أفكَار

المذاهب الإسلامية.. نشأتها وتداعيات اختلافها على الأمة (1من2)

قراءة في تاريخ نشأة المذاهب الإسلامية وأثرها على وحدة المسلمين- (الأناضول)
قراءة في تاريخ نشأة المذاهب الإسلامية وأثرها على وحدة المسلمين- (الأناضول)

في الوقت الذي يُنظر فيه إلى المذاهب الفقهية الأربعة، بوصفها تشكل مرجعية فقهية معتبرة عند أهل السنة، فإن الخلافات العقائدية بين اتجاهات الأمة المختلفة عادة ما تثير مساجلات ساخنة، ومجادلات صاخبة، تتمركز في جوهرها على ادّعاء كل اتجاه منها أنه المصيب للحق، والموافق للعقيدة الصحيحة، التي كان عليها الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه الكرام.

ومن اللافت أن منهجية البحث في المسائل الفقهية بين أتباع المذاهب الفقهية الأربعة وغيرها من المذاهب الفقهية، تتعاطى معها بوصفها خلافات سائغة تقع في دائرة اختلاف التنوع المقبول والمحمود، حيث تتم مناقشة الأدلة ووجوه الاستدلال بها، والنظر في مدى كفايتها لإثبات تلك الاجتهادات والآراء الفقهية، فتدور الاجتهادات بين الخطأ والصواب، لكن الجدل الدائر حول مسائل الاعتقاد غالبا ما يتعدى تلك الدائرة إلى تصنيفها ضمن الخلاف المذموم، وغالبا ما يرافقه نزوع كل اتجاه لإطلاق الأحكام على الاتجاهات المخالفة له تارة بالتكفير وتارة أخرى بالتضليل والابتداع.

ومن بين مذاهب فقهية عديدة، فإن المذاهب الفقهية الأربعة في أوساط أهل السنة هي الأكثر انتشارا وحضورا في العالم الإسلامي، وهي على التوالي المذهب الحنفي نسبة إلى الإمام أبو حنيفة النعمان بن ثابت (80- 150هـ)، وأكثر ما يتواجد في في الهند وباكستان وأفغانستان والبلقان والقوقاز وروسيا والصين وبلاد الشام ومصر، والمذهب المالكي نسبة إلى الإمام مالك بن أنس (93- 179هـ)، وينتشر بكثرة في بلاد المغرب العربي، والسودان وليبيا وموريتانيا ومصر وبلاد الشام واليمن، والمذهب الشافعي نسبة للإمام محمد بن إدريس الشافعي (150- 204هـ)، وينتشر بكثرة في بلاد الشام ومصر وماليزيا وإندونيسيا واليمن ومناطق من السعودية، والمذهب الحنبلي نسبة إلى الإمام أحمد بن حنبل (164- 241هـ)، وأبرز مناطق انتشاره في السعودية والكويت والإمارات واليمن وبلاد الشام ومصر. 

أما بخصوص الخلافات العقائدية فقد وقع الاختلاف في مسائل العقيدة بين الاتجاهات الإسلامية المختلفة منذ زمن مبكر في التاريخ الإسلامي، وهو ما أدّى إلى ظهور ما عُرف بالفرق والمذاهب العقائدية، وقد تتبع مؤرخو الفرق ومقالات الإسلاميين تلك الخلافات، وصنفوا مؤلفات تؤرخ لنشأة تلك الفرق والمذاهب، وتدون مقولاتها وآراءها العقائدية، ومن أشهر تلك المصنفات: ما كتبه كبير الأشاعرة ومؤسس مذهبهم، أبو الحسن الأشعري في كتابه (مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين)، وما كتبه عبد القاهر البغدادي في كتابه (الفرق بين الفرق)، وكتاب (الملل والنحل) لأبي الفتح الشهرستاني، وما كتبه أبو محمد علي بن حزم الظاهري في كتابه (الفصل في الملل والأهواء والنحل). 

