كتاب عربي 21

ليبيا.. إلى أين يتجه النزاع حول الانتخابات؟

السنوسي بسيكري
1300x600
1300x600

مضي نحو أسبوعين على فتح باب الترشح للانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وقد تجاوز عدد المترشحين للرئاسة العشرين مترشحا وباب الترشح مازال مفتوحا، ويقع ذلك بالتزامن مع الترشح لعضوية البرلمان، فيما لا يزال الجدل قائما حول شرعية هذه الانتخابات، حيث تستمر الأنشطة الرسمية والمجتمعية في المنطقة الغربية تعبيرا عن الرفض ورغبة منها في الضغط على البرلمان الحالي ولفت نظر المجتمع الدولي إلى عدالة موقفها.

سباق الترشح الذي يرجع أغلبية المشاركين فيه إلى المناطق الغربية يدفع إلى تمسك البرلمان والمفوضية بموقفهما بخصوص موعد ومقاربة إجراء الانتخابات، ويبدو أن الأطراف الدولية تجد في هذا الزخم سندا للإصرار على موقفها من الانتخابات.

عليه يمكن القول إن إجراء الانتخابات في الرابع والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) صار راجحا، وأن الخلاف المعتبر يتجه إلى التركيز على المادة 12 من قانون رقم 1 الخاص بانتخاب الرئيس والتي تشترط أن يتوقف المترشح لشغل منصب رئيس البلاد عن عمله في الدولة ثلاثة أشهر قبل تاريخ إجراء الانتخابات، وحتى في حال أخفق البرلمان في التوافق على التعديل في المادة 12، فإن تفسيرات قانونية سمحت بها ثغرات في القانون ومساحة قدمتها اللائحة المنظمة لعملية إجراء الانتخابات والتي أعدتها المفوضية وصارت جزءا من القانون قد تكون مستندا لتجاوز نص المادة.

تخطي الخلاف حول المادة 12، يفسح المجال أمام رئيس حكومة الوحدة الوطنية للترشح للانتخابات الرئاسية، وفي حال وقع ذلك فقد يكون الدافع لتراجع مكونات سياسية ومجتمعية وحتى عسكرية عن موقفها الرافض لإجراء الانتخابات وفق القوانين التي أصدرها البرلمان، الأمر الذي يعطي للانتخابات زخما ويصبغ عليها قدرا إضافيا من الشرعية.

وبحسب بعض المصادر المطلعة، فإن التركيز على المادة 12 والاتجاه إلى انتزاع موافقة الطرف الآخر، طبرق والرجمة، هو ما تعتبره دول داعمة للجبهة الغربية مثل تركيا الرهان القابل للتحقيق، وأن تأجيل الانتخابات أو التعديل في القوانين لمنع ترشح حفتر أو سيف متعذر وترفضه بقوة الجبهة الشرقية وتساندها في ذلك الأطراف الدولية.

بالمقابل، فإن وقوع هذا السيناريو سيكون سببا لإثارة جدل من نوع آخر سيحركه المرشحون للرئاسة الذين يستشعرون خطر ادبيبة والذي بدا الأكثر حظوظا في الفوز حتى من سيف الإسلام وحفتر، وهنا يكمن تعقيد الأزمة الليبية في هذا المنعطف الحاد من عمرها.

فوز سيف الإسلام أو حفتر لن يحقق الاستقرار الذي تنشده الأطراف الدولية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، والأسباب معلومة، فالأول قد يكون مدفوعا بالرغبة في الانتقام وعودته للمشهد على الشكل الذي ظهر به والمفردات التي استخدمها في خطابه المقتضب تؤكد ذلك. أما الثاني فإن الدلائل كثيرة على أنه سينقلب على المنظومة عندما يستتب له الأمر.

وهناك العامل الأهم في تحفظ الأطراف الغربية على سيف وحفتر والقلق من أن يفوز أحدهما بكرسي الرئيس وهو أنهما مدعومان من قبل روسيا، ونوازعهما قد تجعلهما مطية للمشروع الروسي في المنطقة.

من ناحية أخرى، فإن الاختراق الذي حققه ادبيبة في الشرق والجنوب قبل الغرب، وكونه لم يكن طرفا في النزاع الدائر منذ سنوات، وأنه لا تحركه نوازع أيدولوجية أو جهوية، وأن تركيزه قائم على إطفاء الحروب وتحريك عجلة الاقتصاد، يعني أن ادبيبة هو الأفضل لضمان الاستقرار المنشود.

لكن ترشح ادبيبة سيدفع أنصار سيف وحفتر وبقية المرشحين للرئاسة إلى قلب الطاولة على الجميع، وهم أقدر على ذلك من الجبهة الغربية، وحضوتهم لدى الفاعلين الإقليميين والدوليين أكبر ولهذا فإن استعداءهم سيكون محل نظر وتدقيق.

 

فوز سيف الإسلام أو حفتر لن يحقق الاستقرار الذي تنشده الأطراف الدولية الغربية التي تقودها الولايات المتحدة، والأسباب معلومة، فالأول قد يكون مدفوعا بالرغبة في الانتقام وعودته للمشهد على الشكل الذي ظهر به والمفردات التي استخدمها في خطابه المقتضب تؤكد ذلك. أما الثاني فإن الدلائل كثيرة على أنه سينقلب على المنظومة عندما يستتب له الأمر.

 



أمام هذا المأزق فإن على الأطراف الدولية أن تفاضل ما بين سيناريوهين: الأول إبقاء الوضع على ما هو عليه الآن، أي إجراء الانتخابات وفقا للقوانين النافذة دون الالتفات إلى مطالب الجبهة الغربية في البلاد ولا حتى السماح لدبيبة بالترشح، وتوظيف الخلاف داخل المنطقة الغربية والذي مظهره إقبال عدد كبير من سكان مدن الغرب الليبي على الانتخابات، ترشحا واقتراعا، لإضفاء الشرعية على العملية الانتخابية، والعمل على اختراق جبهة الرفض فيما تبقى من مدة حتى موعد إجراء الانتخابات ثم عزلها وتحجيمها في سيناريو شبيه بما وقع في اتفاق الصخيرات.
 
السيناريو الثاني يقوم على تحريك ملف الطعون وأثارة الشبهات والعوائق التي يمكن أن تمنع سيف وحفتر من الترشح وجعلها وسيلة الضغط عليهما وعلى أنصارهما للقبول بالتعديل على المادة 12 أو التسليم بالتفسيرات القانوينة لها والتي تستثني ادبيبة.

كلا السيناريوهين قابل للوقوع وتدعمه عوامل عدة، وسيعتمد ترجيح أحدهما على الآخر حالة التماسك في الجبهة الغربية، والتوافق بين العواصم الغربية، فالموقف الإيطالي الداعي للتوافق بين الطرفين المتنازعين ومساندة بريطانيا لها، ثم الجهود التي تبذلها تركيا في هذا الصدد قد تصب في صالح السيناريو الثاني، بالمقابل فإن تأثير العواصم الأخرى الأوروبية والعربية قد يدفع الولايات المتحدة إلى تفضيل السيناريو الأول، والأيام القادمة ستكشف عن اتجاه الأزمة ومآلات النزاع.


التعليقات (0)