بورتريه

رحيل ميشيل كيلو.. 50 عاما بمعارضة "سلالة الأسد" (بورتريه)

ميشيل كيلو بورتريه
ميشيل كيلو بورتريه

عرف كاتبا ومترجما ذا قلم رصين، حفر مكانته كمعارض في مرحلة مبكرة من حكم حزب "البعث" في دمشق. 

عضو سابق في المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوري، لطالما انتقد تشرذم المعارضة ورعاتها، بنفس درجة نقده للنظام منذ نحو 50 عاما. 

وكثيرا ما ردد سؤال والده: "كيف تستطيع أن تكون مجرد مسيحي فحسب في بيئة تاريخية أعطتك ثقافتك ولغتك وحضارتك وجزءا مهما من هويتك؟". 

ميشيل كيلو المولود في مدينة اللاذقية عام 1940 لأب مسيحي كان يعمل شرطيا، تلقى تعليمه في اللاذقية ودرس الصحافة في مصر وألمانيا، عمل بعد تخرجه عام 1966 في دائرة الترجمة بوزارة الثقافة في دمشق. 

وتعرض كيلو لتجربة الاعتقال أثناء حكم الرئيس السابق حافظ الأسد بين عامي 1980 و1983. وفي مداخلة له أمام "اتحاد الكتاب العرب" عام 1979 هاجم "الجبهة الوطنية التقدمية" التي شكلها "الأسد الأب" في خطوة لفرض الهيمنة السياسية الكاملة على البلاد، وإغلاق الباب أمام أي تيارات يمكن أن تشكل حضورا جماهيريا مستقلا عن "البعث". 

وبسبب معارضته محاكمة أعضاء جماعة "الإخوان المسلمين" في سوريا، التي نشطت في معارضة نظام الأسد الذي استخدم القوة المميتة عام 1982 بمدينة حماة للقضاء على "الجماعة"، قضى كيلو عامين في سجن "المزة" سيئ الصيت في دمشق، في أول تجربة له في السجون.

 

وبعد خروجه من المعتقل، غادر كيلو البلاد إلى فرنسا، لكنه ما لبث أن عاد إلى سوريا عام 1989، مواصلا دوره السياسي والفكري. 

ونشر بعض الترجمات والمقالات، ولم يستأنف نشاطه بوضوح حتى حلول "ربيع دمشق". وكان أحد المشاركين في صياغة "إعلان دمشق" عام 2005 الذي طالب بإصلاحات سياسية. 

واعتقل عام 2006 بتهمة "إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة، وإثارة النعرات المذهبية" على خلفية توقيعه على "إعلان بيروت – دمشق" الذي طالب بتطبيع العلاقات بين سوريا ولبنان. 

وأحيلت قضيته إلى المحكمة العسكرية التي حكمت عليه عام 2007 بالسجن لمدة ثلاثة أعوام، وأطلق سراحه عام 2009. 

ومنذ انطلاق الاحتجاجات في سوريا عام 2011، أيد وساند كيلو التظاهرات السلمية المطالبة بالحرية والديمقراطية، وعلى إثر التضييق عليه غادر سوريا إلى باريس. فقام النظام بالحجز على أمواله وممتلكاته داخل البلاد ثم قضت "محكمة الإرهاب" غيابيا بإعدامه لاحقا عام 2015. 

وانخرط كيلو في الحراك السياسي لـ"الثورة"، وكان عضوا بارزا في "الائتلاف الوطني" لقوى الثورة والمعارضة السورية، ومثل فيه التيار الليبرالي، قبل أن يغادره عام 2016 إثر خلافات. 

وانتقد كيلو تشرذم قوى المعارضة وداعميها، وقال إن انخراط قوى إقليمية ودولية في النزاع السوري أدى إلى "أننا أصبحنا رهينة الألعاب السياسية والدبلوماسية الدقيقة" للدول، التي بات كل منها يملك "ورقة سوريا"، بحسب قوله. 

