مقالات مختارة

السادة المبعوثون

سمير عطالله
1300x600
1300x600

أقيم في باريس قبل سنوات حفل تأبين لكبير الصحافة اللبنانية غسان تويني. وكان بين الحضور الدبلوماسي الأمركي كريستوفر روس، المبعوث الأممي لقضية الصحراء. وسألته إن كان من جديد في المسألة، فأجاب ضاحكا: «لقد طرح علي عمرو موسى السؤال نفسه، فأجبته أن الثابت الوحيد أن العناد الذي يرافق الخلاف سوف يضمن لي البقاء في مهمتي إلى فترة طويلة».


كان هذا أول ما خطر لي عندما أعلن الأمين العام للأمم المتحدة تعيين السنيور الإيطالي ستيفان دي ميستورا مبعوثا خاصا في قضية الصحراء. كان دي ميستورا قد شغل موقع المبعوث الأممي في الحرب السورية، ولهذا السبب اتخذ بيروت مسكنا. وكانت صورته تملأ الصفحات الاجتماعية في المدينة، غالبا تحتفي به سيدات تجاوزن سن الأضواء الراهنة، وصرن في أعمار «الزمن الجميل».


انتهت مهمة دي ميستورا في سوريا، كما انتهت مهمة جيمس بيكر ونحو 12 مبعوثا آخرين في الصحراء. وشرحه، أن استمرار الوساطة يعني استمرار المشكلة. ولا نعرف إن كانت حظوظ السنيور دي ميستورا مثل حظوظه في سوريا أو مثل حظوظ المستر روس في الصحراء. أو هي متقاربة، كما توصف في لغة الغموض البناء. والغموض البناء كما قصد هنري كيسنجر عندما أدخل العبارة، قاموس المقدمات التي بلا نهايات، نوع من تعويد المعنيين على أن المشكلة أسهل من الحل.


ومن المؤسفات في إحالات المشكلات على الهيئات الدولية، أن المهمات ملزمات بالبرامج، لا بالنتائج.

 

وعلى قول الصديق ابن المعتز «فكان ما كان مما لست أذكره، فظن خيرا ولا تسأل عن الخبر». ومما لا أذكر أن مبعوثا دوليا أفلح في أي نزاع. وأن من الأمثلة «الدولية» كانت المحكمة الخاصة في اغتيال الرئيس رفيق الحريري. قبل أسابيع أغلقت أبوابها بعد 12 عاما وتكاليف بلغت 800 مليون دولار، وإدانة متهم واحد. وقد شهدت القضية عددا من المحققين الدوليين تميز كل منهم بأسلوبه. وإذا كان السنيور دي ميستورا قد ملأ الصفحات الاجتماعية، كان أسلوب المحقق البلجيكي سرج براميرتز الابتعاد الكلي عن كاميرات التصوير. ولم يضبطه المصورون إلا نادرا في مطعم بعيد، جالسا منفردا، وأمامه صحن حمص وكبة نيئة. والمعروف أن البلجيكيين مثلنا آكلة لحوم نيئة في مطبخهم الوطني.


أحد أشهر المبعوثين الدوليين كان السويدي غونار يارينغ، أول وسيط بعد حرب 1967. وكان معروفا بصمته. ومن «سبقاتي» النادرة في هذه المهنة لقاء مطول معه في عشاء عند السفير اللبناني في موسكو العام 1972. استمرت وساطته (القرار 242) سنوات. ولا يزال القرار 242 يبحث عن وسطاء.

 

الشرق الأوسط

1
التعليقات (1)
أمين صادق
الأحد، 10-10-2021 05:26 م
مقال الأستاذ سمير عطا الله هذا في غاية الأهمية حيث من الضروري أن تعرف الشعوب كيف تجري الأعمال السياسية المخادعة في عصرنا الحالي من طرف الدول الكبرى . تكون هنالك مشكلة أو أزمة في منطقة ما في العالم فتنبري دولة كبرى لتقول بأنها تسعى لحل الأزمة بينما تكون نيتها الحقيقية هي إطالة أمد المشكلة و يكون مبعوثها بين الأطراف المتنازعة في موقع إدارة الأزمة و ليس حل الأزمة . في نهاية المطاف ، يجري إنهاك الأطراف من أجل يخضعوا للدولة الكبرى فتقوم بتمرير مشروعها الذي يخدم هذه الدولة و لا يخدم سواها. تحصل حرب بين بلدين ، فتكون الدول الكبرى معنية بتأجيجها من أجل أن يضطر البلدان المتحاربان لشراء أسلحتهما مراراً و تكراراً مما ينعش تجارة أدوات القتل و التدمير و يكون حلم الدول الكبرى في مشاريع التعمير بعد نهاية الحرب للحصول على المزيد من الأرباح . في إحدى المعارك في منطقتنا أرسل ضابط في دولة كبرى أمراً لطيار أن يقوم بتدمير محطة كهرباء فذكر له الطيار أنه لا ضرورة عسكرية لذلك لأن المحطة ليس فيها أي نشاط مشبوه ، فقال له الضابط ما معناه : أضرب و دمَرها عن آخرها لأن هؤلاء المغفلين سيلجئون إلينا لشراء محطة جديدة نضع لها أي سعر نريده . بعد ذلك ، تعلن دولة أو دول كبرى أن لا حلَ عن طريق الحرب , أن على الطرفين الجلوس حول طاولة المفاوضات و تكون النيَة المسبقة لدى الكبار هي عدم التوصل إلى نتائج . ينتظر البسطاء من الناس بلهفة نتائج المفاوضات و يأملون خيراً منها من دون أن يعلموا أن القرار من الكبار أن تكون المفاوضات عبثية لا توصل لشيء . حين احتلت أرمينيا إقليماً في أذربيجان ، صدر قرار أممي بانسحاب أرمينيا من هناك و تشكلت لجنة للتفاوض و لتنفيذ القرار و دام عملها حوالي 30 سنة من دون أن يحصل شيء . بطبيعة الحال ، السادة المبعوثون أكلوا كثيراً و شربوا كثيراً و جرَبوا فنادق كثيرة و قاموا بالسياحة لكن من دون أي انجاز . هذا التمادي في العبث و الاسترسال في التفاهة و اللعب بمصائر الشعوب ما كان له أن يمضي لو كانت الشعوب واعية على أساليب المكر السياسي الدولي و أن الدول الكبرى ليست موضع ثقة لا في جولات و لا في مشاريع و لا في مبادرات و لا في قرارات مجلس أمن و لا في أحلام وردية منها بمنح مالية ستنهمر على الشعوب لدى تنفيذ الحلول . حتى الأغنام السائمة لا تثق بالذئب الذي يريد افتراسها و تسعى أن تنأى عنه، أفلا تدرك الشعوب العاقلة وجود ذئاب بشرية ؟