتهويد والمجازر، ومآسي طمس الهوية الوطنية وتبديد الحقوق يلاحق المنكوبين بعد 74 عام، كما كان حال اللاجئين الأوائل من الشعب الفلسطيني الموزعين في شتات الأرض نتيجة السيطرة الاستعمارية الصهيونية على أرضهم التاريخية.

عرف العالم العربي بأنظمته وشعوبه ونخبه مخاطر ما ابتلي به أشقاؤهم في فلسطين، وتعالت أطنان الورق التي دونت شرح الصغيرة والكبيرة منها، مع تزايد المخاطر وتنفيذ المشروع الصهيوني لمخططاته المرسومة بدقة، والتي لم تفلح معها ادعاءات "الفهم الكبير" للمؤامرة المستكملة على الجغرافيا الفلسطينية وعلى أبنائها، والتي تطال نهاية المطاف بقية الأنظمة التي تحاول تقديم معرفتها بطبيعة المؤامرة ودقتها، لكنها عاجزة عن مواجهة هذه المخاطر وحماية أشقائها ونفسها، لأسباب أيضا تم التطرق إليها من نخب عربية وفلسطينية قامت بمراجعة تاريخية للأسباب والظروف المحيطة بنكبة الشعب الفلسطيني وواقعها الموضعي والذاتي منها.

كثير من الخلاصات المقدمة انتهت لطبيعة بعض النظام العربي وارتباطه بشكل وثيق مع المشاريع الغربية والأمريكية الراعية للمشروع الصهيوني، وهذه الخلاصات في التجربة العربية الرسمية مع قضية فلسطين ونكبته لها شواهد طافحة وآثار ممتدة عبر تاريخ الصراع الذي يخوضه الشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني، وقدمت إجابات عن سؤال ظل يؤرق العقل: كيف أُنجزت النكبة ونفذت؟ وكيف استطاع الآباء المؤسسين للحركة الصهيونية تمرير الفاجعة؟

في العقد الأخير من عمرها، إجابة هادرة عن تناسل النكبة ورعايتها وتمرير الجرائم والمجازر الصهيونية، يمكن استعادة فصولها الأولى لما تعرض له أبناء فلسطين من اللاجئين من سحق وظلم واضطهاد في مخيمات لجوئهم وفي زنازين وأقبية عربية، وفي تعاطي السياسة الرسمية العربية مع التغول في العدوان على الأرض والمقدسات وعمليات الإعدام والقتل والتهجير والاستيطان, والاعتراف بكل ما سبق ودعم الأدوات الباطشة بالمنكوبين وفتح قنوات التطبيع والتحالف مع المستعمر الصهيوني، يعيد التاريخ الذي تلا العام 1948 وإلى اليوم الاجابة عن أسئلة التآمر والوظيفة التي كثفت معاني النكبة المستمرة وغير المتوقفة عند ما حل بالشعب الفلسطيني قبل 74 عام، بل لمحاولة النيل من صموده ومن عزيمته بانضمام محور عربي لخندق التصهين، والتزوير القاضي بالسيطرة المطلقة على كل الحق الفلسطيني في الأرض والمقدسات والتاريخ والتراث.

لا شك أن الإجابات التي أتى عليها مؤرخون عرب وغيرهم، لتدوين النكبة الفلسطينية من أفواه أصحابها، ومن ثم من سلوك أبنائها وثورية السبل والنضال المتاح، حينها أسمع العالم قضية الشعب الفلسطيني، وأفشل ويفشل المحاولات الصهيونية في كسر شوكة أبناء فلسطين في المثلث والجليل والقدس والنقب والشيخ جراح والأغوار ويافا وحيفا وعكا واللد وغزة وجنين. لكن اليوم هناك فاجعة تحوم حول المنكوبين أنفسهم، والانكشافات والانهيارات كبيرة لا تقل خطورة عما كان يحيط بقضية فلسطين قبل أكثر من سبعة عقود، فهناك نظام عربي مستسلم كلياً للمشروع الصهيوني، ويسخر كل إمكانياته المادية والإعلامية والأمنية لمحاصرة القضية الفلسطينية، والفلسطيني الإنسان نفسه، والنيل والتسخيف من قضيته الوطنية والمقدسة.

وهناك سلطة فلسطينية تجاوزت حقوق المنكوبين باتفاقات أمنية بادلتها بالحقوق الثابتة للشعب الفلسطيني بالعودة إلى أرضه ومقدساته وحدوده التاريخية، وأصبحت النكبة بنظر البعض حالة "بكائية" على أطلال الماضي لا ضير بإحياء يومها كل أيار/ مايو.

يكفي أن يغمض المرء عينيه ويتخيل ما أحدثته عصابات الهاجاناه وتسيحي والبلماخ وشتيرن والأرغون قبل ٧٤ سنة، ويكفي أن يفتحها على المشاهد الحميمية لاستقبال نسل هذه العصابات في عواصم عربية لم يحظ بها المنكوبون طيلة سبعة عقود.. هذه الحفاوة من التنسيق والتحالف الذي تظهره مع عدو الشعب الفلسطيني، لمحاصرة وسحق نسل المنكوبين من أرضهم وعنها.

ويكفي التدقيق بمشهد مقبرة شهداء مخيم اليرموك للاجئين المنكوبين التي نبشها المحتل الروسي ومخابرات نظام الأسد؛ مع فريق صهيوني يفحص رفات الشهداء ليعثر على رفات جندي صهيوني أسره الفلسطينيون في معارك غزو لبنان (زخريا باومل) ليُسلم الى نسل العصابات الصهيونية.. ويكفي النظر لسلوك النظام الرسمي العربي، من سحق وقهر وتدمير في مجتمعات عربية، وبحق أبناء فلسطين المنكوبين سواء في فرع فلسطين الأسدي أو مبنى المخابرات المصرية أو الأمن العام اللبناني أو في بغداد والقاهرة، والحدود المصرية وغيرها من المطارات والحدود العربية، ليعرف الفلسطيني كيف استمرت النكبة 74 عاما، ونجحت بفضل هذه الرعاية للمشروع الاستعماري الذي يدعي معظم النظام الرسمي العربي معرفته القائلة "بوجوب إحلال السلام في المنطقة"، والمقصود سلام للمستعمرات وقمع للمنكوبين أينما حلّوا، ولن يحصل رغم كل ما سبق.

 

twitter.com/nizar_sahli
التعليقات (0)