مقالات مختارة

العالم ليس فرنسا!

رشيد ولد بو سيافة
1300x600
1300x600

التّطوُّرات الأخيرة على صعيد العلاقات بين الجزائر وفرنسا أثبتت أنّ الهالة التي أرادها البعض حول النّفوذ الفرنسي في الجزائر مجرد فقاعة هشّة، وأنّ أيّ تدهور في العلاقات بين البلدين فإنّ المتضرّر الأكبر منه هو فرنسا ما دامت الجزائر تمثّل أكبر سوق للمنتجات الفرنسية من الخدمات والسّلع ومع الثّقافة واللّغة.


فرقٌ كبير بين العنجهية والمكابرة التي ظهر بها الرّئيس الفرنسي إمانويل ماكرون الأسبوع الماضي وهو يتكلم عن الجزائر ويلغي تاريخها ويشوّه حاضرها، وبين ما قاله وزير الخارجية الفرنسي “جون إيف لودريان” أول أمس، أمام الجمعية الوطنية الفرنسية، في سياق محاولة رأب الشّرخ الذي تسبَّب فيه رئيسه، إذ قال معلقا على موضوع الماضي الاستعماري لفرنسا في الجزائر “هذا الأمر -التاريخ الاستعماري- يعني بالتأكيد الاحترام الرّاسخ للسيادة الجزائرية.. وهو يعود للجزائريين، ولهم وحدهم أن يقرروا مصيرهم وتحديد أطر خياراتهم ونقاشاتهم السياسية”.


هذا التّصريح يكشف مدى الحرج الذي وقعت فيه الحكومة الفرنسية بسبب التصريحات المنفلتة للرئيس ماكرون، والذي تسبَّب في أزمة غير مسبوقة للعلاقات الثنائية، وصلت إلى سحب السفير الجزائري للتشاور وغلق المجال الجوي الجزائري أمام الطائرات العسكرية الفرنسية.


لقد كشفت التّصريحات القوية للرئيس تبون التي أطلقها في سياق حديثة عن العلاقات مع فرنسا أنّ الوضع لم يعُد كما كان، وأنّ مقابلة الإساءات الصّادرة عن الرّسميين الفرنسيين بالصّمت أو العتاب الهادئ، لم يعُد سياسة متّبعة، وأنّ تلك الحادثة الغريبة التي وقعت قبل سنوات بإهانة وزير جزائري في أحد المطارات الفرنسية، أمرٌ لا يمكن أن يتكرّر.


وفي المقابل؛ فليعلم بعض الجزائريين الذين لا زالوا يعتبرون باريس قبلتهم الأولى أن فرنسا ليست هي العالم، وأنّ مصالحنا لا يمكن أن ترتبط بهذا البلد الذي لم نسوِّ حساباتنا التّاريخية معه بعد، وأنّ العالم كله مفتوحٌ أمامنا، وقد جاءت الفرصة للتّخلي عن الإرث المسموم الذي تركته فرنسا في الجزائر.


آن الأوان لبناء علاقة تحكمها المصالح المتبادلة بعيدا عن الاستغلال والفوقية، أمّا ما يتعلق بالماضي الاستعماري فهو ملفٌّ سيبقى مفتوحا، إن لم يفعل جيلُنا فيه شيئا، يبقى للأجيال القادمة للفصل فيه بما يعطي لكل جانب حقه؛ سواء ما تعلق بالتعويضات عن الملايين من الشهداء الذين سقطوا خلال 132 سنة، وكذا التّعويض عن الخيرات التي نُهبت، وبينها خزينة الجزائر التي استولى عليها “دي بورمون” وكذا تعويض ضحايا التفجيرات النووية وغيرها من الملفات، وبعدها يُمكن الحديث عن الاعتذار وبناء علاقات غير مكبلة بأحقاد الماضي الاستعماري.

 

(الشروق الجزائرية)

0
التعليقات (0)