أفكَار

علمانيو فلسطين.. تنظيمات وأحزاب ونخب ومؤسسات مدنية (1من2)

لماذا اقتصر وجود العلمانية في فلسطين على النخب وظل تأثيرها محدودا؟ خبراء يجيبون (الأناضول)
لماذا اقتصر وجود العلمانية في فلسطين على النخب وظل تأثيرها محدودا؟ خبراء يجيبون (الأناضول)

على الرغم من كل الصعوبات والتحديات التي تكتنف طرح العلمانية وتبني أفكارها في أوساط الفلسطينين، على اختلاف تواجدهم الجغرافي، نظرا لطبيعة المجتمع الفلسطيني المحافظة، ووجود تيارات إسلامية فاعلة ومؤثرة، إلا أن تنظيمات فلسطينية، خاصة اليسارية منها، وبعض النخب الثقافية، والعديد من مؤسسات المجتمع المدني تبنت العلمانية كرؤية فكرية وسياسية تتمثل بفصل الديني عن السياسي، وعدم إقحامه فيه.

ووفقا لباحثين فإن "وثيقة إعلان الاستقلال الفلسطيني" الصادرة عن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته (19) المنعقدة في الجزائر 15 تشرين الثاني (نوفمبر) 1988 تضمنت كثيرا من مبادئ العلمانية المركزية حينما نصت على أن "دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية الثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق، وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني يقوم على أساس حرية الرأي".

كما نصت على "حرية تكوين الأحزاب، ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية، واحترام الأقلية قرارات الأغلبية، وعلى العدل الاجتماعي والمساواة وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين أو اللون بين المرأة والرجل، في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل على أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح، والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون". 
 
لكن ما ورد في بعض مواد الدستور الفلسطيني من النص على أن "الإسلام هو الدين الرسمي في فلسطين ولسائر الديانات السماوية احترامها وقدسيتها، ومبادئ الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي للتشريع" أثار حفيظة تيارات علمانية لأنه يمثل برأيها "انقلابا مدويا على التاريخ المتألق للحركة الوطنية الفلسطينية المعاصرة.. وأن النص على أن دين الدولة الفلسطينية هو الإسلام يمثل انسحابا من فكرة (الدولة الديمقراطية) والعلمانية أيضا، التي عرضتها حركة "فتح" في بيانها المشهور إلى الأمم المتحدة في تشرين الثاني/ نوفمبر 1968.. وفق الكاتبة الفلسطينية، سمر البرغوثي. 

في تشخصيه لوجود العلمانية في الأوساط الفلسطينية، قال الأكاديمي والإعلامي الفلسطيني، الدكتور سعيد عياد "العلمانية قائمة (نظريا)، وعلى نحو رئيس في البنية الفكرية والسياسية للفصائل اليسارية مع أن تأثيرها من حيث التمدد الجماهيري محدود وضعيف بالنظر لتراجع الرؤية السياسية لهذه الفصائل". 

 

 


وأضاف: "كما إن التيارات اليسارية لم تكن تهتم بما يكفي لنشر الفكر العلماني منذ تأسيسها خشية اصطدامها بالموروث القيمي والديني لدى مساحات واسعة من الناس، ولذلك بقي الفكر العلماني مقتصرا على الشعارات والخطابات، ولم يتحوّل إلى ممارسة حقيقية تنعكس في القوانين والسلوك العام". 

وتابع في تصريحاته لـ"عربي21": "ولعل ذلك يعود إلى التباس مفهوم العلمانية لدى كثير من المواطنين، ومن ثم مقاومة هذا الفكر من قبل التيارات المضادة ذات مرجعيات التأويل الديني" على حد قوله. 

وعن الأفكار والرؤى التي يسعى العلمانيون الفلسطينيون لنشرها، لفت عيّاد إلى أنهم "مهتمون ومعنيون بنشر الفكر التنويري والحر دون تصادم مع الأفكار الأخرى النقيضة انطلاقا من إيمانهم العميق بضرورة تعدد الآراء في إطار ديمقراطية حقيقية تفتح أفاقا وفضاءات تتسع لكل فكر أن يعبر عن جوهره ورؤيته بحرية". 

وحول مدى وجود أطر تنظيمية للتيارات العلمانية في الأوساط الفلسطينية، رأى عيّاد أنه "لا وجود لأطر منظمة للعلمانيين بالمعنى السياسي أو الحزبي، باسثتناء الموجود عند الفصائل اليسارية الفلسطينية، لكن ثمة أطر مهمة بالمضمون الاجتماعي من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تحاول تمكين البنية الفكرية للمجتمع من قطاعات كثيرة على الانفتاح على أفكار أخرى". 

وأردف: "لكنها تواجه صعوبات ذاتية وموضوعية ما يجعل تأثيرها حتى الآن ليس بالحجم المطلوب، وغير قادر على التغيير الجذري، لا سيما في الأنظمة والقوانين مع وجود تقدم ملحوظ في ذلك، لكنه بطيء، مع أن ثمة فاعلية مهمة لأكاديميين وكتاب في هذا المجال ينعكس ذلك في ابحاثهم وندواتهم الفكرية وإنتاجهم الإبداعي".

ووصف تلك الجهود بأنها "تُراكم تدريجيا إمكانية التغيير من الرؤية الآحادية للمجتمع إلى التعددية الفكرية والتي بدورها تقود المجتمع الفلسطيني إلى ولولج المستقبل على أساس الحق لكل مواطن في أن يمارس حقوقه السياسية والاجتماعية والاقتصادية وفق رؤيته التي يجب أن يحميها القانون، كما يتطلب بالضرورة تحديد مرجعيات قوانين المجتمع ومفهوم الدولة ومرجعيتها". 

