أفكَار

الاستخلاف في الأرض وتعميرها.. قراءة في المفهوم والدلالات

أبو يعرب المرزوقي: هكذا أفهم معنى الاستخلاف في الأرض كما جاء في القرآن  (عربي21)
أبو يعرب المرزوقي: هكذا أفهم معنى الاستخلاف في الأرض كما جاء في القرآن (عربي21)

ما أعرضه من تناظر بين ما يصل إليه التحليل الفلسفي للفعل السياسي من حيث هو سياسي أي من حيث هو قوامة جماعة الأحرار لذاتها ـ وذلك هو معنى كونها جماعة عادت على نفسها لتجعلها نظاما لكل وظائفها أي الدولة ـ وما يصل إليه التأويل القرآني لمعنى الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها يقبل الترجمة التالية مع فرق جوهري يتمثل في أن الإسلام لا يكتفي بالكلام عن جماعة معينة بل هو يعتبر ذلك شاملا الإنسانية ككل يمدنا بالنتيجة التالية:

1 ـ التناظر في تحقيق التمكين أي علاقتها بالمكان (جغرافيتها ومجالها الحيوي العضوي). 

2 ـ التناظر في تحقيق التزمين أي علاقتها بالزمان (تاريخها ومجالها الحيوي الروحي).

وهو ما يؤدي حتما إلى افتراض ـ إما دينيا أو فلسفيا ـ لما وراء يعلل حيازة الإنسان لشروط التمكين والتزمين في كيانه العضوي والروحي واتصاف كيان العالم المحيط به جغرافيا (تضمن الطبيعة لشروط بقاء الإنسان: ويسميه القرآن التسخير) وتاريخيا (تضمن التاريخ لشروط فعل الإنسان للاستفادة من تلك الشروط: ويسميه القرآن الفطرة).

وإذن فالتناظر الذي أثبته لا يعبر عن عقيدة ذاتية ـ دون أن أنكرها ـ بل عن بيان ما قال القرآن نفسه إنه عين ما يبين أنه حقيقة في فصلت 53. وبهذا المعنى يصح وصف القرآن بكونه استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأين: 

1 ـ الأول هو الأخوة البشرية كما عرفتها النساء 1 

2 ـ الثاني هو المساواة بين البشر كما عرفتها الحجرات 13.

ويتربت عن ذلك نفي التمييز العرقي والطبقي والجنسي والطائفي والاقتصار على المفاضلة بالتقوى ومن ثم فلا بد من القبول بالتعدد الديني أمرا واقعا وإرجاء الحسم فيه إلى يوم الدين رغم اعتقاد الإسلام بأن الدين واحد عند الله في الواجب وهو الإسلام لأن هذا التمييز يحقق شرطي حرية المعتقد والتعايش بين البشر:

كما يترتب عنه أن يكون هذا التناظر في القرآن كونيا أي في العالم كله فلا يقتصر مثل التجارب الدينية السابقة على جماعة دون جماعة ككل الأديان الطبيعية وكالدينين المنزلين المعلومين:

1 ـ مثل اليهودية الخاصة باليهود من حيث هم قبيلة فيكون الرسول يهوديا والرسالة خاصة بشعب الله المختار دون سواه لأن باقي البشر خدم لهم.

2 ـ أو مثل المسيحية التي هي من جنسها وحاول بولص توسيعها إلى كل من يقبل أن يصبح مسيحيا وبشرط أن يقبل بأن الرسل لا يكونون إلا من شعب الله المختار. 

كما أن الرؤية القرآنية للديني من حيث هو سياسة عالم الشهادة بمعايير عالم الغيب تبدو شديدة المفارقة لأن المعايير تؤخذ مما لا يقبل المعرفة والتقييم الإنسانيين بحيث يكون النموذج خارج ما يحيط به الإنسان علما وعملا وهو من مفارقات القرآن الذي يتكلم عن الغيب بما يبدو قياسا على عالم الشهادة مع حرز أن كل شيء فيه ليس كمثله شيء.

