كتاب عربي 21

بستانيو حدائق روسيا الخلفية

أحمد عمر
1300x600
1300x600
التوائم الروسية غير القطط السيامية.. التوائم الروسية هررة أليفة لدى المحتلين، نمور جارحة على شعوبهم، أذلّة على الروس، أعزّة على رعاياهم.

أمست سوريا وكازاخستان حديقتان روسيتان خلفيتان، فقد جرى احتلالهما احتلالاً مباشراً. روسيا دولة عظمى سابقة وما تزال عظيمة في سلاحها وعرضها، وكانت قطباً اشتراكياً، وقد تحولت إلى الهجوم والغزو بعد أن غيرت عقيدتها من الاشتراكية إلى التبشير بالمذهب الأرثوذكسي، لكنها بقيت على عقيدتها الإمبراطورية، وكانت أسداً يوماً، ولا يخلو عرينها من العظام. ورأينا مشهد الطائرات الروسية وهي تهب لنجدة بستاني حديقتها الخلفية كازاخستان؛ الرئيس الكازاخي قاسم جومرد توكاييف. ذكرت الأخبار أن روسيا استنفرت 75 طائرة لنجدة بستاني الحديقة. 

تذكّر الرئيسان الروسي والكازاخي "معاهدة الأمن الجماعي" في دفاتر الديون والعهود والغدر والوفاء، وهي تحالف عسكري حكومي دولي، تعود أصوله إلى القوات السوفييتية المسلحة في 15 أيار/ مايو 1992، والدول المتحالفة هي: كازاخستان، وروسيا، وأرمينيا، وقرغيزستان، وأوزبكستان، وطاجيكستان. انسحبت دول من المعاهدة، وعاد بعضها إليها، واستقر العدد على ست دول. تهمة الإرهاب جاهزة للثائرين، فثمة صكوك غفران ولوائح تجريم جاهزة لدى الدول.
أمست سوريا وكازاخستان حديقتان روسيتان خلفيتان، فقد جرى احتلالهما احتلالاً مباشراً. روسيا دولة عظمى سابقة وما تزال عظيمة في سلاحها وعرضها، وكانت قطباً اشتراكياً، وقد تحولت إلى الهجوم والغزو بعد أن غيرت عقيدتها من الاشتراكية إلى التبشير بالمذهب الأرثوذكسي، لكنها بقيت على عقيدتها الإمبراطورية

زعم رئيس كازاخستان أن الإرهابيين تلقّوا أوامر من الخارج.. تُهم الرؤساء لا تحتاج إلى أدلة وبراهين. زعم أيضاً أنهم يتدربون في الخارج، من غير صور ووثائق، ولو كانت مختلقة كما في صور إعلام النظام السوري، ولم يكن الخارج هو الذي رفع أسعار الغاز. وكان رفع أسعار الغاز هو سبب اندلاع المواجهات بين النظام والشعب الذي ثار فحرق أبنية رسمية، وحطم أنصاباً للرئيس السابق، وُضعت حبال وأرسان في عنق نصب الرئيس وجُرَّ جرَّ البهائم إلى المسلخ، ثم انتثر قطعا معدنية وأشلاء.

وقد رفعت أسعار الغاز في سوريا ومصر مرات، ولم يثر أحد، والسبب أنَّ الشعوب بأشرافها ورؤسائها، وهم في السجون. القاعدة في العلوم السياسية التي قالها أبو الأسود الدؤلي شعراً هي: "لا يَصلُحُ الناسُ فَوضى لا سَراةَ لَهُم".

ويصير الأمر أشدُّ من حبس الرؤساء والقادة: وَلا سَراةَ إِذا جاهلهم سادوا.

وهي حالنا وكررت الأخبار قولها؛ أنّ كازاخستان حديقة خلفية لروسيا، فالدول العظمى تحتاج إلى حدائق خلفية وأمامية وشمالية وعلى اليمين، القساوسة والشيوخ يمنحون الملوك حدائق في الجنة أيضا. وكانت سوريا بعيدة عن روسيا، فلا حدود بينهما، فما جعلها حديقة خلفية لها سوى حاجة الدول الإمبراطورية إلى منتجعات بعيدة ومياه دافئة.