من جهته لفت أستاذ القانون المشارك في جامعة الخليل، الدكتور معتز قفيشة إلى أن "الأفكار العلمانية أكثر ما تتواجد في أوساط التنظيمات الفلسطينية اليسارية، وهي لا تطرح أفكارها وشعاراتها بشكل مباشر، مع عدم وجود أطر تنظيمية ومؤسساتية تتبنى أطروحات ورؤى العلمانية وتدعو إليها بشكل مباشر".  

وأضاف: "وقد شهدت السنوات الأخيرة تراجعا كبيرا في حضور وتأثير التيارات العلمانية في الأوساط الفلسطينية، نظرا لوجود تيارات إسلامية فاعلة ومؤثرة، تتكيء في حملاتها الدعائية والتعبوية على إثارة العواطف الدينية، من خلال طرح الشعارات الدينية الجاذبة" وفق وصفه. 

 


 
ولاحظ قفيشة في حديثه لـ"عربي21" أن بعض التنظيمات اليسارية كالجبهة الشعبية والجبهة الديمقراطية باتت هي الأخرى تستخدم الشعارات الدينية في حملاتها الدعائية والانتخابية، لشعورهم أن التيارات الإسلامية المختلفة توظف الدين لاستقطاب الشارع والتأثير عليه عبر إثارة تلك الشعارات".
 
وعما ينقص التيارات العلمانية حتى تحقق حضورا أكبر في المجتمع الفلسطيني، أكدّ الأكاديمي قفيشة أنها "بحاجة إلى تجديد الخطاب السياسي، إضافة إلى ضرورة تقديم حلول عملية للمشاكل والهموم الحياتية التي يعيشها المواطن الفلسطيني". 

بدوره لفت الكاتب الفلسطيني، أيمن خالد إلى أنه "مع ظهور مصطلحات التحرير ومقامة الاستعمار وغيره، أصبحت فكرة النهضة ترتكز على المواجهة مع الغرب، وما بين تمدد الشيوعية وصولا إلى موتها كانت النخب الثقافية والحزبية منقسمة بحسب الألوان السياسية الموجودة".

وتابع: "ففي فلسطين انقسمت النخب بين شيوعية ترى العلمانية من المنظور الماركسي، وبين أخرى متنوعة تائهة بين القومية وغيرها، ولكن بالعموم بقيت الهوية الثقافية مضطربة تعكس عموم الاختلافات بين تلك الاتجاهات".

 



ونبه خالد في حواره مع "عربي21" على أننا "حين تناولنا للعلمانية فهي كمنظومة فكرية بحاجة إلى إطار مؤسساتي حتى تكتمل، وهذه غير متوفرة لأن العقل الحزبي يطغى على العقل المؤسساتي وهذا ما يُبقي فكرة العلمانية محل جدل حزبي وسياسي أكثر منها منظومة ثقافية يمكن أن تكون قاعدة علمية لمختلف المجالات". 

وشدد في حديثه عما ينقص علمانيي فلسطين على أن "ما ينقصهم هو ما ينقص عموم الشعب الفلسطيني الذي لا يزال كغيره من مجتمعات شرق المتوسط يخلط بين العادات والتقاليد البالية، وبين الثقافة والدين وعموم الحياة". 

وتشخصيا لطبيعة العقل الفلسطيني الحاكم للفكر والسياسة وصف خالد ذلك بالقول: "على الرغم من وجود أكبر نسبة متعلمين بين الفلسطينين في شعوب المنطقة قياسا بالنسبة والتناسب فإن العقل الفلسطيني لا يزال يحتفظ بكامل (مقتنيات) القبيلة من الفكر الهش المضطرب إلى عقدة الزعيم الحزبي الفرد الذي لا شبيه له، إلى الحزب السياسي الذي قد لا يجمع عشرين عضوا لكنه يرى نفسه أنه صاحب مشروع النهضة" حسب عبارته.

وأجمل فكرته بالتأكيد على "أن الفكرة العلمانية موجودة على لوح التلاميذ كعنوان كبير، لكن أغلب طلاب المدرسة يحترمون رأي شيخ القبيلة أكثر من احترامهم لأستاذ المدرسة.. فالأحزاب والفصائل والدوائر الثقافية أبقت الفكرة العلمانية أسيرة المناظرات فقط، وهذا أقصى ما نقدر عليه".


التعليقات (1)
محمد النابلسي
الأحد، 12-09-2021 01:10 ص
العتب على العلمانيين في فلسطين أنفسهم فهم مجتمع كسول لا يقدمون أي محتوى مؤثر نهائياً و ليس لهم أي نشاط تنويري و إن كان لهم أدنى نشاط فأين مؤسساتهم و أين هو هذا المحتوى أما ما يخص الدين ، فمن الأحمق الذي استطاع أن يقنع الشعب بأن الإسلام دين متجذر في فلسطين!!! الإسلام في فلسطين هو حديث الولادة و لم تشهده فلسطين إلا من ألف عام فقط و قبل ذلك لم تكن تعرف فلسطين أي شيء عن الإسلام نحن لو أردنا أن ننسب دينا بعينه لفلسطين فالمسيحية هي دينها و في فلسطين ولدت المسيحية و تجذرت عموما إن ما نعلمه علم اليقين هو أن جميع الأديان من صنع البشر و لا يثبت لعاقل منها شيئاً جربنا الدين طوال سنين و لم نرى أي فائدة ترجى من الإسلام نهائياً فيكفي إلى هنا و يكفي ما عدنا نحتمل