فيكون توهم ما يقوله القرآن عن الغيب وكأنه علم بالغيب في حين أنه علم بما يتصوره الإنسان من الغيب عندما يتوهم أن خطاب الله للإنسان بلسانه يعني كشفا لسر الغيب للإنسان. فلكأن الإنسان عندما يتوهم ذلك يتصور الله يخاطبه بلسان الله وليس بلسان الإنسان. فما في خطاب القرآن للإنسان هو نسب الله للإنسان كما يتصورها الإنسان وليست حقيقة نسبه إليه كما هي عند الله لأن هذه من الغيب.

 

الرؤية القرآنية للديني من حيث هو سياسة عالم الشهادة بمعايير عالم الغيب تبدو شديدة المفارقة لأن المعايير تؤخذ مما لا يقبل المعرفة والتقييم الإنسانيين بحيث يكون النموذج خارج ما يحيط به الإنسان علما وعملا وهو من مفارقات القرآن الذي يتكلم عن الغيب بما يبدو قياسا على عالم الشهادة مع حرز أن كل شيء فيه ليس كمثله شيء.

 



فمثلا أسماء الله ليست دالة على حقيقة الله في ذاته بل علة تصورات الإنسان لهذه الحقيقة كما هو بين من الإسراء. فهي تبيح للإنسان دعوة الله في توجهه إليه بأي من أسمائه التي هي تصوراته له وليست حقيقته لأنه ليس كمثله شيء.

فلا يكون أي اسم من أسمائه الحسنى له دلالة مطابقة لما نفهمه منها إذا قسناها على تصورنا لمعانيها "قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (110)". 

وهذا التمييز هو الذي يعلل الإرجاء في الحسم بين الأديان المتعددة من حيث إن تعددها أمر واقع شارط لأمرين:

1 ـ فلا يمكن أن يكون الاعتقاد حرا إذا لم يكن للإنسان من خيار لو كان الدين واحدا في الأمر الواقع وليس في الأمر الواجب دون الأمر الواقع.

2 ـ فيكون التعدد من ثم شرط الاختيار والسعي لتبين الرشد من الغي الذي اعتبره القرآن علة لعدم الإكراه في الدين ليس خيارا بل حتمية إذا كان القصد ما في الضمائر وليس ما في المظاهر التعبدية.

 

 

الرؤية القرآنية للديني من حيث هو سياسة عالم الشهادة بمعايير عالم الغيب تبدو شديدة المفارقة لأن المعايير تؤخذ مما لا يقبل المعرفة والتقييم الإنسانيين بحيث يكون النموذج خارج ما يحيط به الإنسان

 

 


لكن أهم ثمرات هذا التمييز هو منع الأخطار التي تنتج عن وهم الإحاطة المعرفية الذي يؤدي إلى التعصب في النظر بخلاف نفيها الذي يؤدي إلى أن المعرفة هي دائما اجتهادية وغير مطابقة لأنها ليست محيطة وعن وهم التمام العملي الذي يؤدي إلى التعصب في العمل بخلاف نفيه الذي يؤدي إلى أن العمل هو دائما جهادي وغير مطابق لأنه ليس تاما.

وتلك هي علة الإرجاء في الحكم على البشر بسبب انتساب السرائر إلى الغيب الذي لا يعلمه ولا يقيمه إلا الله وهو أساس كل تسامح واحتراز في الحكم على البشر أو لهم في المسألة العقدية. وبهذا المعنى فالسياسة القرآنية فوق الفروق الدينية والعرقية والطبقية والجنسية. 

ولا تعنى إلا بما يجعل التعايش بينهم جميعا ممكنا لأنه يتعلق بمجالين دون سواهما وكلاهما يهم السياسة الداخلية والخارجية للجماعة والداخلية تهم الحاجات المادية والروحية في الجماعة والخارجية تهمهما خارجها أي في علاقتها بغيرها من الجماعات ومع الكائنات الأخرى في الطبيعة:

1 ـ الأول هو قوامة شروط الرعاية أي التربية والاقتصاد. 

2 ـ الثاني هو قوامة شروط الحماية أي القضاء والأمن.

3 ـ والأول يحتاج إلى النظر والعقد وهو مجال البحث العلمي الذي يمكن من علاج مسائل العلاقة بشروط الرعاية أي بالتربية والاقتصاد.

4 ـ والثاني يحتاج إلى العمل والشرع وهو مجال البحث الاستعلامي الذي يمكن من علاج مسائل العلاقة بشروط الحماية قضاء وأمنا.