الإرهابيون إسلاميون عادة، وشعب كازاخستان مسلم، وكان السوفييت قد عمدوا إلى توطين كثير من الروس في شمال كازاخستان، فالتوطين أفضل الوسائل للاحتلال، حتى بلغ عدد المستوطنين الروس ثلث السكان، وغيروا العاصمة من "الما آتا" إلى "نور سلطان"، وبدّلوا اسمها أيضاً، فجعلوا العاصمة أقرب إلى روسيا تخوماً من الصين، تحرزاً من احتلال الصين لها. موقع العاصمة يجب أن يكون حصيناً، ويفضّل أن يكون في وسط البلاد.
كازاخستان حديقة خلفية لروسيا، فالدول العظمى تحتاج إلى حدائق خلفية وأمامية وشمالية وعلى اليمين، القساوسة والشيوخ يمنحون الملوك حدائق في الجنة أيضا. وكانت سوريا بعيدة عن روسيا، فلا حدود بينهما، فما جعلها حديقة خلفية لها سوى حاجة الدول الإمبراطورية إلى منتجعات بعيدة ومياه دافئة

اتُهم المتظاهرون الغاضبون من رفع سعر الغاز في بلاد ثروتها الكبرى هي الغاز بالإرهاب، والغاز ما أشعل النار في البلاد، فهي بلاد تُحكم بالحديد والغاز. ولم يصدر أي فيديو لجماعات إسلامية ترفع علماً أسود كتبت عليه شعارات داعش، لم تقطع رؤوس، لم تفجر جماعات إسلامية الأضرحة كما في سوريا التي تغيرت أهداف حزبها الحاكم الاشتراكي من ثلاثة أهداف هي: الوحدة والحرية والاشتراكية، إلى أربعة؛ أضيف إليها هدف رابع: الأضرحة، وقد يستدرك هذا الأمر لاحقاً. حجب المعلومات وتضليل الناس أول عمل يقوم به النظام عادة.

إن كان من ضريح خشي عليه رئيس كازاخستان الحالي قاسم جومرد توكاييف، الذي عينه رئيس كازاخستان السابق نور سلطان نزار باييف، فهو تمثال الرئيس السابق، والأنصاب نافعة مثل فزاعات العصافير في الحدائق. وقد كسب الرئيس الكازاخي قاسم جومرد توكاييف نقطتين في المباراة حتى الآن: الأولى؛ تخلص من استبداد معلمه السابق به وتحرر منه، وكان يحكم من وراء الستار، والثانية؛ تخلص من المعارضة، فزُجّ بنحو أربعة آلاف معارض منهم في السجون. يستطيع الرئيس قاسم جومرد أن ينصب لنفسه نصباً.. الأنصاب المصنوعة من خلائط معدنية مقاومة لعوامل المطر والرياح آلات لقياس معدل الاستعباد لدى الشعوب.

أما النقطة التي خسرها، فهي أنه اتخذ الضرغام الروسي بازا لصيده: 

وَمَن يَجعَلِ الضِرغامَ بازاً لِصَيدِهِ
تَصَيَّدَهُ الضِرغامُ فيما تَصَيَّدا

الرؤساء يحرّمون الخيانة على شعوبهم ويحللونها لأنفسهم، فخيانةً أن يجتمع ثلاثة من الرعية للتداول في شؤون البلاد سياسة أو اقتصادا، يقتطع الرئيس للمحتل المنقذ أرضاً من البلاد كما فعل الرئيس السوري جزاء له على الانقاذ، فأجّر ميناء طرطوس نصف قرن للروس. الأسد وقاسم توكاييف يتشابهان في هذه الفضيلة.
هناك وجوه شبه ووجوه اختلاف بين الرئيس السوري والرئيس الكازاخي، منها أنَّ الرئيس الكازاخي العجوز الجمهوري نور سلطان نزار باييف، الذي حكم مدة تقارب مدة حكم حافظ الأسد، لم تبلغ به القحة أن ينصّب ولده أو أحد أقربائه رئيساً، بينما تجرأ حافظ الأسد الجمهوري على تولية ابنه وريثا جمهوريا

