تقارير

لاجئ من يافا: شاركت في محاولة مجهولة لوأد منظمة التحرير

فلسطين  سياسي  (عربي21)
فلسطين سياسي (عربي21)
التآمر على فلسطين لم يتوقف منذ مطلع القرن العشرين متخذا أشكالا ووسائل متعددة.. ولن تكون صفقة القرن الأمريكية ولا اتفاق التطبيع الأخير بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل الأخير في سياق محاولات تصفية القضية الفلسطينية.. 

وقد قوَّضت "نكبة 48" الفلسطينية كل البنى: الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسية، والنقابية، والثقافية العربية الفلسطينية، ما أفقد الحركة الوطنية الفلسطينية ركائزها، وإن استقوى فلسطينيون بالقضية الوطنية؛ فواصلوا قتالهم ضد الكيان الصهيوني، منفردين أولاً، ثم في مجموعات.

بعد نحو عقد واحد، استعاد الاقتصاد العربي الفلسطيني عافيته، بفعل عمل آلاف الفلسطينيين في أقطار الخليج.

في العام 1959، استجد صراع، ليس له ما يبرره، بين النظامين، العراقي والمصري، وتوالت مشاريع الطرفين إلى جامعة الدول العربية، في سبيل إحياء الكيان السياسي الفلسطيني، دون جدوى، إلى أن انتزعت الثورة الجزائرية استقلال وطنها من براثن الاستعمار الفرنسي (آذار / مارس 1962)، عندها توالت مطالبات حكام العرب إلى الشعب الفلسطيني، كي يأخذ قضيته الوطنية بين يديه، ويسلك طريق الثورة الجزائرية. فانطلق المارد الفلسطيني، وخرج إلى الوجود نحو ثلاثين فصيلا فدائيا فلسطينيا، ما أزعج أنظمة عربية من احتمال أن تورّطها تلك الفصائل في حرب لا ترغب فيها تلك الأنظمة مع إسرائيل؛ ما دفع عبد الناصر إلى الدعوة لعقد القمة العربية الأولى، التي انعقدت، فعلاً، في القاهرة (كانون الثاني / يناير 1964)، وأوكلت إلى أحمد الشقيري أمر استفتاء شتى التجمعات الفلسطينية في أقطار اللجوء، عن الشكل الذي تراه هذه التجمعات للكيان الفلسطيني؛ وإن استقوى الشقيري بعبد الناصر، وفاجأ الأول القمة العربية الثانية (الإسكندرية، أيلول / سبتمبر 1964)، بالأمر المقضي؛ وهو قيام "منظمة التحرير الفلسطينية"؛ ما أثار استياء حكام السعودية، وتونس، وسوريا، كل من منطلقه الخاص. أما الحكم الأردني، فتوجَّس من قيام هذه المنظمة. 

جاءت "نكسة" 1967، وفقد الشقيري مبرِّر استمراره، فنقل النظام السياسي العربي زمام "منظمة التحرير" إلى الفصائل الفدائية الفلسطينية، وفي مقدمتها "فتح"، التي تعملقت، بعد "معركة الكرامة" (21/3/1968)، ضد القوات الإسرائيلية. لكن صدامات متوالية جرت بين المقاومة، والجيش الأردني، انتهت بصدامات أيلول / سبتمبر 1970، وتموز / يوليو 1971، التي أضعفت المقاومة، وبدأ المتربِّصون محاولاتهم للإجهاز على منظمة التحرير. 

هذه إحدى تلك المحاولات، التي شاركتُ فيها:

زارني في منزلي، بحي حلمية الزيتون، شرق العاصمة المصرية، القاهرة، أواخر تشرين الثاني (نوفمبر) 1971، عودة بطرس عودة (أمين سر "اتحاد الكتاب الفلسطينيين"، بعثي سابق)، وكان بمثابة دينامو "لجنة المتابعة الجماهيرية"، التي حرصت على ضم ناقدي قيادة "منظمة التحرير الفلسطينية"، على مدى العامين 1969 ـ 1972. وقد جمعت هذه اللجنة في عضويتها من غدوا أعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، أو كانوا أعضاء فيها، زمن الشقيري، مثل مجدي أبو رمضان، وقُصيْ العبادلة.

رافق عودة الأخ حامد الشريف (شيوعي سابق)، ودعياني لحضور جلسة، تُجري مراجعة نقدية لمسيرة "منظمة التحرير"؛ ذلك لأن موقفي كان نقديًا من قيادة تلك المنظمة، أُؤيد الصحيح من مواقفها، وأُعارض الخاطئ من هذه المواقف. وحدَّد لي 6 مساء يوم الجمعة، الموافق 3/12/1971، في منزل الأستاذ أحمد الشقيري، الرئيس السابق لمنظمة التحرير، وطلبا إليَّ أن أُبلغ الأستاذ كامل محمود خلَّة (دكتور لاحقًا)، بأنه مدعو للحضور، أيضًا، ففعلت. ذلك أن صدامات أيلول / سبتمبر 1970، وتموز / يوليو 1971، بين الجيش الأردني، والمقاومة الفلسطينية، قد انتهت إلى إضعاف حركة المقاومة الفلسطينية، وإخراجها من الأردن، ما استحق مراجعة نقدية.

