صحافة دولية

مخيم الدهيشة يسعى لأن يدرج على قائمة التراث العالمي

تأسس المخيم عام 1949 لإيواء أكثر من 3000 لاجئ فلسطيني طردتهم المليشيات اليهودية من قراهم
تأسس المخيم عام 1949 لإيواء أكثر من 3000 لاجئ فلسطيني طردتهم المليشيات اليهودية من قراهم
يسعى مخيم الدهيشة للاجئين الفلسطينيين، القريب من مدينة بيت لحم وسط الضفة الغربية، في سابقة إلى أن يدرج في قائمة التراث العالمي لليونيسكو.

وقال الناقد المعماري، أوليفر وينرايت، إن مخيم الدهيشة للاجئين بالقرب من بيت لحم لا يبدو مثل موقع التراث العالمي المعتاد لليونيسكو. فابتداء، لا توجد أكشاك للهدايا التذكارية أو أعداد من الباعة المتجولين. وبدلا من ذلك، فإن الجدران الخرسانية المتشققة المغطاة بكتابات الغرافيتي العربية تحيط بمدخل دكان الزاوية، حيث تقف آلة تصوير المستندات القديمة بجوار بضعة أرفف هزيلة من المؤن. وتتسكع سيارة أجرة في شارع مليء بالحفر بين أكوام من كتل الطوب المكسرة، بينما تتدلى كابلات الكهرباء وأسلاك الهاتف بشكل عشوائي فوقها.

ورغم ذلك، يضيف وينرايت في مقال له في "الغارديان" أن "معرضا جديدا في "Mosaic Rooms" بلندن يجادل بأن هذا الموقع المتداعي للنزوح الجماعي يستحق نفس وضع الحماية التي تتمتع فيها مواقع مثل ماتشو بيتشو أو البندقية أو تاج محل. يقول أليساندرو بيتي: "نريد زعزعة استقرار المفاهيم الغربية التقليدية للتراث.. كيف تسجل تراث ثقافة المنفى؟ عندما لا يمكن ترشيح مواقع التراث العالمي إلا من قبل الدول القومية، كيف يمكن تقدير تراث السكان عديمي الجنسية؟".

ومنذ عام 2007، يعمل بيتي مع ساندي هلال، التي تقود مجموعة Decolonising Architecture Art Research (DAAR) الجماعية، وتتنقل برشاقة بين عوالم الهندسة المعمارية والسياسة والتنمية. وعلى مدى السنوات السبع الماضية، عملا مع اللاجئين الفلسطينيين في مخيم الدهيشة لتجميع ملف لتقديمه إلى اليونسكو، يشيرون فيه إلى "القيمة العالمية المتميزة" للموقع باعتباره موقعا لأطول وأكبر عملية نزوح معيشية في العالم.

وفي عملية يصفونها بأنها "اللعب بجدية"، استخدموا معايير الترشيح الغامضة الخاصة بوكالة التراث التابعة للأمم المتحدة لتقويض فكرة حماية التراث الدولي والتشكيك في الافتراضات حول وضع هذا المخيم المؤقت المفترض. ويتساءلون: "هل المخيم مجرد موقع بؤس، أم إنه ينتج قيما تحتاج إلى الاعتراف بها وحمايتها؟".

يبدأ المعرض بتمهيد المشهد بمجموعة من الصناديق الضوئية الكبيرة القائمة بذاتها في معرض الطابق الأرضي، المتوهجة بلقطات جوية لمخيم الدهيشة. التقط الصور لوكا كابوانو، المصور الإيطالي الذي كلفه اليونسكو سابقا بتوثيق مواقع التراث العالمي الشهيرة في إيطاليا. كان هدف بيتي وهلال هو عكس بعض الرومانسية الرائعة من اللقطات الليلية التي التقطها المصور بعناية لأزقة مدينة البندقية وساحات مدينة توسكان الجبلية على الخليط المؤقت لبنايات مخيم اللاجئين. وتتمتع المشاهد بجودة أفلام مغرية، حيث يتسرب الضوء من المداخل التي تُركت مواربة، والأزقة الجذابة. يمكنك لو نظرت بعينيك نصف المغلقة أن تحس بأنك في البندقية – حيث يتضمن المعرض لقطة منها للمقارنة، مع التذكير ببدايات تلك المدينة كمكان للجوء. إن المعرض أبعد بعوالم عن الصور المعتادة لمخيمات اللاجئين، التي تُصور إلى الأبد على أنها أماكن بائسة يائسة تحرقها الشمس.

