بورتريه

سربرنيتسا.. حين ذُبح "البشناق" على مرأى من العالم (بورتريه)

سربرنيتسا
سربرنيتسا
كان مشهدا لا ينسى، لا يزال محفورا في الذاكرة، آلاف الرجال الكبار في السن والأطفال والنساء في مواجهة أكثر الجنود همجية وبطشا الذين ذبحوا الجميع بجز أعناقهم في مشاهد مصورة، واغتصبوا النساء وحتى الأطفال الذين لم يتجاوزا الخمس سنوات، بحسب شهادات متعددة.

لا يزال مشهد ذبح شاب بوسني على الإنترنت بواسطة سكين ماثلا في ذاكرتي رغم مرور أكثر من 25 عاما على المشهد.

كانت أشبه بمؤامرة أممية وأوروبية للتخلص من دولة إسلامية، حتى وإن كانت علمانية، في أوروبا.

قوات الأمم المتحدة وفي مقدمتها القوات الهولندية، كانت تراقب واحدة من أقذر وأبشع المجازر في تاريخ أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية التي ارتكبها الصرب ضد المسلمين في مدينة سربرنيتسا الجبلية الواقعة شمال شرق البوسنة والهرسك.

تعرضت مدينة سربرنيتسا للإبادة الجماعية والاغتصاب المنظم لسكانها من الجنود الصرب وتحت حماية قوات الأمم المتحدة التي كانت تشارك بشكل غير مباشر في عمليات الإبادة دون أن تدافع عن المدنيين، وقامت بتسليم من فر من المدنيين إلى القوات الصربية ليقتل.

الأهداف الإستراتيجية التي أعلنها الصرب هي إقامة حدود تفصل الصرب عن المجموعات العرقية الأخرى في جمهوريات يوغسلافيا السابقة، وإلغاء الحدود على طول نهر درينا التي تفصل بين صرب البوسنة وصربيا.

وقد كان المسلمون "البشناق" عقبة أمام هذا المشروع العنصري. وفي الأيام الأولى من التهجير القسري التي تلت بداية الحرب عام 1992 قام الصرب بعمليات تطهير عنصري لسكان المدينة مخلفة 8,372 شهيدا من المسلمين معظمهم من الرجال والشيوخ والأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين 12 و77 عاما.

نفذت المذبحة وحدات من جيش جمهورية صرب البوسنة التي كانت تحت قيادة راتكو ملاديتش، بمشاركة وحدة العقارب شبه العسكرية الصربية.

وكانت الأمم المتحدة قد أعلنت منطقة سربرنيتسا المحاذية لنهر درينا منطقة آمنة تحت حماية القوات الأُممية.

وكانت البوسنة والهرسك قد أعلنت عام 1992 استقلالها عن جمهورية يوغوسلافيا الاتحادية الاشتراكية التي تفككت بعنف إلى صربيا، الجبل الأسود، البوسنة والهرسك، كرواتيا، مقدونيا، وسلوفينيا.

ونالت البوسنة والهرسك اعتراف الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في اليوم الذي تلاه. هذا الاعتراف الدولي لم يكن كافيا لوقف الصراع الناشئ في المنطقة، حيث بدأ صراع عنيف للسيطرة على الأراضي بين أكبر ثلاث مجموعات عرقية في البوسنة والهرسك: البشناق والكروات والصرب. في الجزء الشرقي من البوسنة، بالقرب من الحدود مع صربيا، كان القتال شرسا بشكل خاص بين البشناق والصرب.

وكانت وحدات الجيش اليوغوسلافي، التي انسحبت من كرواتيا وأطلق عليها اسم جيش صرب البوسنة، اقتطعت مساحة شاسعة من الأراضي التي يسيطر عليها الصرب في البوسنة.

تم طرد أكثر من مليون من البوسنيين والكروات من منازلهم فيما يسمى التطهير العرقي. بحلول الوقت الذي انتهت فيه الحرب عام 1995 بمقتل ما لا يقل عن 100 ألف شخص.

أما الجزار ملاديتش فقد كان يشغل منصب رئيس أركان جيش صرب البوسنة إبان الحرب، واعتبر إلى جانب الزعيم الصربي رادوفان كاراديتش الذي ألقي القبض عليه عام 2008 من رموز حملة التطهير العرقي ضد المسلمين إبان الحرب.

وبدأ مساعدو ملاديتش في تسليم أنفسهم للمحكمة بدءا من عام 2004، بعد تزايد الضغوط الدولية على جمهورية صربيا.

ويعتبر ملاديتش من أوائل المحرضين على حصار سراييفو وقاد هجمات الصرب عام 1995 على سربرنيتسا التي كانت تخضع لحماية الأمم المتحدة وارتكب واحدة من أسوأ الفظائع في أوروبا.

وعاد ملاديتش بعد انتهاء الحرب إلى بلغراد ليعيش تحت حماية الرئيس سلوبودان ميلوسيفيتش الذي تم اعتقاله وحكمت عليه المحكمة لاحقا بتهم ارتكاب جرائم حرب.

واختبأ ملاديتش وعاش في غموض في صربيا، محميا بالعائلة وعناصر من قوات الأمن. وتم تعقبه، واعتقل في منزل ابن عمه في منطقة ريفية شمالي صربيا عام 2011 بعد 16 عاما من الهروب.

في عام 2016، أدانت المحكمة زعيم صرب البوسنة السابق رادوفان كارادزيتش بالتخطيط لمذبحة سربرنيتسا، من بين جرائم أخرى.

وفي عام 2017، حكمت المحكمة الجنائية الدولية على راتكو ملاديتش بالسجن المؤبد، وأدانته بارتكاب جرائم حرب وجرائم إبادة جماعية خلال حرب البوسنة.

وفي حزيران الماضي رفضت المحكمة الجنائية الدولية الطعن المقدم من ملاديتش، وأيدت بشكل بات حكمها عليه بالسجن مدى الحياة، بشأن دوره في مذبحة سربرنيتسا.

وكان ملاديتش، المعروف باسم "جزار البوسنة"، أحد آخر المشتبه بهم الذين يواجهون المحاكمة في المحكمة الجنائية الدولية ليوغوسلافيا السابقة التابعة للأمم المتحدة.

تم تشديد عقوبته الأولية البالغة 40 عاما بتهمة الإبادة الجماعية وجرائم الحرب لاحقا إلى السجن مدى الحياة في عام 2019، وسيقضي ما تبقى منها في سجون بريطانيا.

ملاديتش كان مسؤولا مباشرا عن عملية سربرنيتسا واستخدم القوات التي كانت تحت إمرته لإعدام آلاف الرجال والفتيان واغتصاب النساء المسلمات.

ودفن الصرب ضحاياهم من البوسنيين في مقابر جماعية، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها أطلقت البوسنة أعمال البحث عن المفقودين وانتشال جثث القتلى من المقابر وتحديد هوياتهم.

ودأبت السلطات البوسنية في 11 تموز/ يوليو من كل عام على إعادة دفن مجموعة من الضحايا الذين توصلت إلى هوياتهم، في مقبرة "بوتوتشاري".

في عام 2013، اعتذر الرئيس الصربي توميسلاف نيكوليتش رسميا عن المذبحة، لكنه تفادى وصف الواقعة بالإبادة الجماعية.

وفي عام 2015، استخدمت روسيا حق النقض، للاعتراض على قرار للأمم المتحدة يعتبر مذبحة سربرينيتشا إبادة جماعية. بينما أكدت الحكومات الأوروبية والأمريكية أن المذبحة ترقى لمستوى الإبادة الجماعية. في نفس العام تبنى كل من البرلمان الأوروبي والكونغرس الأمريكي قرارات تؤكد من جديد وصف المذبحة بأنها إبادة جماعية.

لقد تعرضت البوسنة إلى حملة إنكار دولية وتزييف للحقائق حول ما جرى في هذا البلد المسلم في قلب أوروبا، وكان الغرب حين يتحدث عن هذه الجمهورية وكأنه يخوض الحروب الصليبية من جديد لكن هذه المرة على أرض أوروبا نفسها وليس على أرض الشرق العربي.

ومن الشهادات الموثقة ما نقل عن الرئيس الأمريكي آنذاك بيل كلينتون قوله إن الحلفاء الأوروبيين اعترضوا باستمرار على مقترحات تعديل أو إزالة حظر الأسلحة المفروض على البوسنة، لأن "البوسنة المستقلة ستكون غير طبيعية باعتبارها ستكون الدولة الإسلامية الوحيدة في أوروبا".

كما كتب بوريس جونسون، رئيس الوزراء البريطاني الحالي، الذي كان حينها صحفيا في صحيفة "ديلي تلغراف" عام 1997 قائلا: "إن مصير سربرنيتسا كان مروعا، لكنهم لم يكونوا ملائكة، هؤلاء المسلمين".

لقد كانوا مسلمين يتوقون إلى الحرية والتمسك بهويتهم الوطنية والدينية والثقافية، ذبحوا على حدود أوروبا وعلى مسمع ونظر العالم الذي تدخل متأخرا وألزم "البشناق" بتوقيع اتفاقية "دايتون" المجحفة التي لم تمنحهم استقلالا كاملا وأصبحوا جزءا من مجلس رئاسي يضم الكروات والصرب أيضا أعداء الأمس.

لا زالت سربرنيتسا حتى اليوم شاهدا على التمييز والعنصرية البغيضة التي يواجهها المسلمون في أوروبا والعالم.
1
التعليقات (1)
حظيرة العالم
السبت، 10-07-2021 11:59 م
مجزرة سربرنيتسا هي مؤامرة صهاينة الغرب ضد مجموعة من المسلمين في أوروبا أما محبس الامن فهو عبارة عن حظيرة ابقار يملكها الصهاينة