5 ـ وهذه المجالات الأربعة هي فروع المجال الموحد لها أي السياسة من حيث هي قوامة لها من حيث هي وظائف الجماعة ونظامها هو معنى الدولة الخاصة بجماعة معينة والشاملة للإنسانية. 

فالتي تشمل الإنسانية لا بد لها من رعاية ما يخص الجماعات المختلفة. والتي تقتصر على الجماعة لا يمكنها أن تتغافل عما حولها من الجماعات الأخرى. فالإشكال واحد: فما يتنافس عليه البشر في الداخل وما يتنافسون عليه في الخارج من طبيعة واحدة. وهو شروط التمكين وشروط التزمين للفرد والجماعة في جماعة معينة وللجماعة وبقية الجماعات في البشرية ككل.

وبذلك يتبين أن المعادلتين اللتين حللت أولاهما في الفصل الأول وثانيتهما في الفصل الثاني وحاولت التوحيد بينهما عندما حددت الفرق الظاهر بينهما برد المربع إلى المسدس والمسدس إلى المربع قاعدة لنفس الهرم الذي يحقق شروط القدرة على التمكين وعلى التزمين شرطي الاستعمار في الأرض والاستخلاف فيها. ولا أريد أن أعود إلى هذا الرد المتبادل بين الهرمين حتى لا أطيل الكلام في المسألة أكثر مما فعلت:

1 ـ هرم القدرة في تجهيز الإنسان للاستعمار والاستخلاف بقاعدته المربعة (الإرادة والرؤية والعلم والذوق) وقد استمددنا من تجهيز الإنسان العضوي والروحي أي قدرته التي تنتج عن إرادته ورؤيته وعلمه وذوقه وهي مقومات كيانه فرديا وجماعيا.

2 ـ وهرم القدرة في الأحياز الخارجية للاستعمار والاستخلاف بقاعدته المسدسة كما استخرناها من هود أي مقومي الحياة الطبيعيين وقد رددناهما إلى وجهين من نفس الحقيقة أي المقوم الطبيعي للإنسان (الماء والجنس) ومقوميها التاريخيين وقدر رددناهما إلى وجهين من نفس الحقيقة أي المقوم التاريخي (الثروة والتراث) وبذلك أصبحت القاعدة مربعة وهي الجغرافيا والتاريخ والمقوم الطبيعي والمقوم التاريخي المستمد منهما لقيام الإنسان. 

والقمة في هذه الحالة هي القدرة التي ينسبها الإنسان ليس إلى ذاته ولا إلى العالم بل إلى ما وراء العالم وذاته أي للأحياز التي توجد خارجه (الجغرافيا والتاريخ وأثر الطبيعة في كيانه ماء وجنسا مصدري الحياة وما يتسمده منها واقتصادا وعدلا اجتماعيا في كيانه الفردي والجماعي في المعادلة الثانية مصدري العيش المشترك لقيام الأحياز الذاتية له في المعادلة الأولى. وهكذا فقد حددنا موضوع الفعل السياسي ومجاله: 

1 ـ فالمجال الأول يمكن اعتباره مجال الرعاية وهو التربية بمستوييها للتكوين وبمستوييها للتموين ويوحد بين هذه العناصر الأربعة أصلها جميعا هو البحث العلمي الأساسي وتطبيقاته التقنية والخلقية أو المعرفة في النظر والعقد والقيمة في العمل والشرع أصلا لقدرة الإنسان على علاج علاقته بالطبيعة وعلاقته بالتاريخ أي علاج قضية التمكين شرطا لعلاج قضية التزمين.

2 ـ والمجال الثاني يمكن اعتباره مجال الحماية وهو الحكم بمستوييه للحماية الداخلية وبمستوييه للحماية الخارجية ويوحد بين العناصر الأربعة أصلها جميعا الاستعلام السياسي وتطبيقاته التقنية والخلقية أو المعرفة في النظر والعقد والقيمة في العمل والشرع أصلا لقدرة الإنسان على علاج علاقته بالطبيعة وعلاقته بالتاريخ أي علاج التزمين بحال الجماعة داخليا وخارجيا لعلاج قضية التزمين شرطا لعلاج قضية التمكين.