وشغل ميشيل كيلو منصب رئيس مركز "حريات للدفاع عن حرية الرأي والتعبير" في سوريا، وكان ناشطا في لجان إحياء المجتمع المدني، ورئيس "اتحاد الديمقراطيين السوريين". 

ترجم قرابة الأربعين كتابا من الألمانية إلى العربية، منها: "الإمبريالية وإعادة الإنتاج" و"الدار الكبيرة"، و"لغة السياسة" و"الوعي الاجتماعي"، وأصدر في عام 2019 رواية "دير الجسور"، وصفها بأنها قصة طويلة. 

ومن مؤلفاته: "نظرية الدولة"، "الاستخبارات في الحرب العالمية الثانية"، "الديمقراطية الاشتراكية"، "برلين-كابول موسكو"، "من هيجل إلى نيتشه التفجر الثوري في فكر القرن التاسع عشر: ماركس وكيركجارد"، "من الأمة إلى الطائفة: سوريا في حكم البعث والعسكر". 

وأكد مرارا أن "الثورة (السورية) فقدت وحدتها، بعد أن قوضها نفوذ الإسلاميين الذين جاؤوا بأسلحتهم، واغتالوا ثورة الحرية لقيادة ثورة مضادة، كلنا خسرنا؛ نحن والنظام". 

وصارح السوريين بقوله: "كنا ساذجين، كان لا بد من إيجاد حل مع النظام، قبل أن يصبح الصراع السوري الداخلي مجرد جزء صغير من الحرب، وكان من الصعب قول ذلك في أوساط المعارضة، لأن الناس اعتقدوا أن الأمريكيين سيتدخلون". 

في رسالة أخيرة من على سرير المرض "إلى السوريين"، نشرت في 9 نيسان/ أبريل الجاري عبر "العربي الجديد"، قدم كيلو "نصائح صادرة من قلبي، وعن تجربتي، وعن أملي بمستقبل أفضل لكل السوريين" وتداولها سوريون باعتبارها "الوصية الأخيرة" له. 

وتابع: "لم تتمكن ثورتنا من تحقيق أهدافها، بسبب مشكلات داخلية، وارتهانات خارجية. وقد دفع شعبنا أثمانا باهظة طوال السنوات العشر الماضية". 

وأكد أنه: "لن تصبحوا شعبا واحدا ما دام نظام الأسد باقيا، وما دام يستطيع التلاعب بكم"، وطالب السوريين: "لا تترددوا في حثّ الخطى من أجل الخلاص منه نهائيا، ويأتي في مقدمة ذلك الوحدة، لعزل هذا النظام والتخلص منه نهائيا". 

ولم ينس القضية الفلسطينية، وأوصى السوريين بها كواحدة من "قضايانا الأساسية"، على اعتبار أن "كفاحنا مع شعب فلسطين جزء من كفاحنا ضد الاستبداد، وبالعكس".  

ودعا السوريين، في رسالته إلى "نبذ العقليات الضدية والثأرية"، والاتحاد على كلمة سواء ورؤية وطنية جامعة "كي تصبحوا شعبا واحدا". 

ورسالته كانت وصية مودع موقن بقرب رحيله فقد توفي في أحد مستشفيات باريس متأثرا بإصابته بفيروس كورونا عن عمر ناهز 81 عاما. وقال مقربون منه إن الوفاة ليست بسبب الإصابة، بل على خلفية مضاعفات بعد تلقيه الجرعة الأولى من اللقاح بمكان إقامته في فرنسا، منذ نحو ثلاثة أسابيع.  

رحل ميشيل كيلو وهو يرى أن الثورة بحاجة إلى ثورة مقابلة لإعادتها إلى مسارها، ورحل دون أن يرى رحيل "سلالة الأسد" التي لطالما عارضها منذ اليوم الأول لوصولها إلى الحكم وحتى الرمق الأخير. 

التعليقات (0)
الأكثر قراءة اليوم