كتاب عربي 21

الاختيار 3.. لا تحسبوه شراً لكم!

سليم عزوز
1300x600
1300x600

تأخر أهل الحكم بمسلسل "الاختيار 3"، لأنه إذا كان الهدف منه هو "البروباغندا"، أي الدعاية المباشرة والموجهة، فقد كان من الجائز عرضه في سنوات حكمه الأولى، من يوليو 2013، وربما حتى سنة 2015، عندما كانت نساؤهم حبلى بنجمه، وكان الحديث العاطفي يجد آذاناً صاغية، وهو أمر لا نختلف عليه، لكننا لا نسلم بأنهم يمثلون الأغلبية في الشعب المصري!

بيد أن الأمر اختلف الآن، حيث مثل العامان الأخيران ذروة الغضب منه ومن سياساته في داخل معسكره، بل وفي حزب الأغلبية الصامتة، المعروف بحزب الكنبة، ولو خاض انتخابات نزيهة داخل هذا المعسكر وحده، لسقط سقوطاً ذريعاً، وفي تقديري أنه لا يجهل هذه الحقيقة، حتى وإن كانت تقارير الأجهزة الأمنية لا تقول له الحقيقة كاملة، مع خلاف هنا في التقديرات، أننا نرى أنه اختار التوقيت الخطأ للعرض نتيجة هذا الانقلاب الذي هو في ذروته في العام الأخير، وهو يرى أن العرض في وقته، لعله ينجح في إعادة تسويق نفسه، من خلال الدراما!

لقد فاته أنه لا فرق يُذكر بين الدراما التي تقدم في "الاختيار" وغيره، وبين خطاب الود القديم، فكلاهما يمثل عملاً مباشراً وموجهاً، وهو ذاته الخطاب الذي يدفع ضحاياه إلى إعلان الندم والحسرة لأنهم صدقوه، وللتقريب فإن خطاب "مرحلة الخطوبة" وربما ما قبلها، عندما تكون العاطفة مجردة يفتقد جاذبيته عندما يتزوج الناس وينجبون وتكثر المسؤوليات، عندئذ فإن الإغراق في "النحنحة"، ليس من الأمور التي تنجح في استقطاب الطرف الآخر!

الغلاء الصاروخي

إن الناس يعيشون في غلاء غير مسبوق، فارتفاع الأسعار يتم بشكل جنوني، والقفزات صاروخية، وعجز السلطة عن القيام بمسؤولياتها واضح للعيان، ويتزامن هذا مع الاندفاع في سفه لإنفاق المليارات على مشروعات للوجاهة الاجتماعية، وبنفقات خيالية، وكأن الهدف هو تمكين الجيش من كل مليم يدخل الدولة، سواء كقروض أو مساعدات أو ضرائب أو ما شابه ذلك، لأن كل الأعمال تتم بالأمر المباشر، حيث لا يوجد سوى مقاول واحد في البلد، بينما أصحاب "القسمة والنصيب" يعملون من الباطن!

فالفقر ليس قدراً، وحجم القروض والمساعدات التي دخلت مصر في سنوات حكمه لم يتحصل عليها أي من الذين حكموا المحروسة من قبل، ولا أظن أن حاكما آخرا في التاريخ المنظور سيحصل على مثل هذه الأرقام التي دخلت مصر، فجرى تبديدها في بحر الرمال المتحركة!

 

عندما يتم الإنفاق على عمل درامي للدعاية، مبلغاً ضخماً لم يعلن عن قيمته إلى الآن لضخامته، من أجل الحديث عن شخصه الكريم، فما هي الإضافة التي يمكن أن يقدمها الآن، وحجم الغضب في الشارع غير مسبوق؟!

 



وربما كان يمكن للناس أن يضعوا الحجارة على بطونهم، إذا كان الفقر قدراً، لكنهم يشاهدون تقتيراً هنا واسرافاً هناك، ويرون أنها مشكلة حكم، كلما فشل في القيام بدوره كزوج عاد إلى ترديد اسطوانته كعاشق يكتب خطابات الغرام إلى محبوبته، ثم يستأجر من يدبج هذه الخطابات، على النحو الحاصل في الدراما، وفي مسلسل "الاختيار 3"، وهو نوع من الإنتاج يقع على الدولة بخسارة، فلا يصلح للتصدير، ولا يمثل قوى ناعمة مضافة، كتلك التي عرفتها مصر، ودخلت بها كل بيوت العرب، وجعلت من اللهجة المصرية، اللهجة الوحيدة التي لا تحتاج إلى مترجم خارج حدودها، فأينما تولي وجهك في بلاد الله الواسعة، تجد مفرداتك لا تحتاج إلى شرح أو توضيح، بفضل هذه المسلسلات المصرية، وما يعرض عبر الشاشة الصغيرة من أعمال درامية أخرى!