وبين أن المجال الثاني فرع عن المجال الأول من حيث الأدوات لكن المجال الثاني أصل للمجال الأول من حيث الغايات. ومعنى ذلك أن الحماية التي هي أداة في الظاهر هي الغاية في الحقيقة لأن التزمين غاية التمكين ذلك أن الاستعمار في الدنيا أداة والاستخلاف غاية. والاستخلاف هو الذي يحقق التزمين والاستعمار هو الذي يحقق التمكين. ولن أطيل في شرح هذه العلاقة المعقدة: 

1 ـ فالرعاية بالأبعاد الخمسة التي ذكرتها هي التي تربي الأجيال لتكون قادرة على الاستعمار في الأرض  ـ تعميرها ـ لإنتاج شروط التموين خلال التكوين وشرط ذلك كله هو البحث العلمي وتطبيقاته في النظر والعقد لعلاج العلاقة بين الإنسان والطبيعة وفي العمل والشرع لعلاج العلاقة بين الإنسان والتاريخ.

2 ـ والحماية بالأبعاد الخمسة التي ذكرتها هي التي تحمي الفرد والجماعة لتكون قادرة على الاستخلاف ـ تحقيق القيم التي تمكن من الاستمرار وعدم الوقوع في ما يحول دون البقاء ويفسد شروط التمكين ـ لمنع شروط التموين من التحول خلال التكوين من التحول إلى حرب أهلية بسبب التنافس عليها وغياب العدل في التعاوض المشروع في التعاون والتبادل. وهذا لا يكون من دون الاستعلام والإعلام حول حال الجماعة الداخلية والخارجية.

وبهذا المعنى فإن وجود الدولة التي تحقق هذه الحماية لجعل تلك الرعاية ممكنة أصبحت كما بين ابن خلدون غاية وجود الجماعة لأنها شرط بقائها. فإذا انفرط عقد الدولة بالكلية أي إذا فقدت أمة من الأمم حكم نفسها الذي تتوالى عليه قواها السياسية أو عصبياتها بلغة ابن خلدون فإنها قد تنقرض.

لذلك فالدولة عنده لها معنيان الأول هو الذي ذكر أعماره واعتبرها لا تتجاوز ثلاثة أجيال في الأربعين سنة بحيث إن عمرها الأقصى هو 120 سنة وإن بقيت بعد ذلك فهي تصبح جزءا من دولة أخرى سواء كانت من نفس الأمة أو من الأمة التي غلبتها وسيطرت عليها.

 

إن وجود الدولة التي تحقق هذه الحماية لجعل تلك الرعاية ممكنة أصبحت كما بين ابن خلدون غاية وجود الجماعة لأنها شرط بقائها. فإذا انفرط عقد الدولة بالكلية أي إذا فقدت أمة من الأمم حكم نفسها الذي تتوالى عليه قواها السياسية أو عصبياتها بلغة ابن خلدون فإنها قد تنقرض.

 



وذلك هو المعنى الثاني للدولة التي تتوالى عليها العصبيات في نفس الأمة داخليا أو الدولة التي تتوالى على التمكين والتزمين من خارجها فيجتمع النوعان في دولة أشمل من ذلك مثلا الخلافة العباسية دامت أكثر من ستة قرون ولكن بتوالي العصبيات من نفس الأمة. ويمكن اعتبار عدد الدول بهذا المعنى متناقصا إلى الحد الذي قد يجعل الإنسانية كلها من هذا الجنس جامعة بين الدولة بالمعنى الأول والدولة بالمعنى الثاني:

 1 ـ ولما كان البقاء هو الغاية وكانت الغاية كما سماها ابن خلدون هي البعد الثاني من علمه أي الاجتماع الإنساني فإن العمران البشري الذي وضع بعدا أولا ليس أولا إلا بوصفه أداة للبقاء. 

2 ـ وكانت هذه الغاية هي الاجتماع الإنساني الذي يتعلق بالمقوم الروحي ـ الأنس بالعشير ـ من وجود الإنسان أو الاستخلاف والعمران البشري أداة لأنه يتعلق بالمقوم العضوي من وجود الإنسان أو الاستعمار في الأرض.