وقوع الخلاف وبيان المحمود منه والمذموم

من المعروف أن الصحابة رضي الله عنهم اختلفوا في الفهم والرأي مع وجود الرسول عليه الصلاة والسلام بين ظهرانيهم، كما في الحديث المشهور، وهو في الصحيحين وغيرهما: "قَالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَومَ الأحْزَابِ: لا يُصَلِّيَنَّ أحَدٌ العَصْرَ إلَّا في بَنِي قُرَيْظَةَ. فأدْرَكَ بَعْضُهُمُ العَصْرَ في الطَّرِيقِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: لا نُصَلِّي حتَّى نَأْتِيَهَا، وقَالَ بَعْضُهُمْ: بَلْ نُصَلِّي، لَمْ يُرِدْ مِنَّا ذلكَ، فَذُكِرَ ذلكَ للنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَلَمْ يُعَنِّفْ واحِدًا منهمْ". فوفقا لهذا الحديث فإن الصحابة قد اختلفوا في فهم توجيه الرسول عليه الصلاة والسلام لهم، وفيه ـ كما استنبط منه العلماء ـ "إقرار النبي صلى الله عليه وسلم للخلاف فيما يُشرع فيه الاجتهاد، واحتمالية النص لهذا الخلاف". 

يشير الأكاديمي السعودي، المتخصص في العقيدة والمذاهب والفرق، الدكتور حمد بن عبد المحسن التويجري، إلى أن "الخلاف وتعدد وجهات النظر سنة من سنن الله في خلقه، وذلك أنه خلق عباده على تفاوت في الإدراك والفهوم، قال سبحانه: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ * إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ﴾ [هود: 118-119]، وقال جل وعز: ﴿وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ [يونس: 19].

 



وأوضح التويجري في بحثه المعنون بـ "المسائل العقدية التي تعددت فيها آراء أهل السنة والجماعة" أن الخلاف ليس مذموما بإطلاق، فمنه ما هو مذموم، ومنه ما ليس كذلك، ولهذا جرى بين أفضل هذه الأمة، وأبرها قلوبا، وأعمقها علما، وأقلها تكلفا، ممن تربوا على يدي المصطفى صلى الله عليه وسلم، وتحت رعايته، وتلقوا الوحي من فيه مباشرة غضا طريا". 

ووفقا للتويجري فـ"إنما يكون الخلاف مذموما إذا كان في أصول مجمع عليها لا تحتمل التأويل، أو في قطعيات معلومة من الدين بالضرورة ونحو ذلك؛ وكذا كل خلاف أدى إلى منازعة وفرقة، أو عداوة وبغضاء، أو حمل أحد المختلفين على جحد ما مع الآخر من الحق، أو حمل صاحبه على تكفير مخالفة أو تضليله أو تبديعه أو تضليله".

ويقسم العلماء الخلاف إلى نوعين: اختلاف تنوع واختلاف تضاد، ويشرحهما ابن تيمية بقوله "واختلاف التنوع على وجوه، منه: ما يكون كل واحد من القولين أو الفعلين حقا مشروعا، كما في القراءات التي اختلف فيها الصحابة، حتى زجرهم رسول الله صلى الله عليه سلم، وقال: "كلاكما محسن"، ومثله اختلاف الأنواع في صفة الأذان، والإقامة، والاستفتاح، والتشهدات، وصلاة الخوف، وتكبيرات العيد، وتكبيرات الجنازة إلى غير ذلك مما قد شرع جميعه، وإن كان قد يقال إن بعض أنواع أفضل".

أما اختلاف التضاد، فبحسب ابن تيمية، فهو "القولان المتنافيان، إما في الأصول أو في الفروع"، وأما الخلاف المذموم فيكون في عدة حالات أوضحها الباحث يوسف الشبيلي في كتابه (فقه الخلاف وأثره في القضاء على الإرهاب)، فذكر منها: "الاختلاف في مسائل العقيدة المتفق عليها عند أهل السنة والجماعة، فهذا اختلاف مذموم لأن العقيدة ثابتة بنصوص قطعية في الكتاب والسنة، وقد أجمع عليها الصحابة فلا يصح أن يكون فيها اختلاف بين المسلمين، والحالة الثانية: الاختلاف في الأدلة القطعية: والمقصود بها المسائل التي تكون قطعية الثبوت الدلالة، مثل وجوب الصلاة والصيام والزكاة، وقطع يد السارق، ورجم الزاني، ووجوب الحجاب وتحريم الخمر، ونحو ذلك، فالاختلاف في هذه المسائل غير سائغ لأنه لو قبل الخلاف فيها لما بقي شيء من مسائل الدين إلا وأصبح قابلا للأخذ والرد..". 