تأسس المخيم عام 1949 لإيواء أكثر من 3000 لاجئ فلسطيني طردتهم المليشيات اليهودية من قراهم في الحرب العربية الإسرائيلية، ومنذ ذلك الحين فقد تضخم مخيم الدهيشة ليستوعب 15,000 شخص. بدأ كمخيم من الخيام، تم تصميمه على شكل معسكر على مساحة متموجة من الأرض مؤجرة لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) من قبل الحكومة الأردنية (التي لا تزال تمتلك الأرض من الناحية الفنية).

في الخمسينيات من القرن الماضي، حيث لم تظهر أي علامات على انحسار النزاع، بدأت الأونروا في بناء غرف إيواء خرسانية صغيرة لكل أسرة، على قاعدة متر مربع واحد للفرد، وحمام مشترك بين كل 15 ملجأ. ومع مرور الوقت، أضافت العائلات مزيدا من الغرف والأراضي تم تجميعها وتوسيعها وبناؤها بحسب الحاجة.

بعد مرور أكثر من 70 عاما، يبدو مخيم الدهيشة أقل بكثير مما يمكنك أن تتخيل شكل مخيم للاجئين. عندما زرته في عام 2018، لم أجد صفوفا من الخيام أو الملاجئ، بل وجدت شوارع متعرجة من منازل خرسانية متعددة الطوابق، وهي مكان حضري كثيف من الهياكل المبنية ذاتيا والتي تطورت بشكل تدريجي على مدى عقود. توجد متاجر ومدارس ومساجد ومركز مجتمعي، وكلها مكتظة في مساحة تقل عن النصف كيلومتر مربع. إن العلامة الوحيدة التي تشي بأنه مخيم هي شاحنة القمامة التي تحمل علامة الأمم المتحدة تجوب أزقة المخيم الضيقة.

وتظل الجدران عارية وتبرز قضبان التسليح الفولاذية من معظم أسطح المنازل، ولكن هناك سبب وجيه يجعل كل شيء يبدو غير مكتمل. الدهيشة هي نتاج الإجبار على العيش في حالة اللايقين الدائم، مع الأمل الأبدي في العودة يوما ما، ما يخلق ما يسميه بيتي وهلال حالة "المؤقت الدائم". ولا تزال الأحياء مرتبة بشكل فضفاض وفقا للقرى التي جاء منها اللاجئون، وتتشبث العائلات بحلم العودة إلى أراضي أجدادهم - التي تقع على بعد بضعة كيلومترات فقط، خلف الجدار الخرساني الأمني الإسرائيلي صعب الاختراق.

تقول هلال، التي نشأت في بلدة بيت ساحور القريبة، وهي معقل للنشاط السياسي: "هناك شعور واسع الانتشار بين اللاجئين الفلسطينيين بأنك إذا اعتبرت المخيم موطنا لك، فسوف تعرض حق العودة للخطر". وقالت: "يحاول الناس تحسين مبانيهم وظروفهم المعيشية، لكنهم في نفس الوقت يخجلون من جعل المنزل ملكا لهم". ووصفت كيف صدفت رجلا يحفر مسبحا صغيرا في حديقته. وعندما سألته عما يفعل، أصبح دفاعيا على الفور، مفترضا أنها ستتهمه بجعل المخيم موطنا دائما له، وأوضحت أن "هناك وصمة عار تتعلق بظهور الشخص مستقرا أكثر من اللازم [في المخيم]".

