تقارير

"بيت العلمي" الأثري شاهد على ازدهار العمارة الإسلامية في غزة

البيوت في فلسطين شاهدة على تاريخ الشعب الفلسطيني وهويته (عربي21)
البيوت في فلسطين شاهدة على تاريخ الشعب الفلسطيني وهويته (عربي21)

على مقربة من المسجد العمري "الكبير" وقصر الباشا التاريخي ومجموعة من المواقع والبيوت الأثرية في البلدة القديمة بمدينة غزة لا يزال "بيت العلمي" الأثري وسباطه شامخا صامدا منذ قرابة 450 سنة، ليتحول من بيت تراثي تاريخي إلى مركز ثقافي له رسالة سامية.

في الناحية الغربية الشمالية للمسجد العمري "الكبير" يقع "بيت العلمي" الذي لا تتجاوز مساحته 220 مترا مربعا، ولكن سباطه الذي يعلوه يعتبر واحدا من أهم 3 أسباط في غزة القديمة، وهي: العلمي، المفتي، وسباط كساب.

يقول الدكتور إبراهيم أبو شبيكة، المحاضر في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة لـ "عربي21": "سباط العلمي هو جزء من بيت العلمي الأثري القديم والذي يقع في قلب البلدة القديمة من مدينة غزة وتحديدا في حي الدرج".

وأضاف: "يعود هذا البيت الأثري إلى القرن السابع عشر الميلادي حيث شيد مع بداية الدولة العثمانية، وهو يقع في محيط عدة مواقع أثرية هامة مثل المسجد العمري ـ الكبير، وقصر الباشا، وبيت الغصين الأثري وغيرها من المواقع والآثار القديمة".

 

         إبراهيم أبو شبيكة، المحاضر في قسم التاريخ والآثار في الجامعة الإسلامية بغزة

وأوضح أن مدخل "سباط العلمي" متفرع من شارع الوحدة في البلدة القديمة الواصل إلى قصر الباشا، وفي المقابل منه بيت الغصين الأثري، وهو يقع في المنطقة الواقعة ما بين دوار الشجاعية شرقا وما يعرف باسم "موقف جباليا" غربا.

ويتكون البيت من طابق أرضي وطابق أول، بحيث يحتوى على ثلاث غرف في الطابق الأرضي وقبتين، وغرفتين في الطابق الأول.

ويؤدي مدخل البيت الواقع تحت السباط إلى دهليز (ممر منكسر) يقود إلى الفناء الداخلي ذي الشكل المستطيل بمساحة تقريبية (50 م2)، وتفتح عليه ثلاث غرف وإيوان علوي وغرفة هي نفسها "السباط"، وهذه الغرفة مسقوفة بقبة نصف كروية وبها العديد من الزخارف وتسمى "قصر الملك". بحسب أبو شبيكة.

وأكد أن المساحة الإجمالية للطابق الأرضي للبيت تبلغ حوالي 220 مترا مربعا، مشيرا إلى أن الطابق العلوي من البيت يغطي هذا الشارع بواسطة قنطرة "سباط" ما تزال قابعة وهي كانت تستخدم كمنارة للبيت لرصد كل التحركات.

وأوضح أبو شبكة أن البيت بني بجدران سميكة من الحجر الرملي، وبنيت الغرف على شكل مربع معقود بعقد متقاطع من الحجر أيضاً، وتمت زخرفة العقود في بعض الغرف مثل الغرفة الجنوبية الشرقية في الطابق العلوي بحيث تبدو مثل النجمة الجدران.

وأشار إلى أن للبيت درجين أحدهما يؤدي إلى ساحة علوية تسمى "الحضير" تفتح عليها غرفة واحدة حالياً ويحيط بالحضير الذي كان يستخدم للجلوس في فصل الصيف، والممر العلوي، وكلاهما يطلان على الفناء في الطابق الأرضي بدرابزين من الحديد المشغول. 

وأوضح أن الطابق الأرضي "الإيوان" هو مكان مفتوح للجلوس، بثلاثة جدران محفور أجزاء منها على شكل مستطيلات ضلعها الأعلى على شكل قوس.

وقال: "يقابل الإيوان سلّمين يصلان للطابق الأول، وأسفلهما (المَزْيَرَة)، وهي حوض مياه صغير موجود في الجدار، وبجانبها (المَخَبيِّة) وهي على شكل مربع أعلاه يأخذ شكل قوس وتستخدم لتخزين الحبوب والدقيق".

وأضاف: "يجاور الإيوان المطبخ الذي تميز بمدخنته، التي تدلل على أن المداخن المنزلية لم تكن وليدة العصر الحديث بل هي موجودة منذ القدم".

وأوضح أن غرفة الضيافة مستطيلة الشكل، فكان جمالها ينبع من نوافذها التي تطّل على الفناء الداخلي للمنزل، وتميزها بمدخلين أحدهما من الإيوان، والآخر من الفناء الذي اصطفت حول جداره عدة أصص لنباتات خضراء.

وقام مركز عمارة التراث "إيوان" بكلية الهندسة في الجامعة الإسلامية بغزة بترميم بيت العلمي في تشرين أول/ أكتوبر 2009م ـ 1430هـ، وتم افتتاحه كمركز رياض العلمي للتراث الفلسطيني. في شباط/ فبراير 2011م- 1432هـ.

وقامت مؤسسة اليونسكو بتأثيث بيت العلمي ليصبح مزاراً تراثياً عريقاً متجذرا في أصول التراث الفلسطيني والحضارة الفلسطينية.