اختلاف المسلمين على الخلافة

امتنَّ القرآن الكريم على الصحابة من المهاجرين والأنصار بتأليف قلوبهم، وتوحيد صفوفهم، وظلوا مجتمعين متآلفين طوال العهد النبوي، وبعد وفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقع الخلاف بينهم حول من يخلفه عليه الصلاة والسلام كما حدث في سقيفة بني ساعدة، لكنه لم يفضِ إلى تفرق الأمة، واختلاف كلمتها، ثم كانت واقعة قتال المرتدين الذين امتنعوا عن إخراج الزكاة لأبي بكر الصديق، لكن الخلاف المفضي إلى تفرق الأمة وقع بعد مقتل الخليفة الثالث عثمان بن عفان، واستمر في عهد الخليفة الرابع علي بن أبي طالب، الذي جرت فيه المعارك الكبرى، كموقعة الجمل وصفين.

وتختلف آراء علماء المسلمين من مؤرخي العقائد في تحديد أسباب تلك الخلافات، ففي الوقت الذي يُرجعها مؤرخ العقائد، المتكلم الأشعري، أبو الفتح الشهرستاني إلى النزاع على السلطة والإمامة، وفق ما قاله في كتابه (الملل والنحل) من أن "أعظم خلاف بين الأمة خلاف الإمامة، إذ ما سُلَّ سيف في الإسلام على قاعدة دينية مثل ما سُلَّ على الإمامة في كل زمان" نجد ابن تيمية في كتابه "منهاج السنة النبوية" يرفض ذلك القول، ويصفه بأنه "من أعظم الغلط، فإنه ولله الحمد لم يسل سيف على خلافة أبي بكر ولا عمر ولا عثمان، ولا كان بين المسلمين في زمنهم نزاع في الإمامة فضلا عن السيف، ولا كان بينهم سيف مسلول على شيء من الدين..".

ويستبعد ابن تيمية أن يكون القتال الذي كان في زمن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في وقائع الجمل وصفين والنهروان كان على الإمامة، ويؤكد أن "الأمر الذي تنازع فيه الناس من أمر الإمامة كنزاع الرافضة والخوارج والمعتزلة وغيرهم، والذي لم يقاتل عليه أحد من الصحابة أصلا، ولا قال أحد منهم إن الإمام  المنصوص عليه هو علي، ولا قال إن الثلاثة (أبو بكر وعمر وعثمان) كانت إمامتهم باطلة، ولا قال أحد منهم إن عثمان وعليا وكل من والاهما كافر".

لكن الشيخ محمد أبو زهرة في معرض بيانه لأسباب اختلاف المسلمين ذكر من ضمنها "التنازع على الخلافة"، فقال "ومن الأسباب الجوهرية التي أحدثت الخلاف السياسي: تَعرف من الذي يكون أولى بخلافة النبي صلى الله عليه وسلم في حكم أمته، وقد انبعث ذلك النوع من الخلاف عقب وفاة النبي صلىالله عليه وسلم  مباشرة، فقد قال الأنصار: نحن آوينا ونصرنا فنحن أحق بالخلافة، وقال المهاجرون: نحن أسبق فنحن أحق، ولكن قوة إيمان الأنصار حسمت الخلاف، ولم يظهر له أي أثر، وقد اشتدت الخلافات بعد ذلك حول الخلافة، من يكون أحق بها"؟

 



ويتابع أبو زهرة في كتابه (تاريخ المذاهب الإسلامية) مبينا طبيعة الخلاف الذي وقع بين المسلمين على الخلافة ومن يكون أحق بها "أيكون من قريش..، أم يكون من أولاد علي خاصة، أم يكون من المسلمين أجمعين، لا فرق بين نبيل ونبيل، وبيت وبيت؟ فالجميع أمام الله سواء، والله يقول: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، والنبي يقول "لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى"، وهكذا انقسم المسلمون إلى (خوارج) و (شيعة) وجماعات أخرى".

