قضايا وآراء

هل تتجه تونس إلى ما بعد قيس سعيد؟

بحري العرفاوي
1300x600
1300x600
غموض الواقع والوقائع

"أين تتجه البلاد"؟ "إلى أين يذهب بنا قيس سعيد"؟ "هل من جديد لديكم"؟ أصبحت هذه هي أبرز الأسئلة التي يتداولها المتابعون للشأن العام في تونس، أسئلة تكشف عمق القلق والخوف وغموض المستقبل لدى عموم الناس، لا أحد يمتلك معطيات دقيقة يبني عليها تحليلات، الكل يشتغل على التسريبات والإشاعات والتوقعات.

لقد أصبح التونسيون أشبه بمجموعة تتحلق حول مطبخ تتشمم روائح أطعمته دون معرفة لا بمن يطبخ ولا بكلفة الطبخ ولا حتى بأواني المطبخ، الجميع يبنون تحليلاتهم على ما يتسرب من "روائح" لا يبصرونها ولا يلمسونها، إنها حالة الاحتباس السياسي وتدفق الإشاعات والأماني والأوهام. هذا الغموض مرده إلى "احتكار" قيس سعيد لكل السلطات حتى صار هو الوحيد المنتج للأحداث، وكل ما يحدث بعدها إنما هو صدى ينبعث عن أنصاره أو ردود فعل تصدر عن خصومه، حتى مواقف الأطراف الخارجية لا يجد لها التونسيون أثرا في الواقع السياسي رغم ما ترتب عن حبس القروض من أزمة اجتماعية وفقدان لمواد أساسية في الأسواق.
هذا الغموض مرده إلى "احتكار" قيس سعيد لكل السلطات حتى صار هو الوحيد المنتج للأحداث، وكل ما يحدث بعدها إنما هو صدى ينبعث عن أنصاره أو ردود فعل تصدر عن خصومه، حتى مواقف الأطراف الخارجية لا يجد لها التونسيون أثرا في الواقع السياسي

السيناريوهات المتوقعة:

أصبح الرأي العام مجمعا على وجود أزمة سياسية واجتماعية، ولم تعد الاتهامات موجهة فقط لمنظومة 24 تموز/ يوليو، بل كذلك لقيس سعيد وإجراءاته الاستثنائية حيث عجز منذ 25 تموز/ يوليو 2021 إلى الآن عن إنجاز أي وعد من وعوده، فلا هو قاوم الفساد كما وعد ولا استعاد الأموال المنهوبة، ولا هو ضمن استقرار البلاد ووحدة التونسيين، بل إنه أسهم بخطابه المتوتر في استثارة الأحقاد والكراهية ومقدمات العنف لا قدر الله.

هذا المشهد قد تنتج عنه حالة تمرد شعبي ضد الجميع، فليس أسوأ على الناس من تتالي الخيبات وفقدان الأمل، تمرد ضد الجميع، ولكنه تمرد بلا قيادة وبلا أهداف واضحة، وهو ما سيهدد الاستقرار المجتمعي والسلم الأهلي ومؤسسات الدولة. وهذا التمرد سيدفع إلى تدخل إما المؤسسة الأمنية أو المؤسسة العسكرية، لمنع الفوضى و"تحييد" كل وجوه الأزمة واتخاذ إجراءات عاجلة لـ"ضبط" المشهد في انتظار استعادة العقل السياسي رصانته وواقعيته، عسى أن يُستأنف المسار الديمقراطي بمعايير وآليات جديدة بعد تعديل القانون الانتخابي وتنقيح الدستور ومراجعة النظام السياسي. هذا الإجراء الذي قد يكون ضربا من "الانقلاب على الانقلاب" قد يكون خيارا تلتقي فيه أطراف داخلية، وأخرى خارجية لها مصالحها ولها علاقاتها المتنفذة جدا.

أمين عام اتحاد الشغل صرح أخيرا بكون "الوقت انتهى"، داعيا الجميع إلى تحمل مسؤولياتهم لإنقاذ البلاد عبر حوار وطني مؤكدا على تكامل السياسي والاجتماعي والاقتصادي.

الأستاذ راشد الغنوشي في كلمته يوم تحرر نور الدين البحيري قال إن "تونس تسع الجميع، وهي بحاجة إلى السماحة والتضامن وليس إلى الأحقاد". وثمة كلام عن احتمال تقديمه تنازلات بهدف حلحلة الأزمة، وقد صرح سابقا بكونه مستعدا للاستقالة من رئاسة البرلمان في حال عمل سعيد من أجل حوار وطني.

غير أن قيس سعيد ما زال مصرا على مبدئه :"ليسوا مني ولست منهم"، وهو يرفض محاورة الجميع ويشتغل في الغموض، ولا أحد يعلم إن كان هو "منتج" سياساته أم إنه منفذ لقرارات غرفة عمليات خفية.
تحرك السفراء في تونس يوحي بوجود أمر ما، فقد التقى السفير الأمريكي منذ أيام وزير الدفاع وأمين عام اتحاد الشغل، كما التقت سفيرة بريطانيا الجمعة (11 آذار/ مارس) رئيس البرلمان راشد الغنوشي. هذه اللقاءات تسمح باستنتاج أن حلا متوقعا سيكون في حضور المؤسسة العسكرية كقوة "ضابطة" المشهد السياسي، واتحاد الشغل كقوة ضابطة للحالة الاجتماعية

تحرك السفراء في تونس يوحي بوجود أمر ما، فقد التقى السفير الأمريكي منذ أيام وزير الدفاع وأمين عام اتحاد الشغل، كما التقت سفيرة بريطانيا الجمعة (11 آذار/ مارس) رئيس البرلمان راشد الغنوشي. هذه اللقاءات تسمح باستنتاج أن حلا متوقعا سيكون في حضور المؤسسة العسكرية كقوة "ضابطة" المشهد السياسي، واتحاد الشغل كقوة ضابطة للحالة الاجتماعية. وأما الطبقة السياسية فقد يُطلب منها المساعدة في دعم حكومة وطنية تتولى إنقاذ الاقتصاد أولا ومنع الانزلاق نحو الفوضى ثانيا، في انتظار تهيئة الأجواء لانتخابات تشريعية ورئاسية سابقة لأوانها. هذا الخيار يبدو منطقيا بالنظر إلى غياب أي أفق لحل سياسي، خاصة وقد انتهت الاحتجاجات في الشارع إلى سؤال: "ماذا بعد"؟

فقيس سعيد لا يصغي لصوت المعارضة ولا يتنازل، بل كلما عارضوه ازداد احتماء بنفسه، وموقفه المتصلب هذا قد يدفع إلى تصعيد أسلوب المواجهة معه خاصة بعد سلسلة الإيقافات والمحاكمات وبعد خطاباته الشعبوية المحرضة على معارضيه. لقد أصبحت المعارضة العاقلة في موقف حرج أمام روح ثورية متوهجة لدى جمهور واسع ممن يرون إجراءات 25 تموز/ يوليو خطرا على المستقبل، ولا يرون في أداء المعارضة العاقلة جدوى ويعتقدون أن الانقلاب لا يمكن مواجهته بطرائق ناعمة.

twitter.com/bahriarfaoui1
التعليقات (0)