في الموعد المضروب ذهبت أنا وخلَّة، إلى منزل الشقيري، بحي الزمالك، في عمارة ليبون الشهرة، فوجدنا الشقيري بجلابية النوم، وقد وضع على كتفيه عباءة، واختار صالون منزله لجلسته، كأنه يرحِّب بالمؤتمرين، ويتبرأ منهم، في آن.

دخلنا إلى قاعة المنزل، ففوجئنا بمعظم الحضور: حكمت المصري، نعيم عبد الهادي، وقاسم الريماوي، من أنصار الحكم الأردني. قصي العبادلة، مجدي أبو رمضان، فاضل زيدان، عودة بطرس عودة، وسعيد السقا، من أعضاء "لجنة المتابعة الجماهيرية"، وقد جلسوا متجمعين في أحد أركان القاعة، بينما اختار ستة آخرون ركنًا قريبًا من باب القاعة، والستة هم: خيري حمَّاد رئيس "اتحاد الكتاب الفلسطينيين"، وعلي هاشم رشيد، المدير السابق لإذاعة منظمة التحرير، الذي أقصته قيادة "فتح" عن موقعه، بمجرد أن استلمت زمام الأمور في منظمة التحرير، صيف 1968، وحسني صالح الخفَّش، أول رئيس لاتحاد عمال فلسطين (1964 ـ 1970)، الذي ناله ما نال رشيد، وفوزي عمارة، الذي نحَّته القيادة المذكورة عن موقعه، كمدير لمكتب منظمة التحرير في الاسكندرية، فضلاً عن خلَّة، وكاتب هذه السطور.

انهالت الانتقادات على سلبيات ممارسات قيادة منظمة التحرير، وانتهى الأمر بتكليف سعيد السقا بالاتصال بقادة المنظمة، وتدبير لقاء لنا بهم. وتعهَّد السقا بإنجاز الموضوع، خاصة وأن عوني القيشاوي، مسؤول المالية في مكتب "فتح" بالقاهرة، يمت للسقا بصلة قرابة. وانفضَّ الاجتماع على أن ينعقد، مرَّة أخرى، في الموعد نفسه من يوم الجمعة التالي.

مساء اليوم التالي لاجتماعنا هذا، استمعت إلى هجوم صاعق، من "إذاعة الثورة الفلسطينية" على الأستاذ الشقيري، الذي اتَّهمته الإذاعة الفتحاوية بالدعوة إلى هذا الاجتماع، وترؤسه. فتوجَّهت، صباح اليوم التالي، إلى مبنى الإذاعة المذكورة (4 شارع الشريفين، وسط القاهرة)، لألتقي بالأخ صلاح خلف (أبو إياد)، الرجل الثاني في "فتح"، حينذاك، وحين التقيته، عاتبته على ما نسبته الإذاعة المشار إليها إلى الشقيري. وسألت أبا إياد عن معلوماته حول هذا الاجتماع، فأكد لي بأن الشقيري دعا نحو ثلاثمائة فلسطيني، إلى هذا الاجتماع، من أجل نسف "منظمة التحرير". فسألته عن مصدر هذا الرقم. أجابني: "الشباب في أمن فتح راقبوا منزل الشقيري، ورصدوا الحضور، بالأسماء". عدت وسألته: "هل قرأت اسمي ضمنهم؟!". قال لا. أردفت: "أولاً أنا كنت ضمن الحضور، وثانيًا لم يتعدَّ عددهم الثلاثين، وثالثًا ـ وهذا هو الأهم ـ أن الشقيري لم يحضر هذا الاجتماع، وحرص على أن ينحصر دوره في وظيفة المضيف، ليس إلا، ورابعًا فإن أحدًا من الحضور لم يدعُ إلى نسف منظمة التحرير".
 
أسرَّ لي أبو إياد بأن خيري حماد هو من أبلغ هايل عبد الحميد (أبو الهول)، وكان معتمد "فتح" في مصر، وقتها، بما جرى في الاجتماع المومأ إليه.

استطرد أبو إياد: "لقد اتَّصل بي سعيد السقا، عبر قريبه عوني القيشاوي، طالبًا تحديد موعد، للالتقاء بكم، فوافقت، من فوري، لكن السقا اشترط أن يتم اللقاء في المكان الذي يحدِّده أعضاء الاجتماع إياه". حين اقترح أبو إياد مكتب منظمة التحرير، سارع السقا إلى رفض الاقتراح.