ولعل من الأسئلة التي تُثار بقوة في هذا السياق: "لماذا اختلف المسلمون بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد تركهم على المحجة الواضحة ليلها كنهارها؟ وترك فيهم ما إن أخذوا به لن يضلوا أبدا، فقد ترك فيهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم؟ والجواب عنه وفق الشيخ أبو زهرة "أسباب الاختلاف كانت كثيرة، والاختلاف قسمان: اختلاف لم يفرق الأمة، ولم يجعل بأسها بينها شديدا، واختلاف فرق الأمة وأذهب وحدتها، وهو الخلاف في السياسة وشؤون الحكم".

خلافات المسلمين في العقائد

عادة ما يتم التفريق في هذا المقام بين تجويز الخلاف في المسائل الفقهية، وبين منع وقوعه في مسائل الاعتقاد، وهو ما اعترض عليه شيخ الإسلام تقي الدين بن تيمية، رافضا التفريق "بين نوع وتسميته مسائل الأصول (العقيدة) وبين نوع آخر وتسميته مسائل الفروع (الفقه)" واصفا ذلك التفريق بأنه "ليس له أصل لا عن الصحابة ولا عن التابعين لهم بإحسان، ولا أئمة الإسلام، وإنما هو مأخوذ عن المعتزلة وأمثالهم من أهل البدع، وعنهم تلقاه من ذكره من الفقهاء في كتبهم، وهو تفريق متناقض". 

يتابع ابن تيمية مناقشته لذلك التفريق في موسوعته (مجموع الفتاوى) متسائلا: "فإنه يقال لمن فرق بين النوعين: ما حد مسائل الأصول التي يكفر المخطئ فيها؟ وما الفاصل بينها وبين مسائل الفروع؟ فإن قال: مسائل الأصول هي مسائل الاعتقاد،  ومسائل الفروع وهي مسائل العمل، قيل له: فتنازع الناس في محمد صلى الله عليه وسلم هل رأى ربه أم لا (ليلة المعراج)؟ وفي أن عثمان أفضل من علي أم علي أفضل؟ وفي كثير من معاني القرآن وتصحيح بعض الأحاديث هي من المسائل الاعتقادية العلمية ولا كفر فيها بالاتفاق..".

 


 
وقد قرر الفقيه السعودي، الشيخ محمد صالح العثيمين، في (شرح العقيدة السفارينية) ما قاله ابن تيمية، حيث أوضح أن "من مسائل العقيدة ما اختلف فيه العلماء، وما كان مختلفا فيه بين أهل العلم فليس يقينيا، لأن اليقين لا يمكن نفيه أبدا، فمثلا اختلف العلماء في عذاب القبر: هل هو على البدن أو على الروح؟ واختلف العلماء في الذي يوزن: هل هي الأعمال أو صحائف الأعمال أو صاحب العمل؟ واختلف العلماء في الجنة التي أسكنها آدم هل هي جنة الخلد أو جنة في الأرض؟ واختلف العلماء في رؤية النبي صلى الله عليه وسلم ربه، هل رآه بعينه ـ يعني في الحياة ـ أو رآه بقلبه..؟

كما أشاد مفتي الديار المصرية السابق، الدكتور علي جمعة بما قاله وقرره ابن تيمية، ففي معرض إجابته عن سؤال: هل يجوز الخلاف في مسائل تنتمي لعلم العقائد، أم أن الخلاف الجائز مقصور على علم الفقه"، وبعد تأكيده على أن الخلاف يقع في علم العقيدة كما يقع في علم الفقه، نقل عن ابن تيمية ما يؤكد ذلك المعنى، "ورحم الله ابن تيمية حيث قرر هذا المعنى وجلاه، فيقول: "فمن كان من المؤمنين مجتهدا في طلب الحق وأخطا فإن الله يغفر له خطأه كائنا ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العملية، هذا الذي عليه أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وجماهير أئمة الإسلام، وما قسموا المسائل إلى مسائل أصول يكفر بإنكارها ومسائل فروع لا يكفر بإنكارها". 