كان الأسد قد اتخذ ضراغم كثيرة لصيد شعبه، وحاله أسوأ من حال الرئيس الكازاخي، أولهم الضرغام الفارسي الذي نزع به الحنين إلى إمبراطورتيه القديمة، ثم اضطر إلى الضرغام الروسي، الذي نزعه حنين إلى إمبراطورتيه القديمة أيضاً، فلم يكن لإيران حق الفيتو الذي للروس، ولأنَّ الثورة السورية كانت شديدة احتاج البستاني السوري إلى مؤازرة إمبراطوريتين لدحر الشعب السوري. لقد استعان حاكم عاصمة الأمويين بالإمبراطوريتين الفارسية والرومية اللتين دحرهما الأمويون لطحن عظام الشعب السوري ولحمه.

هناك وجوه شبه ووجوه اختلاف بين الرئيس السوري والرئيس الكازاخي، منها أنَّ الرئيس الكازاخي العجوز الجمهوري نور سلطان نزار باييف، الذي حكم مدة تقارب مدة حكم حافظ الأسد، لم تبلغ به القحة أن ينصّب ولده أو أحد أقربائه رئيساً، بينما تجرأ حافظ الأسد الجمهوري على تولية ابنه وريثا جمهوريا. اختلاف ثان: لم يبلغ عدد ضحايا نور سلطان ضحايا الرئيس السوري وابنه؛ اللذين جعلا نصف الشعب نازحاً والنصف الباقي جائعاً. ضحايا نور سلطان يمكن عدهم على أصابع الأيدي.

نسينا أنهما من دين واحد: هما علمانيان. وهناك حدائق أخرى مثل جورجيا وتركمانستان وأذربيجان وبستانيون.

من الصعب توقع مقاومة مسلحة في كازاخستان على الغرار الأفغاني، بسبب عوامل عدة؛ مثل طبيعة الأرض الكازاخية السهلية، والإخصاء السياسي الطويل، والدين الذي تعرض إلى سلخ بسكاكين الاحتلال السوفييتي مع أنّ الكازاخيين هم أحفاد المغول الذين اجتاحوا العالم ذات يوم.

تفاءلوا بالخير تجدوه.