في يوم الجمعة التالي، انتحيتُ أنا وفوزي عمارة بالشقيري، وأبلغناه اعتذارنا بأننا سننسف الاجتماع، بعد أن بانت أغراضه. كرَّر الرجل تبرؤه من الاجتماع، الذي عاد والتأم، ليبدأ السقا في قراءة تقريره عن اتصاله بأبي إياد، وغصَّ التقرير بالمغالطات، مثل: رفض خلف مجرد الالتقاء بنا! والسقا خيَّرهُ في المكان الذي نلتقي فيه به!

انبريت فرويت ما سمعته من أبي إياد عن اتصال السقا به، فاستشاط الأخير غضبًا، لكنني اتهمته بالخروج عن حدود التكليف، لكنه نفى، واحتكمنا إلى الحضور، الذين اختلفوا في تحديد التكليف. هنا اقترحت كتابة محضر للاجتماع، فرفض السقا، بقوة، أبديت استعدادي لكتابة هذا المحضر، كرَّر السقا اعتراضه، ووجه لي سؤالاً أمنيًا، وهو الذي قضى ست سنوات سكرتيرًا لمكتب المخابرات الحربية في قطاع غزة (1950 ـ 1956): "لمين بدَّك تقدم هذا التقرير؟!"، رددتُ من فوري: "للمخابرات!" فأُسقط في يد السقا، وبدأ التصويت على الدعوة لإسقاط "منظمة التحرير"؛ فصوَّت الحضور بنعم، عدانا نحن الستة، وإن اكتفى حماد بالتحفُّظ، دون الاعتراض! أما حسني الخفَّش، فانبرى، بلهجة خطابية غاضبة: "هذا المؤتمر يذكرني بمؤتمر أريحا* سيء الصيت!" ما صبَّ الثلج على اللقاء، فانفرط عقده، معلنًا فشل مدبريه.

لكن هذه الحكاية لم تنتهِ، في ذات اليوم، فإذا كانت لم تبدأ إلا بعد صدامات جرش (تموز / يوليو 1971) بنحو خمسة أشهر، فإن إعلان الملك حسين، أواسط آذار / مارس 1972، مشروعه الذي حمل اسم "المملكة العربية المتحدة"، من فلسطين، وشرقي الأردن، على أن يكون هو ملكهما، وعمَّان عاصمة شرقي الأردن، بينما القدس عاصمة فلسطين، أزعج قيادة منظمة التحرير، فسارعت إلى الدعوة لعقد المؤتمر، الذي نظَّمته السلطات الأردنية، لأعيان شرق فلسطين، أواخر العام 1948، وانتهى إلى المطالبة بضم شرق فلسطين إلى المملكة الأردنية الهاشمية، وحمل ذاك الشرق اسم "الضفة الغربية"، بعد ذلك التاريخ بنحو أربعة أشهر.

مؤتمر شعبي، في القاهرة، تعقبه دورة للمجلس الوطني الفلسطيني، مع بداية نيسان / أبريل 1972، وسارع عرفات بضم كل من دعا إلى تقويض المنظمة، من بيننا، إلى عضوية المجلس الوطني، بينما استثنى من تصدوا لهذا التصويت، وحين واجهت عرفات، ردَّ عليَّ الأخ العزيز ناجي علُوش، كبير مثقفي "فتح"، حينها: "إنتوا في الجيبة، أما دعاة تقويض المنظمة، فمطلوب احتواؤهم!" انتقلت لسؤال عرفات: "لماذا لا يضم أي من المؤتمر الشعبي، أو المجلس الوطني شيوعي واحد، بينما يضم كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني؟!"، أجاب عرفات من فوره: "أُمَّال أنا بعمل إيه؟!"، رددتُ، قبل أن يسحبني ناجي علوُش بعيدًا: "يعني إنت صرت شيوعي، بلمح البصر؟!".

انعقد المؤتمر، ومن بعده المجلس، وصدرت عنه إدانات لفظية، وإن فاجأ أنور السادات الجميع بإعلان قطع العلاقات الدبلوماسية المصرية مع الأردن، في خطاب ألقاه السادات في دورة ذاك المجلس. وبذا طُويت صفحة، وفُتحت أخرى، في مجالات شتى.
التعليقات (1)
ابو محمد
الجمعة، 04-09-2020 11:11 ص
%90 من أعضاء ما كان يسمى منظمة التحرير الفلسطينية عملوا لجهات واجندات خارج نطاق التحرير والتحرر وهذه الأعمال هي التي دمرت مشروع التحرر.. فالقائمين على الهرم الفلسطيني كانوا وما زالوا عملاء بكل معنى الكلمة.. لذلك خابوا وخابت مساعيهم.. حركة بدأت لابليس وانته لابليس والقائمين عليه من أعوان ابليس.. قال تعالى "أن الله لا يصلح عمل المفسدين"