وهذا الوضع لا تساعده التصورات الدولية. تصف هلال "جولات البؤس" التي يتم إجراؤها حول الدهيشة للزوار الأجانب، وهي جزء من صناعة سياحة الكوارث التي ولدت مناطق جذب محلية غير متوقعة مثل فندق بانكسي المحاط بالجدار في بيت لحم، والذي يتميز بإطلالات على الجدار الأمني الخرساني المغطى برسوم الغرافيتي من كل غرف الفندق. وقالت: "إن التاريخ الوحيد المعترف به هو تاريخ العنف والمعاناة والإذلال.. كيف يمكننا إعادة صياغة المخيم بنبرة أكثر إيجابية؟".

بالنسبة لمعرض لندن، قاموا بتحويل غرفة واحدة من المعرض إلى غرفة معيشة، أو "مضافة"، حيث سيعقد الناشط في المجتمع الفلسطيني عمر حميدات اجتماعات أسبوعية يوم الأحد، مرتبطة مع مساحة موازية في مخيم الدهيشة، عبر Zoom. والمضافة مليئة بالأشياء التي تبرع بها المغتربون الفلسطينيون المحليون، من مجموعة من الأشرطة الموسيقية، إلى بساط منسوج من غزة، وعود حميدات. يقول بيتي: "إنها طريقة لتلويث فكرة المكعب الأبيض.. نريد أن يكون المعرض موقعا نشطا للتجمع والإنتاج".

غرفة ثالثة في الطابق السفلي تسلط الضوء بشكل حاد على حق الفلسطينيين في العودة، مع عرض قوي لـ 44 قرية بالقرب من القدس والخليل أجبر سكان الدهيشة على الفرار منها. كتيبات كبيرة الحجم لصور كابوانو مفتوحة على قواعد مضاءة من ارتفاعات مختلفة، ما يخلق مشهدا متحركا للمنفى.

في السنوات السبعين منذ نزوح العائلات الفلسطينية، أصبحت قراهم لا يمكن التعرف عليها. بعضها الآن عبارة عن حدائق وطنية إسرائيلية، تكتمل بمقاعد نزهة حيث كانت منازل الفلسطينيين ذات يوم قائمة. وتم تحويل البعض الآخر إلى مواقع صناعية، مع صوامع خرسانية وسقائف فولاذية تدوس الحقول والأشجار المثمرة. لكن الغالبية غطتها ببساطة أشجار الصنوبر والأوكالبتوس [الكينا]. وبحسب هلال فإن "الخضرة تستخدم لإخفاء الجرائم".

في كتابهما المصاحب، تراث اللاجئين، الذي يوضح بالتفصيل عملية تجميع ملف ترشيح التراث العالمي، يعتبر الثنائي أن القرى هي موقع تراثي موازٍ للمخيم، أحدهما موجود كنتيجة مباشرة لعدم القدرة على الوصول إلى الآخر. ومعتبرين صدق اليونيسكو، فقد أشارا إلى أن القيمة العالمية البارزة لممتلكات التراث العالمي تعتمد على قدرتها على "تجاوز الحدود الوطنية". وهما يحاججان بالسؤال عن أي مكان يمكن أن يكون أكثر ملاءمة من مخيم الدهيشة والقرى المرتبطة به، وهو موقع ذو وجود مزدوج، "يتجاوز هذه الحدود من خلال واقعه المعاش من انعدام الجنسية واللجوء والنفي؟".

لقد أصبح عملهما أكثر إثارة للمشاعر بسبب الاستحالة السياسية لتحقيق هدفه. بالطبع لا يمكن أن يصل ترشيحهما إلى اليونسكو أبدا - كمكان خارج الحدود الإقليمية.. وموطن لشعب عديم الجنسية، ولا توجد دولة طرف يمكن أن ترشحه على الإطلاق.
1
التعليقات (1)
علي الحيفاوي
السبت، 16-10-2021 10:08 ص
هؤلاء إما أنهم خبثاء أو بلهاء! هذه ليست سوى نكتة بايخة حقيرة من بلهاء أو خبثاء، تهدف لتكريس الشتات الفلسطيني ليبقى في مخيماته تحت راية أن المخيم أصبح تراث عالمي يجب الحفاظ عليه. إلعبوا غيرها، اللاجئين الفلسطينيين لن يستبدلوا حق عودتهم إلى مدنهم وقراهم داخل فلسطين المحتلة مهما كان الثمن.

خبر عاجل