twitter.com/OmarImaromar
التعليقات (4)
Abdulraoof Amen
الخميس، 13-01-2022 10:07 ص
رائع استمر ….
أبو العبد الحلبي
الأربعاء، 12-01-2022 11:14 ص
بارك الله فيك يا أستاذ أحمد على هذا المقال الممتاز ، و هذا تعقيبي المتواضع : كازاخستان جزء عزيز و غالي من وطننا الكبير حيث أن من أبناءها البطل (الظاهر بيبرس) سلطان مصر و الشام الذي هزم التتار في معركة عين جالوت . لقد رضي أجدادنا بسلطانه و أبهرني كتاب عنه قرأته قبل حوالي 45 سنة من حيث متابعته الحثيثة لشؤون الأمة من خلال استعماله الحمام الزاجل في نقل الرسائل و طلبه من عمَاله في مختلف البلدات أن يبعثوا له الأخبار أولاً بأول من دون تلكؤ أو تأخير . كازاخستان معناها الحرفي باللغة العربية (موطن الأحرار) ، و يقال أن معناها (موطن الخارجين عن القانون) و اعتقد أن المعنى الثاني ليس سلبياً حين يكون القانون من صياغة لجنة أو لجنتي أشرار لأن هذه الصياغة ستنصب الجهود فيها على دعم المستبدين و أسياد المستبدين و على إبقاء الشعب في حظيرة العبودية . الخارجون عن قانون استبدادي هم أحرار و بالتالي كلا المعنيين – في رأيي - مترادفين . أعذر المؤرخ الرحالة ابن بطوطة حين قال ما معناه أنك كلما اتجهت شمالاً في العالم ، وجدت أقواماً أشد وحشية و همجية . حين قرأت كتاب (تاريخ الدولة العلية العثمانية) لمحمد فريد بك "أو باشا" ، ذهلت من مدى عدوانية الروس و إيذائهم لتلك الدولة بحروب متواصلة لا تكاد تهدأ مما دلَ على أحقاد متأصلة . كان من جهد البلاء ابتلاع الروس لكازاخستان ، و هؤلاء القوم في أيام الاتحاد السوفيتي المنهار كذبوا على الناس بتبنيهم "الأممية" بينما كانوا يعززون "القومية" عبر عمليات استيطان روسي في مختلف أجزاء الاتحاد . كانت الدولة العميقة تنشر الروس في كافة الجهات لأنها كانت تدرك أن الاتحاد هذا هو أوهن من بيت العنكبوت ، و أنه حين ينهار فسوف يجري استغلال المستوطنين الروس من جانب موسكو كطابور خامس يسعى للانفصال عن الدولة التي يعيش فيها إلا إذا بقيت تلك الدولة عميلة مذعنة للسادة الروس . حتى البلدان ، التي لم تكن ضمن الاتحاد السوفيتي مثل المجر و تشيكوسلوفاكيا، فقد عايشنا غزو ذلك الاتحاد الطاغوت لأراضيها من أجل بقاء هيمنة الروس عليها . البلدان التي استقلت "إن جاز التعبير" حاولت موسكو تنصيب طراطير نواطير عملاء عليها و كان على تلك الأدوات أن تخضع شعوبها لاستبداد قمعي لا يرحم و معيشة ضنكا حتى و لو كانت تمتلك ثروات هائلة و إمكانيات كبيرة للتقدم في مجالات الحياة . بطبيعة الحال ، اعتبار عصابة المافيا الروسية لبلدان عديدة أنها حديقة موسكو الخلفية سيكون موضع تنازع مع غيرها من العصابات الدولية "تماماً كما يحصل في الغابة حين تتنازع الحيوانات القوية على أكل الحيوانات المستضعفة " . بسبب قلة الفهم السياسي ، ربما نرى شعوباً تسعى لاستبدال مفترسها بمفترس آخر أو أن تنتقل من استبداد إلى استبداد ... هذه القصة هي التي انتشرت منذ نهاية الحرب العالمية الثانية و حتى اليوم ، فمثلاً أهالي مالي / إفريقيا/ الذين ذاقوا ويلات الاستعمار الفرنسي يسعى بعضهم بسذاجة " و حتى النخبة فيهم " إلى التخلص من هذا الاستعمار مستبدلين إياه باستعمار أمريكي مدعوم من مرتزقة فاغنر الروس !
لا فض فوك!
الثلاثاء، 11-01-2022 02:17 م
الأستاذ أحمد كعادته رائع في جميع جوانب عرضه الشيق! فهو لا يُقصر حديثه على موضوع محلي قد يهتم به البعض ولا يعبأ به البعض الآخر. كما أن قراءته تجعل القارئ يتمتع بما يقرأه تاريخاً وسياسةً وبياناً ومقارنةً وتسجيلاً للدروس والعبر. وهكذا فعل في مقاله هذا الذي يُلم فيه القارئ بجوانب وتفاصيل لا يكاد يقرأها في عروض أخرى. وقد نبه إلى أن الروس، شأنهم شأن الاستعمار الصهيوني، هو استعمار استيطاني أحلوا الروس في شمال كازاخستان فأصبحوا يشكلون ربع السكان على الأقل ويشكلون مرتكزاً لأي عدوان روسي أو لمساعي بسط نفوذها من جديد في بلد مساحته مليونان وثلاثة أرباع مليون متر مربع، أي أكبر بلد مسلم من حيث المساحة. كما نبه إلى فزاعة ما يُطلقون عليهم "الإسلاميون الإرهابيون" ولم يكن لهم أثر في حالة كازاخستان ولكن تبقى المزاعم مطروحة من جانب سلطات مستبدة وغرب يصدقها وهو يعلم كذبها.
ناصحو امتهم
الإثنين، 10-01-2022 11:39 م
لا فض فوك؛ و شكرا خاصا على الاعتناء الذكي بضبط الشعر المستشهد به حتى يقرأ سليما.