نشأة المذاهب العقائدية

نبه الشيخ محمد أبو زهرة في معرض بحثه عن تشكل المذاهب الإسلامية إلى أن "الخلاف السياسي، أو المذاهب السياسية ابتدأت سياسية تنزع منزعا سياسيا، ولكن طبيعة السياسة الإسلامية ذات صلة بالدين وهو قوامها ولبها، ولذلك كانت المذاهب السياسية التي نشأت تحوم مبادئها حول الدين، فتقترب منه أحيانا، وتبتعد عنه أحيانا بتخريجات فيها انحرافات عن مبادئه، وأن المذاهب السياسية ذاتها في اتجاهاتها تعرضت لبحوث أخرى تتعلق بأصول الدين حول الإيمان والاعتقاد، فكان لها رأي قائم بذاته في الاعتقاد والإيمان".

وينقل مؤرخو الفرق والمذاهب الإسلامية عن الإمام عبد الله بن المبارك أنه حين سئل: على كم افترقت هذه الأمة؟ فقال: الأصل أربع فرق: هم الشيعة، والحرورية (الخوارج)، والقدرية، والمرجئة، فافترقت الشيعة على اثنتين وعشرين فرقة، وافترقت الحرورية على إحدى وعشرين فرقة، وافترقت القدرية على ست عشرة فرقة، وافترقت المرجئة على ثلاث عشرة فرقة..". 

ويشير الباحث مصطفى بن محمد مصطفى إلى أن "بعض العلماء ومؤلفي كتب المقالات حاولوا تسمية الفرق الثنتين والسبعين وتحديدها عدديا، وتوزيع ذلك على أصول الفرق الكبرى، وممن فعل ذلك الإمام عبد الله بن المبارك، ويوسف بن أسباط، وأبو حاتم الرازي، والملطي في التنبيه، والبغدادي في الفرق بين الفرق، وابن الجوزي في تلبيس إبليس، والشهرستاني في الملل والنحل..".

ويصف مصطفى ذلك الجهد في كتابه: (أصول وتاريخ الفرق الإسلامية) بأنه "اجتهاد من هؤلاء لا يسنده دليل، لا سيما وأن المسألة غيبية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم حينما أخبر لم يتجاوز ذلك العدد، وقد أطلق المكان والزمان، فيبقى احتمال خروج الفرق إلى قيام الساعة، وعلى هذا فلا يستطيع أحد أن يحدد الفرق على سبيل الجزم.. أما ما تتنازعه الفرق من أن كل واحدة تدعي أنها الناجية، فإنه محسوم برده إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم..". 

ولفت الدكتور محمد عمارة في كتابه (تيارات الفكر الإسلامي) إلى أن من بين القضايا التي عرض لها مؤرخو الفرق والمذاهب قضية "عدد" الفرق التي توزعت ملة الإسلام، والفترة الزمنية التي بدأ فيها تكون الفرق وظهورها.. فبينما يرى مؤرخو الفرق من الشيعة أن نشأة الفرق قد ارتبط بالخلاف على الإمامة يوم (السقيفة)، إذ تكونت (الشيعة) مع علي، وفرقة (الإمرة والسلطة) مع سعد بن عبادة من الأنصار، وفرقة مالت لأبي بكر، نجد مؤرخي الفرق وكتاب مقالاتها من المعتزلة والأشعرية والظاهرية، وأصحاب الحديث، والخوارج، أي كل من عدا الشيعة يؤرخون بظهور فرقة الخوارج على عهد علي لنشأة الفرق في الإسلام". 


التعليقات (0)