أفكَار

المغرب.. "العدل والإحسان" أزمة نسق وأزمة خيار (1من2)

هل تعيش جماعة العدل والإحسان المغربية أزمة تنظيمية وفكرية؟ (الأناضول)
هل تعيش جماعة العدل والإحسان المغربية أزمة تنظيمية وفكرية؟ (الأناضول)

تابعت المقال الذي كتبه الأخ الفاضل فؤاد هراجة نقدا لما كتبته عن جماعة العدل والإحسان وأزمة مشروعها التغييري، وحاولت بقدر من التروي أن أحدد مناطق الخلاف بيني وبينه، أو مواطن سوء الفهم الذي حصل من جهته عند قراءته لمقالي، وأن أنأى بنفسي عن أي نقاش ثنائي، يستحضر الذات أو التنظيم أو أحكام القيمة، لأن القصد أولا وآخرا، متجه إلى تنوير القارئ، وإشراكه في الأفكار، وخوض معركة الحجج.

ولأن الطلب كان على تحديد نوع المقال، وتحديد المنهج الدارس، وهل هو أكاديمي أو إعلامي، وإذا كان أكاديميا، فمن أي حقل معرفي يُدْرَس؟ العلوم الاجتماعية وفي مقدمتها علم السياسة، أم غيرها؟ وبأي منهج يقارب؟

بدءا نؤكد أن علم السياسة، ليس وحده المختص بدراسة التنظيمات السياسية، وإن كان لا يعرف علم غيره يدرس السلوك السياسي. فالتنظيمات السياسية، لا سيما منها الإسلامية الحركية، لا تدرس فقط من زاوية سلوكها السياسي، فهي تحمل خطا نظريا، يؤسس من داخل حقول معرفية مختلفة: مقاصدية وفقهية وتاريخية... وهذا الجانب، لا يدرس قطعا من مدخل علم السياسة، إلا إن كان المنهج المقارب وصفيا وثائقيا، يستعرض المواقف كما هي مقررة في الكتب، وإلا فثمة مناهج أخرى، هي الأقدر على تفكيك الخط النظري، ولعل أنسبها، المفاهيم الإجرائية التي يوفرها حقل الإيبستمولوجيا، وأيضا المناهج المعنية بتحليل الخطاب وغيرها.

ثانيا، ليس هناك في نظري شيء اسمه كتابة إعلامية، بالمعنى الذي يتم تداوله، أي الكتابة التي لا تتقيد بضابط من منهج، فلا فرق بين البحث الأكاديمي الذي ينشر في مظانه، وبين المقال الذي يكتب في موقع أو صحيفة سائرة، من جهة الحاجة للاستدلال والحجة، سوى أن الأول، يذكر الحجة ويوثقها وفقا للتقاليد الأكاديمية المرعية، والثاني، يذكر الحجة بتحرر من هذه التقاليد، تناسبا مع الوسيلة الإعلامية التي تتطلب قدرا من السلاسة واليسر وتجنب التطويل.

بناء على ذلك، فالتفاعل مع المقال، ينبغي أن ينصرف إلى دحض الحجة بما يخالفها، أو بيان عدم صحتها بالدليل، دون التمحل في طلب متعلقات تدخل ضمن صميم البحث الأكاديمي.

وإلا، فإن الرد يحتاج هو الآخر، إلى أن يسلك الحجة التي حاول بها نسف مناظره، أي أن يأتي الجواب على نسق البحث الأكاديمي، وهو ما لم يحصل بالمطلق، بل حصل أسوأ مما لاحظه المختلف مع مناظره، وذلك حين تم التداعي إلى استحضار انتماء المؤلف، واستعمال أحكام قيمة تنسب المؤلف للهواية الفكرية، وتتهمه بممارسة التضليل والتدليس، على شاكلة المنهج السلفي الشكلاني في النقد، والتحول من كاتب رشح نفسه لمهمة النقد الموضوعي، إلى كاتب مناضل منتصر للتنظيم، لا يضع المسافة بينه وبين الموضوع. 

 

أقصى ما ركز عليه المقال هو محورية الشيخ في النسق الفكري الياسيني، وهو شيء لا يمكن المجادلة فيه، ولا الادعاء بحصول مراجعة في فكر ياسين بخصوصه. فمنذ كتابه: "الإسلام بين الدعوة والدولة" إلى آخر كتاباته، و"الشيخ" يحظى بمركزية كبيرة عند الشيخ ياسين.

