مقالات مختارة

بداية تحول استراتيجي في العلاقات الجزائرية الفرنسية…

سليم قلالة
1300x600
1300x600

يراهن البعض على الأشهر القادمة لكي تعود العلاقات الجزائرية الفرنسية إلى سابق عهدها.

 

يؤسس هؤلاء فرضيتهم على تقييم تجربة الستين سنة الماضية. لم تكن هذه الفترة تعرف انكسارا في العلاقات إلا وتبعتها عودة أقوى تزيد التبعية على ما كانت عليه. كان هذا يحدث مع نهاية كل عشرية تقريبا. فترات الجفاء كانت قليلة بالمقارنة مع فترة الود التي كانت تعني في معظم الأحيان خدمة المصالح الفرنسية على حساب المصالح الجزائرية. لم تكن القيادات الرافضة لتمييز فرنسا على غيرها في المعاملات الاقتصادية والثقافية تبرز حتى يتمكن اللوبي الموالي لفرنسا من إزاحتها، تعلق الأمر بالجوانب الاقتصادية أو الأمنية أو غيرها… كان يُنظَر للغضب الجزائري أنه مؤقت، وسوف تتم السيطرة عليه أو إزالته ببعض المُسكِّنات… استمرت السياسة الفرنسية على نفس المنهجية طيلة عقود، ومازالت إلى اليوم تحمل الطبيعة ذاتها.


تتم الإساءة للجزائر، ويتم التآمر عليها اقتصاديا وأمنيا من قبل أعلى الهيئات السلطوية الفرنسية، حتى إذا ما غضبت تتم مواساتها ببضعة كلمات أو مواقف… لا تهدف في الغالب سوى لتقديم ذريعة لأنصارها في الداخل والخارج لإعادة الوضع على ما كان عليه، يخدم المصالح الفرنسية أكثر مما يخدم المصالح الجزائرية.

 

يبدو أن هذا المنطق في التفكير والعمل لم يعد صالحا اليوم. لقد تغيرت العديد من المعطيات السياسية والجيواستراتيجية والاقتصادية والثقافية في العالم. تم تحجيم الدور الاقتصادي الفرنسي في المنطقة إلى أبعد الحدود من قبل قوى دولية كبرى كالصين ودول أوروبية مُماثلة كإيطاليا وإسبانيا وألمانيا، بل ومن قبل دول صاعدة كتركيا وبعض النمور الآسيوية. لم تعد فرنسا هي اللاعب الاقتصادي الرئيس في الجزائر بكل المقاييس. وتم تحجيم دورها الاستراتيجي من قبل حلفائها ذاتهم وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية التي تخلت عنها، ومن قبل القوى العسكرية الكبرى كروسيا التي بدأت تحل محلها في إفريقيا، ومستقبلا يُنتظَر أن يزيد التعاون العسكري الإفريقي بشكل عام مع آسيا وبعض القوى الأوروبية وسيكون للجزائر وجنوب إفريقيا دور في كل ذلك. كما ستسعى دول صاعدة إلى البحث عن مكانتها في المنطقة.


وتشير التطورات الأخيرة في الجانب السياسي والثقافي أن الوجود الفرنسي لم يعد مرحبا به، إنْ تعلق الأمر بالعلاقات التقليدية بين فرنسا ومستعمراتها، أو بمكانة اللغة الفرنسية في البلدان الإفريقية. تخلت عن اللغة الفرنسية رواندا، وترتفع  باستمرار المطالب الشعبية في كافة بلدان القارة ومن بينها الجزائر لإخراج التعليم على وجه الخصوص من هيمنة اللغة الفرنسية.


يدل هذا أن مختلف المؤشرات اليوم هي في غير صالح هذه القوة الاستعمارية التقليدية، لذلك تجدها تسعى لِلَعب ما بقي لها من أوراق لعلها تبقى، ويُعَدُّ التاريخ، والهجرة، من أهمها. إنها اليوم تتحرك خطوة إلى الأمام وخطوتين إلى الوراء في هذا الجانب. يُصرِّح الرئيس ماكرون أنه لا ماضي للأمة الجزائرية اليوم ويصحح ذلك غدا.

 

يَطعن في التاريخ، ثم يشارك في إحياء تاريخ مقاومة المهاجرين الجزائريين للاستعمار. تراه أحيانا متنكرا لجرائم الاستعمار  أخرى مؤيدا لذلك. وقس على ذلك باقي السياسات وفي كافة المجالات، تردد غير مسبوق تجاه القضايا الرئيسة. أصبح يشكل اليوم اتجاها فرعيا يلاحظه أي متتبع، وسيتحول خلال السنوات القليلة القادمة إلى اتجاه أعظم يُعيد تصحيح مسار التاريخ.

 

إننا نعيش بحق نقطة تحول إستراتيجية في علاقاتنا مع هذا البلد، تحمل إشارات واضحة لقطيعة جوهرية قادمة، علينا الاستعداد لها من الآن والاستثمار فيها.

 

نقلا عن "الشروق الجزائرية"





0
التعليقات (0)