قضايا وآراء

بريطانيا الوفية لميراثها الاستعماري

أحمد أبو رتيمة
1300x600
1300x600
أعلنت وزيرة الداخلية البريطانية بريتي باتيل، أنها تسعى في استصدار قانون من البرلمان يصنف حركة حماس الفلسطينية بكافة أجنحتها السياسية والعسكرية منظمةً "إرهابيةً"، مشيرةً إلى أنه بموجب القرار فإن أي شخص يعبر عن دعمه لـ"حماس" أو يرفع علمها أو يرتب لقاءات لها، قد يواجه عقوبة السجن الفعلي لمدة قد تصل إلى 14 عاما.

من المعروف أنه لا يوجد نشاط رسمي لحركة حماس في بريطانيا، كذلك كانت الحكومة البريطانية صنفت الجناح العسكري لحركة حماس منذ عام ٢٠٠١، لذلك فإن الجديد في مشروع القانون البريطاني هو التضييق على النشاط السياسي المناصر للحقوق الفلسطينية.

خطورة هذا القرار تتمثل في تجريم "الدعم" وربطه بعقوبات قاسية. والدعم كلمة فضفاضة تتسع للتأويل السياسي، إذ إن هناك كثيراً من الأنشطة المناصرة للقضية الفلسطينية في بريطانيا إعلامياً وجماهيرياً، وهناك أيضاً مؤسسات خيرية بريطانية تنشط في قطاع غزة، وفي ضوء تهمة فضفاضة مثل التي تسعى وزيرة الداخلية البريطانية لتشريعها، فإن أي انخراط في مثل هذه الأنشطة سيضع أصحابها تحت سيف التهديد والتخويف بتوجيه تهم معلبة إليهم.
خطورة هذا القرار تتمثل في تجريم "الدعم" وربطه بعقوبات قاسية. والدعم كلمة فضفاضة تتسع للتأويل السياسي، إذ إن هناك كثيراً من الأنشطة المناصرة للقضية الفلسطينية في بريطانيا إعلامياً وجماهيرياً، وهناك أيضاً مؤسسات خيرية بريطانية تنشط في قطاع غزة

وفق المعايير الرسمية الغربية، فإن هناك مساعي لتصوير حركة حماس بأنها منظمة معزولة عن القواعد الشعبية في المجتمع الفلسطيني لتسهيل تصنيفها واستهدافها، وهو أمر يناقض الواقع. فحركة حماس فازت بالأغلبية الساحقة في آخر انتخابات تشريعية فلسطينية أجريت عام 2006، ولا يمكن وصف جماعة حظيت بدعم أغلبية شعبها بالإرهاب دون أن يعني هذا التصنيف في الحقيقة وصف هذه الأغلبية الشعبية نفسها بالإرهاب.

وحتى الذين يختلفون مع حركة حماس في أيديولوجيتها ورؤاها الاجتماعية، فإنهم غالباً لا يختلفون معها في موقفها المعادي للاحتلال. فالشعب الفلسطيني يكاد يكون مجمعاً على الحق في مقاومة الاحتلال، وهو الحق الفطري الذي أكَّد عليه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 3214؛ أنه من حق الشعوب النضال بشتى الطرق، حتى لو كان بالكفاح المسلح لنيل الحرية والاستقلال وحق تقرير المصير.

لذلك فإن الفلسطينيين ينظرون إلى القرارات الدولية التي تستهدف حركة حماس بأنها تستهدف العمل الفلسطيني عموماً، وهذا هو سبب حالة الإجماع الفلسطيني على رفض القرار البريطاني الأخير رغم مأساة الانقسام الداخلي الفلسطيني. فقد أدانت وزارة الخارجية الفلسطينية؛ القرار البريطاني، معتبرةً إياه "رضوخاً للضغط الإسرائيلي"، وكذلك قالت الفصائل الفلسطينية في بيان إن "الشعب الفلسطيني بكافة قواه ومؤسساته موحد في رفض وإدانة القرار".
إن الفلسطينيين ينظرون إلى القرارات الدولية التي تستهدف حركة حماس بأنها تستهدف العمل الفلسطيني عموماً، وهذا هو سبب حالة الإجماع الفلسطيني على رفض القرار البريطاني الأخير رغم مأساة الانقسام الداخلي الفلسطيني

وافق الثاني من تشرين الثاني/ نوفمبر ذكرى مرور 104 أعوام على صدور إعلان بلفور من وزير الخارجية البريطاني، والذي وعد فيه الحركة الصهيونية ببذل غاية الجهد لإنشاء وطن قومي لليهود على أرض فلسطين.

يرى الفلسطينيون في وعد بلفور البريطاني محطةً باكرةً مهَّدت إلى النكبة التي هجر فيها الشعب الفلسطيني من أرضه ودمرت قراه واقترفت بحقه المجازر المروعة، ولا يزال يدفع ثمن تلك النكبة حتى اليوم عبر استمرار التهجير والمعاناة والسجن وسرقة الأراضي.