 



وحتى يكون الكاتب وفيا مع قرائه، فإن ما كتبه عن جماعة العدل والإحسان، هو جزء من خلاصات بحث مستقل، اتخذ منهجية دراسة الحالة، التي تعنى بتجميع كل المعطيات الضرورية حول سلوك جماعة العدل والإحسان، سواء منها الصادرة عن الجماعة، أو عن غيرها من الفاعلين الذين يتقاسمون معها البيئة السياسية، وأن البحث أيضا، استند إلى حقل الإيبستمولوجيا في بعده التكويني (بياجيه) والقطائعي (باشلار)، في دراسة تطور فكر هذه الجماعة، ورصد مواقع الاستيعاب والتجاوز في مسارها الفكري والسياسي.

وحتى أزيل الالتباس في هذه النقطة المعنية بتحديد العلاقة بين الموضوعية وبين الانتماء الحزبي، يلزم ألا نقيم تطابقا تماما بين الذاتية وبين الانتماء الحزبي، بالشكل الذي تصبح كتابات أي منتمٍ، تعبيرا عن الخلفية التي يحتمها التزامه الحزبي، ويصير الانتماء بذلك، الحجة الجاهزة لسلب الموضوعية عن أي كاتب ملتزم سياسيا، فما يوضح الموضوعية من عدمها هو درجة استقلالية فكر الكاتب، ودرجة ممارسته للنقد، حتى على فكر حزبه، وهل وجوده في التنظيم هو وجود فكري نضالي، مهمته تبرير فكر التنظيم ومواقفه، أم وجود فكري نقدي ترشيدي، لا يتماهى مع أطاريح السياسيين، الذين يجعلون المثقفين والمفكرين أدوات لخدمة مشاريعهم ومواقعهم السياسية.

فإذا انتهينا من هذه المقدمة الضرورية، فإننا نلخص الرد على أخينا الفاضل في أربعة مستويات أساسية:

1 ـ مستوى حصل فيه سوء الفهم لأفكاري، إن لم نقل إنه حصل تحريف لها بالقطع.

2 ـ مستوى يهم تحديد مفهوم الأزمة.

3 ـ مستوى يهم تحديد مفهوم أزمة النموذج أو البراديغم عند العدل والإحسان.

4 ـ ومستوى ثالث يهم تحديد مفهوم أزمة الخيارات السياسية.

في تبديد سوء الفهم.. الشيخ والمريد والديمقراطية الداخلية عند العدل والإحسان

ومما كان مستغربا في السلوك النقدي للكاتب، أو ربما من تسرعه في فهم مقصود بعض العبارات، أنه نسب إلى الكاتب، القول بأن الجماعة تعتمد ثنائية الشيخ والمريد، في حين، أن هذه الثنائية التي درسها الباحث الأنثروبولوجي عبد الله حمودي، لم ترد بالمطلق في المقال، وأن أقصى ما ركز عليه المقال هو محورية الشيخ في النسق الفكري الياسيني، وهو شيء لا يمكن المجادلة فيه، ولا الادعاء بحصول مراجعة في فكر ياسين بخصوصه. فمنذ كتابه: "الإسلام بين الدعوة والدولة" إلى آخر كتاباته، و"الشيخ" يحظى بمركزية كبيرة عند الشيخ ياسين. 

فمنذ مراحله الأولى، وهو يرى أن نهوض الأمة، لا يتحقق إلا بثنائية الدعوة الصادقة، مجسدة في الشخص المجدد الصادق المؤيد بالغيب وارث النبوة (القيادة الروحية ممثلة في الشيخ الصوفي)، والقيادة الجهادية ممثلة في السلطان المخلص المجاهد، وأن تاريخ العلاقة بين رجال الدعوة ورجال الدولة سمح بالحديث عن انبثاق هذه الصيغة، وأن جهود التقاء الإرادتين الإحسانية والجهادية، إن لم تنجح في بعض محطات التاريخ الإسلامي، فقد نجحت في محطات أخرى، وأعطت نماذج من الأئمة المجاهدين.

وقد انتقد في كتابه "الإسلام غدا" على مؤسسي الحركات الإسلامية السابقة، ضعف محورية الشيخ في خطاباتهم الفكرية والنظرية، فانتقد ذلك على الإمام حسن البنا نفسه، وعلى الأستاذ أبي الأعلى المودودي. وانتقد على الأستاذ سيد قطب، افتقاد بنائه النظري القطبي للقاعدة المحركة (القيادة الروحية)، التي تمثل الشرارة المحركة لرسالة الإسلام التحريرية، وركز في انتقاده على المودودي افتقاده للروحانية وغياب التربية الصوفية، ففسر ما آلت إليه تجربته وجماعته من هذه الزاوية، واستند إلى كتاب الشيخ أبي الحسين الندوي: "ربانية لا رهبانية" واعتبره حجة في صوابية فكرية محورية الشيخ في التربية الإحسانية والجهادية.