وقد آل هذا البيت عبر الورثة إلى رياض العلمي الذي أصر على تحويله إلى مركز ثقافي يديره نجله إسماعيل العلمي.

وأوضح رياض العلمي في حديث لـ "عربي21" أن هناك عدة أسباب دفعته لتحويل هذا البيت الأثري إلى مركز ثقافي ومزار لكل المهتمين بالثقافة والتراث وجذور الهوية الفلسطينية، ومن أهمها الحفاظ على التراث وتاريخ الهوية الفلسطينية وحياة الفلسطينيين منذ القدم، وذلك بسبب الزحف العمراني الحديث للكثير من مناطق قطاع غزة الأثرية وما وصفه بـ"المجازر" التي طالت البيوت الأثرية.

 

                              رياض العلمي صاحب البيت ونجله

وقال: "إن هذا البيت الأثري يعتبر من أهم البيوت التراثية الأثرية بسبب موقعه المميز بوسط مدينة غزة، وفي منطقة تحتوي على بعض المواقع الأثرية التي لم يطلها الزحف العمراني الحديث، ومنها الجامع العمري وهو جامع مميز أثري، وله تاريخ عريق، وقصر الباشا، وسوق الزاوية، وسوق القيصرية أو "سوق الذهب".

وأوضح أن البيت الذي يحتوي على سباط؛ كان يعتبر من البوابات الرئيسية للسوق الشعبي التراثي "سوق الزاوية". ويعتبر هذا السباط من أهم معالم البيت.

وقال: "إن لبيت العلمي تاريخا قديما منذ تشيده قبل 450 عاما، والممتد إلى يومنا هذا".

وأضاف: "هذا البيت في الأصل كان يعود لعائلة بشناق، ثم تم شراؤه من قبل آل العلمي، ولیومنا هذا هو لآل العلمي، وتم الحفاظ عليه على مر العصور والأزمنة".

وتابع: "هذا البيت الأثري القديم الذي تحمل حجارته تاريخ القضية الفلسطينية، وتسرد زواياه حياة نضال شعبنا في البقاء ومقاومته ضد الاحتلال".

وأوضح العلمي أنه تم ترميم البيت في السنوات الأخيرة بدعم من عدة مؤسسات ومن بينها: "اليونسكو"، "الصليب الأحمر"، "بنك فلسطين" ومركز إيوان في الجامعة الإسلامية بغزة.

وقال: "الإحساس بالمسؤولية هو ما دفع آل العلمي لعدم ارتكاب مجزرة هدم واندثار بحق بيتهم الأثري فقرروا ترميمه بمساعدة العديد من المؤسسات المحلية والدولية، ولكن لم يتم الاستمرار في هذا الاهتمام من قبل المختصين والمهتمين، ما حدا بأصحاب البيت إلى الاستمرار في ترميمه على نفقتهم الخاصة".

وشدد على ضرورة الحصول على تمويل المؤسسات المهتمة بالتراث وذلك من أجل الاستمرار في ترميمه والحفاظ عليه للاستمرار في الحفاظ على التراث وتاريخ وجذور الهوية الفلسطينية.

وعن رسالة المركز الثقافي الذي تمت إقامته في هذا البيت قال العلمي: "رسالة المركز هي تعريف المجتمع بأهمية تراثنا الفلسطيني وكيفية الحفاظ عليه، وتعريفهم بأهمية الحفاظ على الهوية الفلسطينية وجذورها، ليتحول حديثا إلى مزار شعبي يقصده المثقفون والأدباء والفنانون وكافة المواطنين وطلاب المدارس، ليشاهدوا روعة هذا المكان وتاريخ الشعب الفلسطيني وجذوره الممتدة على مر العصور، فهذا البيت بحجمه ومكانته وتفاصيله الداخلية وزواياه يعتبر من البيوت الأثرية التي لا مثيل لها في غزة فهو كالقصر".

ومن جهتها أكدت الكاتبة أميرة حمدان منسقة مشروع "بيتكم العامر" الذي يهتم بالمواقع الأثرية على أهمية استعادة الوعي والاهتمام بالموروث التراثي والعمراني والتاريخي للبلدة القديمة لمدينة غزة من خلال الحفاظ على هذه المواقع الأثرية وحمايتها من الاندثار أمام الزحف العمراني.

 



وشددت حمدان في حديثها لـ "عربي21" على أن مدينة غزة تعتبر واحدة من أقدم مدن العالم وتاريخها يعود إلى قبل 8 آلاف سنة و شهدت أحداثا ومفاصل تاريخية مهمة خلال هذه السنوات، مشيرة إلى أن هذه البيوت هي شاهدة على هذه الحقبة ومن بينها بيت العلمي الأثري وسباطه الشامخ منذ قرابة 450 سنة.

وقالت: "إن غزة شهدت ازدهار العمارة الإسلامية منذ قديم العصور، حيث شيد بيت العلمي قبل حوالي 450 عاما بالإضافة إلى سباطه وهو عبارة عن غرفة مقببة تحتها ممر أو دهليز وذلك ليكتسب صاحب البيت غرفة تخدم البيت".

ودعت الناشطة الفلسطينية إلى تشجيع حملات السياحة الداخلية في غزة والاهتمام الحقيقي بالإرث التاريخي للمدينة لتعريف المواطنين بهذه المواقع الأثرية والبيوت وتاريخ كل منها، للنهوض بالهوية الثقافية والوطنية.

 

 

 


التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم