قضايا وآراء

حينما تصبح الانتخابات المزوّرة إنجازاً!

غازي دحمان
1300x600
1300x600
يتباهى وفد نظام الأسد في مؤتمر أستانا بأن أجندته الأساسية هي الحديث عن الانتخابات السورية بوصفها متغيراً مهماً من المفترض أن تتغير على أساسه المفاوضات الخاصة بالملف السوري، باعتبار أن بشار الأسد حصل على أكثر من 14 مليون صوت سوري، وهذا يعني استفتاء على نهجه وتأييدا لمقاربته في حل الأزمة السورية القائم على التدمير والتنكيل بالسوريين.

هذا المنطق قد يكون صحيح نسبياً بالنسبة لأنظمة سياسية تمارس اللعبة الديمقراطية على أصولها، وتحترم القوانين، وتلتزم الشفافية. وحتى في هذه الحالة، فإن ذلك لا يعفي النظام السياسي من التفاوض والبحث عن حلول وسطى، في حال ما إذا كان هناك نزاع سياسي، أو أزمة سياسية داخل البلد. أما أن يكون السياسي برتبة عصابة لا تحترم القوانين ولا تعترف بالديمقراطية، بل ذهبت منظمة "مراسلون بلا حدود" إلى وصف رئيس العصابة بأنه أحد أكبر مفترسي حرية الصحافة في العالم، فلذلك حتى التساؤل عن عقلانية هذا الطرح (اعتبار الانتخابات المزورة إنجازاً) أمر غير مجد.
حتى الذين ينظمون هذه المهرجانات المزيفة لا يعرفون أنها ليست ورقة يمكن إبرازها في وجه من يتساءل عن مدى شرعية الأنظمة، وغالباً ما تحاجج هذه الأنظمة بأن البدائل سيئة وأنهم موجودون بحكم الضرورة، وأن هذه الضرورة هي ما فرض عملية التزوير، لذلك لا أحد يسألن عن الشرعية والديمقراطية أو الانتخابات

منذ متى كانت الانتخابات في العالم العربي تملك أدنى مصداقية؟ حتى الذين ينظمون هذه المهرجانات المزيفة لا يعرفون أنها ليست ورقة يمكن إبرازها في وجه من يتساءل عن مدى شرعية الأنظمة، وغالباً ما تحاجج هذه الأنظمة بأن البدائل سيئة وأنهم موجودون بحكم الضرورة، وأن هذه الضرورة هي ما فرض عملية التزوير، لذلك لا أحد يسألن عن الشرعية والديمقراطية أو الانتخابات، فنحن لسنا في فرنسا ولا أمريكا.. الديمقراطية عندنا لو تم تطبيقها على أصولها ستعني وصول فئات وشخصيات وجهات خطرة، ليس علينا فقط، ولكن عليكم أنتم بالدرجة الأولى.

حصل ذلك في وضح النهار في الجزائر في بداية تسعينيات القرن الماضي، ثم تكرّر في فلسطين، ولا زالت آثاره قائمة في مصر. في هذه البلدان الثلاثة اضطرت الأنظمة السياسية تحت ضغط إما الحركات الشعبية أو اشتراطات الخارج، إلى الركون للانتخابات الحرّة، لكن ولأن النتائج لم تأت لصالح مراكز القوى في الأجهزة والدولة العميقة، سرعان ما جرى الانقلاب على النتائج، وأحياناً كثيرة بموافقة الدول الديمقراطية نفسها.

تلك لعبة صارت مفهومة ولم تعد بحاجة لشرح وتحليل، لكن أن تصل الأمور إلى حد المفاخرة بانتخابات مزورة في وضح النهار، واعتبارها معطى جديدا على أساسه يجب أن تتغير جميع المعادلات، بل أيضاً تتم إعادة كتابة رواية الأحداث على أساسها، وبالتالي مسح آلاف الجرائم بحق الإنسانية، من قتل بمختلف أنواع الأسلحة، إلى تغييب مئات الآلاف، إلى تهجير ملايين من البشر بما في ذلك عمليات تغيير ديمغرافي هائلة.. فذلك ما لا يصدقه عقل ولا يقبله منطق.

هل تعتقد الأنظمة العربية، ومن ضمنها نظام الأسد، أن دول العالم بأجهزة مخابراتها وصحافتها وخبرائها؛ من الممكن أن تنطلي عليها مثل هذه الأكاذيب؟ يمكن استخدام هذا الخطاب الكاذب لجماهير الداخل، من المؤيدين الذين يحتاجون إلى أي مبرر يجعلهم يصدقون أنهم بتأييدهم للنظام فعلوا الشيء الصحيح، وهؤلاء مستعدون لتصديق جميع الأكاذيب، حتى لو ساهموا هم بصناعتها، لحاجتهم الماسة لإرضاء ضمائرهم، وإلا فإنهم سيكرهون أنفسهم حين يكتشفوا سوأتهم أمام مرآة الحقيقة.

كذلك سيتظاهر المقهورون بأنهم مصدقون لهذا الخطاب، حيث لا خيارات لديهم ولا قدرة على المواجهة، وهم في الغالب إما منهزمون أمام جبروت وتسلط هذه الأنظمة وأجهزتها، وإما محسوبون على المهزومين. إذ اعتادت الأنظمة العربية على معاقبة بلوكات بشرية كاملة لمجرد خروج معترضين من مناطقها أو من ذات الطبقة أو الفئة.
يصبح حتى الكذب والتزوير إنجازاً، لكن حسناً، المؤكد أن العالم الخارجي لا يصدق هذه الأكاذيب، قد يمررها، لكن مقابل ذلك يجعل جميع قيم هذه البلدان منخفضة في تقييمه، بما فيها ثرواتها وكفاءاتها وحقوقها. فالاستبداد لا يجلب الاستعمار وحسب، ولكن أيضاً تدني القيمة لأبعد الحدود

الغريب أن هذه الانتخابات التي يتطلب من الآخرين الخضوع لنتائجها، والصمت عن توجيه أي نقد أو مطالبة بتغيير الأوضاع، تجري بدون برامج ولا مشاريع لتغيير الواقع، ولا حتى منافسين حقيقيين، حيث تختار السلطات المنافسين المفضلين، وتحدّد لهم المسموح والممنوع، وربما تعلمهم سلفاً بحجم الأصوات المقرّر الحصول عليها في هذه الانتخابات.

في بلاد تنعدم فيها الإنجازات على جميع الصعد، في بلاد تموت شعوبها من المجاعات والعطش، في بلاد تحلم شعوبها بالهجرة والخلاص من أوطان لم تذق بها إلا طعم العذاب.. يصبح حتى الكذب والتزوير إنجازاً، لكن حسناً، المؤكد أن العالم الخارجي لا يصدق هذه الأكاذيب، قد يمررها، لكن مقابل ذلك يجعل جميع قيم هذه البلدان منخفضة في تقييمه، بما فيها ثرواتها وكفاءاتها وحقوقها. فالاستبداد لا يجلب الاستعمار وحسب، ولكن أيضاً تدني القيمة لأبعد الحدود.

twitter.com/ghazidahman1
0
التعليقات (0)

خبر عاجل