وجادل التوجهات السلفية والتيمية (نسبة إلى ابن تيمية) والجوزية (نسبة لابن الجوزي) بشكل قوي على محورية الشيخ في كتابه "الإحسان"، وحاول التنقيب في تراث الأئمة (ابن تيمية، ابن القيم، السبكي، الغزالي....) على كل مستند يحاول به دعم فكرة المشيخة في التربية الإحسانية والجهادية.

لا نريد أن نمضي أكثر في الاحتجاج على محورية الشيخ في البناء الفكري الياسيني، فهذا مما يتواطأ عليه الجميع، بل هذا ما شكل مربط الفرس في الخلاف بين التنظيمات الإسلامية بالمغرب عند تداعيها المبكر للحوار من أجل توحيد صفوفها، كما تبين ذلك رواية الريسوني كما حكاها في: "ذاكرة الحركة الإسلامية المغربية"، ولا أظن الكاتب يجادل في ذلك، ولعل توصيفاته للشيخ عبد السلام ياسين بالإمام المجدد ـ وهو توصيف الجماعة له ـ يندرج ضمن هذا الإطار، أي إطار محورية الشيخ في البراديغم الحركي لجماعة العدل والإحسان.

على أن الإقرار بمركزية المشيخة، لا يعني ضرورة، أن الذي يحكم الجماعة هو منطق الشيخ والمريد، فهذه الصيغة تبقى مرتبطة بنموذج الشيخ، وهل تتضمن خطاباته قدرا من الانفتاح على آراء أعضاء الجماعة وهيئاتها، أم هي محكومة بالانغلاق، أم هي ذات طبيعة تركيبية تجمع ما بين الصلاحيات الحصرية في مجالات، والصلاحيات المتروكة للتنظيم في مجالات أخرى، على شاكلة ما هو مفصل في قسم التنظيم في المنهاج النبوي، فهذا التنظيم، وإن كان قد خضع لتحيينات كثيرة، إلا أن خطاطته الأولية المنشورة في المنهاج النبوي، تبين الصلاحيات الحصرية الواسعة التي أنيطت بشخص المرشد العام.

ثاني نقاط سوء الفهم، هو ادعاء صاحب المقال النقدي، أن الكاتب ينفي وجود ديمقراطية داخلية لدى الجماعة، تنتخب المسؤولين عن الهيئات، وهو أمر لم يرد بالمطلق في المقال، إذ تناول الكاتب مشكلة خلافة الشيخ ياسين، فذكر رأي البعض ممن يعتقد أن هذه المشكلة داخل العدل والإحسان يمكن تدبيرها بالآلية الديمقراطية، مبينا أن هذه المشكلة في النسق الفكري لجماعة العدل والإحسان، لا تحلها الآلية الديمقراطية فقط، "فالأمر في البراديغم الحركي الذي تتبناه العدل والإحسان، لا يتعلق بمجرد قيادة تنظيمية أو قيادة تمتلك الحس الحركي والسياسي، أو قيادة تملك القدرة على تجميع الصف والمضي برأي جماعي شوري، وإنما يتعلق الأمر ببراديغم حركي وروحي، يجعل للقيادة دورا روحيا وحركيا وسياسيا وتنظيميا وجهاديا، فالقيادة ـ حسب خط الشيخ ياسين ـ تشترط الصحبة والجماعة". 

فهذا القول، لا يعني بإطلاق ما انتهى إليه فهم صاحب المقال من كون الكاتب نفى وجود آلية ديمقراطية يحتكم إليها التنظيم لحل مشكلة التداول القيادي، وإنما تعني، أن الأمر أولا يفترض البحث عن قيادة بالمواصفات الروحية، أي المواصفات التي يصح معها الصحبة والجماعة، قبل الاحتكام إلى الآلية الديمقراطية، ما دامت كتابات الشيخ ياسين، حسمت في استحالة صحبة الميت، وأن شرط الشيخ لا يمكن تجاوزه في التربية الإحسانية والجهادية، أي تربية جند الله التربية الإيمانية، وتأهليه تنظيميا وحركيا للزحف.

فإذا حصل الجدل على هذا المستوى، أي تم الدفع بأن الجماعة لا تشترط هذه المواصفات في قيادتها، فإنه، يدل على مراجعة عميقة في خط الجماعة، لم تتواصل الجماعة بشأنها مع الرأي العام، وإلا فلا معنى لأن يصدر كتاب من داخل الجماعة، بعنوان: "في الحاجة لصحبة رجل" "الصحبة والجماعة عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله" لمحمد العربي أبو حزم، (والذي يعبر عن جزء من توتر النسق الياسيني، كما سيأتي لاحقا) يجمع جميع ما كتب الشيخ ياسين عن صحبة الشيخ، وضرورتها في التفكير المنهاجي، وينتصر لفكرة عدم صحة صحبة الميت (أي استمرار صحبة الشيخ عبد السلام ياسين بعد مماته)، يبرر الحاجة إلى وجود شيخ داخل الجماعة، يقوم بالأدوار نفسها التي كان يقوم بها الشيخ عبد السلام ياسين.

في مفهوم الأزمة

تعمدت في مقالي السابق أن أتحدث عن انزعاج قادة الجماعة من الحديث عن أي تحولات داخل جماعتهم، وهو أمر حاصل ومعبر عنه من قبلهم في تعبيرات إعلامية متواترة، وسبب ذلك، أن البراديغم الحركي الياسيني، قائم على فكرة صوابية الخط، وعدم خضوعه للمراجعة لا سيما ما يرتبط بالموقف السياسي، ولذلك تنظر قيادة العدل والإحسان لمفهوم التحول بنظرة جد سلبية، إذ تعتقد أن ذلك يعني انحرافها عن الخط الذي رسمه الشيخ ياسين.

ويشترك مع قيادة العدل والإحسان قيادة العدالة والتنمية (سعد الدين العثماني) في رفض أي توصيف للمسار الذي توجد عليه الحركة بالأزمة، لأن هذه القيادات تعتقد أن الإقرار بوجود أزمة يعني محاكمة أدائها السياسي. 

 

نقصد بأزمة البراديغم الحركي، الأزمة التي تدفع القيادة المؤسسة أو المنظرة إلى مراجعة خطها النظري وبراديغمها الحركي، أو الأزمة التي تجعل القيادة الحركية، في حرج السؤال النظري الباحث عن جواب يضمن الانسجام مع الخطاطة النظرية للتنظيم كما تم التنشئة عليها.

 


ومع ذلك، فإن جزءا من المشكلة، أن هذه القيادات، وممن جاراها من كتاب التنظيمات ومثقفيها، أنهم لا يدققون في المفهوم، وهل المقصود بالأزمة انسداد النسق، أم انسداد جزئي في النسق يحتاج للتعديل، أم مجرد صعوبات دالة على النمو، أم يدل على استنفاد النسق للغرض، والحاجة لبناء نسق فكري جديد؟

نستعمل الأزمة وكذا المأزق، في تعاطينا مع فكر العدل والإحسان وسلوكها السياسي، بالدلالة الإيبيستيمية، التي تعني الانسدادات الجزئية أو الكلية في النسق، والتي تجعله في وضعية عدم قدرة على بناء سلوك سياسي منسجم، أو عدم القدرة على الاستمرار في مسار سياسي، أوفي وضعية تضطره إلى الانكفاء وعدم الظهور في منحى مطرد، وغيرها من الوضعيات المختلفة التي يعيشها أي تنظيم، ويحاول أن يجد جوابا عنها في جدل المدخلات والمخرجات، أو في جدل الاستيعاب والتجاوز.

فإذا اتضح هذا المفهوم، بهذه الدقة، فإن الأزمة التي تعرضت لها الجماعة في مسارها، ليست واحدة، بعضها كان في زمن مبكر من قيادة الشيخ ياسين، وبعضها الآخر كان بعد "رسالة لمن يهمه الأمر"، وبعضها الآخر، جاء مع رؤية 2006، وبعضها الآخر، جاء بعد انسحاب العدل والإحسان من حراك 20 فبراير، وبعضها الآخر، وهو المفصلي المرتبط بالبراديغم الحركي، حصل مرتين اثنتين، أي بعد رسالة "الإسلام أو الطوفان"، وبعد وفاة الشيخ ياسين، وهو ما يتطلب التمييز بين أزمة النسق أو أزمة البراديغم الحركي، وبين أزمة الخيارات السياسية.

العدل والإحسان وأزمة البراديغم الحركي

نقصد بأزمة البراديغم الحركي، الأزمة التي تدفع القيادة المؤسسة أو المنظرة إلى مراجعة خطها النظري وبراديغمها الحركي، أو الأزمة التي تجعل القيادة الحركية، في حرج السؤال النظري الباحث عن جواب يضمن الانسجام مع الخطاطة النظرية للتنظيم كما تم التنشئة عليها.