لذلك فإن بريطانيا هي التي تتحمل المسؤولية التاريخية عن المأساة الفلسطينية التي لا تزال مستمرةً حتى اللحظة، وعِوضاً عن تداركها لتلك الخطيئة التاريخية وإعلان الندم والاعتذار وتقديم التعويضات للشعب الفلسطيني، فإن الحكومة البريطانية عبر استمرار سياسات الانحياز إلى مواقف الاحتلال الاستعماري وإدانة العمل المناصر لفلسطين؛ ترسل رسالةً بأنها لا تزال وفيّةً لماضيها الاستعماري وأنها مصرة على التمادي في عدائها للشعوب وحقوق هذه الشعوب في التحرر والاستقلال.

مشروع قانون حظر دعم حركة حماس يأتي في نفس سياق التضييق الذي يتعرض له أي نشاط مناصر للحقوق الفلسطينية، حتى لو كان بوسائل سلمية مجردة وتحت مظلة القانون الدولي، كما رأينا في موجة التضييق على حركة المقاطعة الدولية (BDS) واستصدار تشريعات لحظر أنشطتها ومحاكمة نشطائها في الولايات المتحدة وبريطانيا وأوروبا، وكذلك إشهار سيف معاداة السامية ضد كل من ينتقد سياسات الاحتلال.
مشروع قانون حظر دعم حركة حماس يأتي في نفس سياق التضييق الذي يتعرض له أي نشاط مناصر للحقوق الفلسطينية، حتى لو كان بوسائل سلمية مجردة وتحت مظلة القانون الدولي، كما رأينا في موجة التضييق على حركة المقاطعة الدولية (BDS)

لذلك فإن جوهر المشكلة في السياسات الغربية هو محاربة أي عمل ينتقد جرائم الاحتلال الإسرائيلي.

المجتمع الغربي لا يزال ممتنعاً عن تصنيف جماعة الحوثي في اليمن بالإرهاب رغم تورط تلك الجماعة بانتهاكات فظيعة لحقوق الإنسان. هذه المقارنة بين التعامل الغربي الرسمي مع كلٍّ من جماعة الحوثي وحركة حماس التي لم تشن أي هجوم خارج نطاق فلسطين منذ تأسيسها؛ يؤكد أن المجتمع الغربي الرسمي يرى المسائل بعيون إسرائيل، وأن إسرائيل لا تزال تمتلك حصانةً تشجعها على التمادي في سياساتها الاستيطانية والعدوانية.

الانحياز الرسمي الغربي للسياسات الاستعمارية الصهيونية يأتي في الاتجاه المعاكس لحركة التضامن الدولي مع حقوق الشعب الفلسطيني التي تجلت في مواجهة أيار/ مايو الماضي، حين خرج مئات آلاف المتظاهرين في الولايات المتحدة وكندا وبريطانيا وأوروبا تنديداً بالعدوان على غزة وإعلاناً عن الانحياز لحقوق الشعب الفلسطيني.

استغلت إسرائيل طوال العقود الماضية سلاح الابتزاز أسوأ استغلال لإسكات أي أصوات ناقدة لها، عبر الربط بين انتقاد جرائمها وبين معاداة السامية. وبعد شيوع مصطلح "محاربة الإرهاب" في العالم بعد أحداث 11 أيلول/ سبتمبر 2001 أضافت إسرائيل سلاحاً جديداً إلى أسلحتها الدعائية بتصنيف النضال الفلسطيني ضد احتلالها بأنه إرهاب، وقد وفر الغطاء السياسي الغربي الدعم الكافي لإسرائيل لاستمرار سياساتها الاستعمارية والعدوانية.

تمثل فلسطين قضيةً عالميةً باعتبار أن المواجهة فيها ترمز إلى إرادتين متعاكستين في هذا العالم، فدعم إسرائيل من قبل الحكومات الغربية يمثل امتداداً للرصيد الاستعماري لتلك الحكومات التي تمثَّلَ نهجها التاريخي في التحكم في الشعوب ومصادرة حقها في الحرية والاستقلال وإخضاعها سياسياً واقتصادياً لتبعية دائمة، بينما يمثل دعم الحقوق الفلسطينية من القواعد الشعبية ومنظمات المجتمع المدني تعبيراً عن التوق إلى عالم العدالة والحرية الذي تسقط فيه جدران الاستعمار والتمييز العنصري والاحتلال.

لا تزال موازين القوى المادية منحازةً إلى المنظومة الاستعمارية، لكن الفصل الأخير من التاريخ لم يكتب بعد، وما دام هناك الملايين الذين يؤمنون باستحقاق الحرية ويرفضون القبول بطغيان الظلم فإن الموازين ستتغير يوماً مهما بعدت الطريق.

twitter.com/aburtema
التعليقات (0)