الانقلاب على الرئيس

لقد قدم النظام على مدى سنوات حكمه، دراما رديئة، تصنف على أنها كذلك تجاوزاً، ولا يمكن إقناع الناس بها، بالعودة إلى أحاديث العاشق، وعندما يقدم مسلسل الاختيار هذا العام بموضوع تذكير الناس بالمهمة التي قام بها قائد الانقلاب العسكري، من الانقلاب على رئيسه المنتخب، فهل لهذا قيمة الآن؟

لقد تجاوز الناس هذه المرحلة، وهذا الفشل السياسي لم يجعلهم فقط يتذكرون الرئيس محمد مرسي، الذي لم يظلمهم ولم يسلمهم، بل صاروا يتحسرون على زمن مبارك، والبعض ذهب بعيداً إلى الحنين إلى زمن الملك الفاسد، أو هذا الذي وصفوه بالفساد، ولعل الحفاوة التي يستقبل بها آخر ملوك مصر، ما يمثل درساً واضحاً في حالتنا هذه!

لقد قامت حركة الضباط الأحرار، بتشويه صورة ملك مصر، ووصم عهده بالفساد، وما من سلوك فاسد إلا وألحق به، وكذلك فعلوا مع حزب الوفد وقياداته، وكان هذا عبر الصحف ووسائل الإعلام، وعبر كتب التاريخ المقررة على المدارس والجامعات!

 

ماذا سيقول المشاهد العادي وقد رأى شخصاً لم يسرق، ولم يفرط، ولم يغرق البلاد في القروض، وكانت عينه على الفقراء، فلم يرهق كاهلهم بأعباء جديدة، وعمل على إزالة المظالم القديمة، لتكون الحياة ميسورة، فلم يُمكن من ذلك؟!

 



فسقطت هذه الدعاية، فالناس لم يصدقوا رواية السلطة، فقد يتماهون ظاهرياً معها، لكن عندما يجدوا الفرصة سانحة فإنهم يعلنون موقفهم الواضح!

في حالة الملك (الفاسد)، فإن المصريين يعبرون عن الحنين بحفاوة الاستقبال لنجله، الذي تركه طفلاً صغيراً وتنازل له عن ملك مصر، استجابة لطلب حركة ضباط الجيش، وكذلك من خلال كتابات تظهر أن وضع مصر في هذا العهد (البائد) كان أفضل بكثير، وهو بالفعل كذلك!

وفي حالة الوفد، فقد خرجت الجماهير رغم سنوات التغييب والتشويه لتودع مصطفى النحاس باشا إلى مثواه الأخير فيفقد نظام عبد الناصر صوابه ويندفع لاعتقال عدد من الذين شاركوا في تشييع الجنازة!

وتبين أن الدعاية ضد الوفد، هي من فعل ساحر ولا يفلح الساحر حيث أتى، فعندما عاد الوفد للحياة السياسية بعد الثورة، استقبلته الجماهير في طول القطر المصري وعرضه بترحاب شديد، ولم تمر سوى شهور قليلة حتى كان زعيم المعارضة في البرلمان، وكانت صحيفته توزع مليون نسخة أسبوعياً!

بينما الحزب الناصري، الذي كان تعبيراً عن ثورة، ومشروع، لم يحقق حضوراً يُذكر عندما حصل على الترخيص القانوني بالعمل، لأن دعاية السلطة لا قيمة لها!

لقد جاء عبد الناصر في ظروف غير الظروف، وهو قبل هذا وبعده كان صاحب مشروع، وكان يملك من المهارات الخاصة ما يجعله "معبود الجماهير"، فهو كشخص يمتلك الكاريزما، وهو كخطيب نجح في استقطاب جماهير كثيرة، وهو كمثقف نجح في اختراق جبهة المثقفين فجعل ولاؤهم خالصاً له وللثورة!