وختاما لهذا الفصل وللمحاولة كلها يمكن القول إن ثورة ابن خلدون تمثلت في إصلاح التحريف الذي أصاب علوم الملة:

فهي قد تركت فصلت 53 التي تطلب معرفة تبين حقيقة القرآن في آيات الله في الآفاق وفي الأنفس أي في الطبيعة والتاريخ حول الإنسان (آفاقه) وفي كيانه العضوي والروحي في الإنسان (الأنفس) لمعرفة ما يذكر به القرآن من شروط الاستعمار في الأرض بقيم الاستخلاف استراتيجية كونية لتوحيد البشرية.

واستعاضت عنها بالانشغال بآل عمران 7 التي نهى القرآن فيها عن تأويل المتشابه فأصبحت علوم الأمة وأعمالها كلها محكومة بزيغ القلوب وابتغاء الفتن ومن ثم فكل علوم الملة وأصلها التفسير لم يكن لها أدنى تأثير منتسب إلى مفهوم السياسة الفاعلة لأنها اقتصرت على السياسة المنفعلة بالطبيعة وبالتاريخ:

1 ـ لأنها أسست للحرب الأهلية في النظر والعقد صراعا دائما بين الكلام والفلسفة حول تأويل المتشابه النظري في الطبائع والعقائد بوهم علم الغيب الذي يفيده وهم المطابقة المعرفية في النظر ما جعله يتحول إلى ثرثرة لا أثر لها في الرعاية بالتمكين والتعمير.

2 ـ ولأنها أسست الحرب الأهلية في العمل والشرع صراعا دائما بين الفقه والتصوف حول تأويل المتشابه العملي في الأخلاق والشرائع بوهم تمام العمل الذي يفيده وهم المطابقة القيمية في العمل ما جعله يتحول إلى قتال دائم في الحماية بالتزمين والاستخلاف.

ولسوء الحظ ما نزال إلى يومنا هذا نعاني من نفس الأدواء: أي من الحربين الأهليتين بعد أن انفرط عقد الجغرافيا والتاريخ الإسلاميين وثمرتيهما في الثروة وفي التراث ولم يبق صامدا إلا القرآن الكريم والسنة الشريفة التي هي محاولة في تطبيقه بالمعنى الذي حاولت وصفه أي بمعنى التمكين والتزمين. 

وهو مدار المعركة الكونية الحالية بين الإسلام والعولمة التي سلبت الإنسان بعده الذي يستمده من الاستخلاف والذي بفقدانه يصبح ما يسمونه تعميرا تدميرا. ولا ينبغي للأمة أن تكون علاقتها الحالية بالحضارة الغربية مثل علاقتها بالحضارات التي سبقتها أي الاكتفاء بمحاكاتها في الممارسة التمكينية والتزمينية بوهم رد الإسلام على الشعائر والعبادات دون ثمراتها فيهما. والعلة مضاعفة وقد تتكرر إذا لم نفهم هذه الضرورة:

1 ـ فعلوم الملة الخمسة أي التفسير والعلمان النظريان (الكلام والفلسفة) والعلمان العمليان (الفقه والتصوف) صارت كلها من جنس ربا الأقوال التي لا تقول شيئا ذا فعلية في التمكين وفي التزمين بالمعنيين اللذين حددهما القرآن.

2 ـ وأعمال الملة أي العملان المطبقان للمعرفة والعملان المطبقان للقيم اقتصرت على مواصلة تقاليد ما كان موجودا في الحضارات التي سبقت ولم تختلف عنها إلا بالشكليات التعبدية التي لم تعد موصولة بثمراتها في التعمير وفي الاستخلاف.

وقد آن الأوان للاستئناف وهو ما يقتضي تجاوز هذا الخلل والعودة إلى استراتيجية الرسالة في تحقيق شروط التمكين والتزمين بسياسة الفعل التي ستخلصنا من سياسة رد الفعل في الوظائف التي وصفت في هذه المحاولة ما تقدم عليها من منطلق الاستراتيجية القرآنية في التعمير والاستخلاف الكونيين.

 

إقرأ أيضا: لماذا تراجع العرب والمسلمون؟ أبو يعرب المرزوقي يجيب

 

إقرأ أيضا: استراتيجية توحيد الإنسانية بمبدأي الأخوة والمساواة في القرآن




التعليقات (0)

خبر عاجل