وهي في حالة جماعة العدل والإحسان، أزمتان اثنتان:

ـ أزمة تعديل الصيغة الياسينية الجامعة بين الإرادة الإحسانية والإرادة الجهادية: وقد وقع ذلك مع الشيخ عبد السلام ياسين قبل تأسيسه للجماعة، إذ كان يتبنى تصورا يشترط وجود ثنائية متلاقية: هي الدعوة الصادقة، مجسدة في الشخص المجدد الصادق المؤيد بالغيب وارث النبوة (القيادة الروحية ممثلة في الشيخ الصوفي)، والقيادة الجهادية ممثلة في السلطان المخلص المجاهد. 

وقد اضطر الشيخ ياسين إلى تجاوز هذه الصيغة، بعد رسالة "الإسلام أو الطوفان"، وهي الرسالة التي طرحت على الحاكم نموذج التوبة العمرية، واختبرت إمكانية تحقيق الصيغة السابقة، فتبين للشيخ ياسين أن حكام العصر الحالي، لا يمكن أن يضطلعوا بهذه المهمة، فجاءت صيغته الجديدة، كما هي مبينة في كتابه المنهاج النبوي، والتي تجمع الوظيفة الإحسانية والجهادية، في شخص القيادة الروحية، التي تضطلع بدور تربية وتأهيل وتهييئ جند الله وتنظيمهم للقيام بالزحف.

ـ أزمة البحث عن الشيخ المصحوب: وهي ليست أزمة خطا، بقدر ما هي أزمة بحث عن الانسجام مع الخط، فكتابات الشيخ ياسين التنظيرية، منذ بواكيرها الأولى إلى آخرها إصدارا، لا تعرف أي مراجعة لمفهوم الصحبة والجماعة، ولم يحدث أن أعاد الشيخ ياسين النظر في مفهوم الشيخ المصحوب، ومركزيته في خط الجماعة الإحساني والجهادي. وإذا كان زمن الشيخ ياسين، لا يطرح هذه المشكلة بالمطلق، بحكم أنه هو الشيخ المؤسس والمنظر، والمرشد العام، فإن وفاته، طرحت هذه المشكلة، ولم تستطع الجماعة أن تدبرها نظريا، أو على الأقل، لم تستطع أن تخرج صياغتها النظرية، وإن كانت عمليا وجدت التركيب الذي يضمن تماسكها واستمرارها. وما يفسر ذلك، أن جزءا من التنظيم، وبعض نخبه التربوية والتنظيرية، طرحت هذه المشكلة بقوة، وألف الأستاذ محمد العربي أبو حزم، يخرج جزءا من التوتر الداخلي حول هذه النقطة، وذلك من خلال استناده إلى أدبيات الشيخ ياسين، وتأصيله لرفض الشيخ ياسين لفكرة "صحبة الميت"، وانتصاره للحاجة إلى شيخ مصحوب يعقب الشيخ المصحوب بعد مماته، ويضطلع بذات المهام التي كان يقوم بها الشيخ عبد السلام ياسين المؤسس.

ولعل هذا ما قصدنا حينما وصفنا وفاة الشيخ بكونها صدمة للجماعة، و"إيذانا بدخول براديغمها الحركي إلى دائرة الشك والمساءلة، إن لم نقل بلوغه إلى منتهاه"، فلم نتحدث عن أزمة الجماعة أو أزمة خطها السياسي، وإنما تحدثنا عن أزمة براديغها الحركي، القائم على فكرة مركزية الشيخ المصحوب في البناء النظري للجماعة، وهو ما لم يميز فيه الناقد العبارة، فاختلطت لديه أزمة البراديغم بأزمنة الخيارات السياسية.

كان المأمول منه أن يناقش هذه الإشكالية الداخلية (الشيخ المصحوب الذي يقوم عليه البراديغم الحركي الياسيني) التي تثيرها كتابات الشيخ ياسين، والجدل الداخلي الذي أثارته، لكن، لا أدري على وجه التحديد السبب الذي جعله يحجم عن ذلك، فلم نخض في خلفيات هذا الصمت، حتى لا نتورط في أي حكم قيمة يضعف سند الحجج التي ذكرناها.

التعليقات (1)
احمد الزموري
الثلاثاء، 12-01-2021 01:34 م
الكاتب حزبي ومطبع من فوق انى يكون له الموضوعية !!!!.