ولا يملك السيسي شيئاً من هذا؛ فلا مشروع، ولا حضور إلا للتسرية على الناس وهو منتج للفكاهة، بالشكل الذي أحال الكتاب الساخرين للتقاعد، ولم يستقبل مجال الكتابة الفكاهية أحداً من الأجيال الجديدة!


وعندما يتم الإنفاق على عمل درامي للدعاية، مبلغاً ضخماً لم يعلن عن قيمته إلى الآن لضخامته، من أجل الحديث عن شخصه الكريم، فما هي الإضافة التي يمكن أن يقدمها الآن، وحجم الغضب في الشارع غير مسبوق؟!

تشويه الرئيس مرسي

إن الأمر كله عندي مرده إلى سوء التقدير، ثم تكتمل المهمة بمحاولة تشويه الرئيس محمد مرسي شكلاً، ولا نعرف من اقترح عليهم ذلك، وإن كنت أرجع هذا إلى سوء التقدير أيضاً.

إن مسلسل "الجماعة" قدم المرشد المؤسس غاضباً، عصبياً، طول الوقت، ورغم أن الذين عاصروه قالوا إنه لم يكن كذلك، إلا أن العمل تعامل مع جمهور لم ير حسن البنا، ولم يتعرف عليه من قريب، ورغم أن المسلسل الذي جاء كدعاية مضادة ضد الإخوان بعد حصولهم على (88) مقعداً في البرلمان، فإنهم مع هذه الدعاية السلبية حصلوا عند أول انتخابات نزيهة على الأغلبية في البرلمان ونجح مرشحهم في الانتخابات الرئاسية!

لقد قدم "الاختيار 3" الرئيس محمد مرسي بصورة سلبية، مع أن المشاهدين عاصروه، ثم إن الإجماع داخل صفوف المصريين أنه ظلم، وأنه أفشل، وأن من ظلمه ومن أفشله معروف بالإسم والرسم، ولم يكن صاحب نوايا سيئة، ولو تُرك لما وصلت مصر إلى هذا المستنقع!

وقد رأى الناس كيف جرى التنكيل به أثناء محاكمته، فلو كان كما روجوا ضده لحاكموه محاكمة علنية وشريفة، ولكن لأنهم لم يفعلوا فإنه ليس بالسوء الذي يقولون!

وما لا ينتبه له تنظيم "الاختيار 3"، أن القطاع العريض من معسكرهم الذي يقف الآن على خط الوعي، أسقط مرسي من المقارنة، لتكون المقارنة بين عهدي مبارك والسيسي، وحتى من ينتمون منهم إلى زمن مبارك، بحكم الموقع الوظيفي (حزب الكنبة)، فإن موضوع مرسي لا يشغلهم كثيراً، لأن لديهم قناعة بأن عزل مبارك كان قرار الجيش، تماماً كما هو الحال بالنسبة لمحمد مرسي، فالرئيسان السابقان هما ضحايا موقف العسكر منهما، ولو أقسمت للفلول على الماء فتجمد، ثم قلت لهم إن ثورة يناير إنجاز للشعب المصري ما صدقوا القائل ولو وجدوه يمشي على الماء ويطير في الهواء!

وعندما يتم تذكيرهم بالرئيس محمد مرسي، وهم في مرحلة الوعي هذه، ثم تكون المبالغة بتشويهه صورة وموضوعاً، فإن القائمين على المسلسل يفتقدون للتوفيق الإلهي، لأنهم ردوا الاعتبار باستدعاء مرسي ومحاولة تشويهه، وكأن عدم التوفيق الإلهي في تمكين مرسي من أن يُذكر على نطاق واسع، فكان هذا العمل دافعاً للدعاء له بالرحمة والمغفرة!

ماذا سيقول المشاهد العادي وقد رأى شخصاً لم يسرق، ولم يفرط، ولم يغرق البلاد في القروض، وكانت عينه على الفقراء، فلم يرهق كاهلهم بأعباء جديدة، وعمل على إزالة المظالم القديمة، لتكون الحياة ميسورة، فلم يُمكن من ذلك؟!

إنه عدم التوفيق الإلهي، فلا تحسبوه شراً لكم!


التعليقات (6)
قاطعوا فرنسا....
الخميس، 07-04-2022 03:26 م
حيث لا يوجد سوى مقاول واحد في البلد، بينما أصحاب "القسمة والنصيب" يعملون من الباطن!..........سلامى الى الكاتب سليم عاوز...ولااروع من هذا المقال...خاصه جمله "القسمة والنصيب" وبالذات كلمه القسمة....انت عليك كلام يهز جبال.....حقيقى اكبر فضيحه هذا المسلسل ... يعنى طولك متر ونص تجيب واحد يمثلك طوله 3 متر....كفايه هطل حل مشكله الافلاس والجفاف القادم
علاء كامل
الخميس، 07-04-2022 06:52 ص
لاحظت بأنه هذه الفقرة تكررت مرتين ربما كان ذلك بطريق الخطأ . " ماذا سيقول المشاهد العادي وقد رأى شخصاً لم يسرق، ولم يفرط، ولم يغرق البلاد في القروض، وكانت عينه على الفقراء، فلم يرهق كاهلهم بأعباء جديدة، وعمل على إزالة المظالم القديمة، لتكون الحياة ميسورة، فلم يُمكن من ذلك؟!" أعتز بك كثيراً الأستاذ الكبير سليم عزوز ، وأرى بأنك من أفضل الكتاب الصحفيين في العالم العربي ، وأتمنى أن أراك في مصرنا الحبيبة على رأس مؤسسة الاهرام ، قريباً بإذن الله.
السيسي يفضح نفسه
الثلاثاء، 05-04-2022 03:51 ص
هذه عادة السيسي فهو الذي يفضح نفسه من اول قسمه انه لا رغبة له في السلطة و قسمه بالاخلاص للرئيس مرسي رحمة الله عليه حتى وعوده بتحسن الاحوال حتى فرحته و احتفاله بالموافقة على سد يقتل المصريين جوعا و عطشا رفض الاحتلال الانجليزي الموافقة عليه لا حظ هنا انه اخس و احقر و اخون من المحتل حتى مسلسل الاختيار الذي سيستدعي اخراج الحقيقه و فضح السيسي من حيث اراد التغطية على عاره الذي سوف يدرس للاطفال في المدارس قريبا جدا ان شاء الله ليتعلموا ان السيسي احقر من مشى على الارض و ليقفوا بالمرصاد لاي خسيس يحاول اغتصاب الحكم كما حدث في تركيا
في وصف السيسي
الثلاثاء، 05-04-2022 01:22 ص
أصدق وصف لهذا الشاويش المنقلب هو قصيدة المتنبي في هجاء كافور الاخشيدي والتي يقول فيها إِنّــــي نَــزَلــتُ بِـكَـذابِـيـنَ ضَـيـفُـهُـم ُعَـنِ القِـرَى وعَـنِ التَـرحـالِ مِـحـدُودُ جُـودُ الرّجـالِ مـنَ الأَيْـدِي وَجُـودُهُـمُ مـنَ اللِـسـانِ فَــلا كَـانُـوا وَلا الـجـوُدُ ما يَقبِضُ المَوتُ نَفسًا مِن نفوسِهِـمِ إِلا وفـــي يـــدِهِ مِـــن نَتَـنِـهـا عُــــود أكُلمـا اغْـتَـالَ عَـبـدُ الـسُـوءِ سـيـدَهُأ و خـانَـه فَـلَـهُ فـــي مـصــرَ تَمـهـيـد صــار الخَـصِـي إِمــام الآبِـقـيـن بِـهــا فـالـحُـر مستـعـبَـد والـعَـبـدُ مَـعـبُـودُ نـامَـت نواطِـيـرُ مِـصـرٍ عَــن ثَعالِـبِـهـا فقـد بَشِـمْـنَ ومــا تَفْـنـى العناقـيـدُ الـعَـبـد لـيــسَ لِـحُــرٍّ صــالــحٍ بــــأخٍ لَــو أنــهُ فــي ثـيــابِ الـحــرِّ مـولـود لا تشـتَـرِ الـعَـبـد إلا والـعَـصَـا مـعــه إِن الـعَـبِـيــدَ لأنـــجـــاسٌ مَـنـاكــيــد لفد صدقت نبوءة المتبني فاستحق اللقب بجدارة. رحم الله المتنبي وغقر له.
عبدالرحيم بادة
الإثنين، 04-04-2022 07:31 م
كل التحية والتقدير و الاحترام .مقال رائع