ملفات وتقارير

هل يعيق الصراع بليبيا "عدالة" توزيع عوائد النفط؟

الإيرادات النفطية خلال الربع الأول من العام الجاري بلغت 1900 مليون دينار ليبي- جيتي
الإيرادات النفطية خلال الربع الأول من العام الجاري بلغت 1900 مليون دينار ليبي- جيتي

أثارت المطالبات بـ"تقسيم عوائد النفط" على ثلاثة أقاليم ليبية التساؤلات حول آليات توزيع عوائد النفط على المناطق الجغرافية، وكيفية استفادة الليبيين منها، ومدى تحقيق هذه الآليات للعدالة في ظل الصراع الدائر بالبلاد.

تفرز النظرة العامة لخريطة ليبيا ثلاثة أقاليم تعد محور الحديث عن أي تقسيم لعوائد النفط، إقليم طرابلس (غرب) الخاضع لسيطرة حكومة الوفاق الوطني، المعترف بها دوليا، وينازعها على السلطة اللواء الليبي خليفة حفتر صاحب النفوذ في إقليم برقة (شرق)، فيما تختلف الولاءات بإقليم فزان (وسط وجنوب) البلاد.

تتولى المؤسسة الوطنية للنفط (تقع بطرابلس) مسؤولية إنتاج وتصدير النفط بجميع الحقول الموزعة على الجغرافيا الليبية، وبحسب تصريحات مستشار ديوان المحاسبة الليبي علي المحجوب لـ"عربي21" فإن عوائد النفط ترجع إلى وزارة المالية بحكومة الوفاق بعد وضعها في مصرف ليبيا المركزي بطرابلس، الذي يمول ميزانياتها بالدينار الليبي.

ومنذ منتصف كانون ثاني/يناير الماضي أعلنت مؤسسة النفط حالة "القوة القاهرة" وتوقف الإنتاج بحقول النفط، بفعل إقفال قوات مسلحة تابعة لحفتر بصورة غير قانونية للحقول، ما أدى إلى خسارة 6.6 مليارات دولار حتى 8 تموز/يوليو الحالي.

وينوه الخبير الاقتصادي الدكتور محسن الدريجة، المدير الأسبق للمؤسسة الليبية للاستثمار، إلى أن عوائد النفط والغاز تتغير "عادة" حسب الأسعار الدولية، كما قال لـ"عربي21".

 

اقرأ أيضا: التايمز: السلاح الروسي والمرتزقة يتدفقون لحفتر بليبيا

وبإطلاع "عربي21" على تقارير نشرتها وزارة المالية التابعة لحكومة الوفاق، فإن الإيرادات النفطية خلال الربع الأول من العام الجاري بلغت 1900 مليون دينار ليبي، بمتوسط شهري 633 مليون دينار، وبلغت في شهر نيسان/أبريل الماضي 78 مليون دينار ليبي، ما يشير إلى التراجع الحاد بالإيرادات.

وبحسب الخبير الاقتصادي، فإن عوائد النفط بليبيا "غير مستقرة" منذ عام 2011 (الثورة الليبية)، مشيرا إلى أن خسائر البلاد مذاك بلغت 231.5 مليار دولار، بسبب توقف إنتاج النفط وضياع فرص بيعه بأسعار مرتفعة، وبسبب الأضرار الجسيمة التي أصابت الحقول والمعدات والانابيب النفطية، انخفضت قدرة ليبيا الإنتاجية في الآونة الأخيرة إلى متوسط أقل من مليون برميل يوميا بعدما كانت تنتج نحو 1.6 مليون برميل.

وعند سؤاله حول وجود تشريعات قانونية تنظم عملية توزيع عوائد النفط على المناطق الجغرافية الليبية، أجاب الدريجة "ليس هناك تشريع ينظم توزيع عوائد النفط". مشيرا إلى أن البلاد مرت بتقسيمات إدارية مختلفة عبر انتقالها من النظام الفيدرالي إلى نظام المحافظات ثم نظام البلديات فالشعبيات، قبل العودة (بعد عام 2011) إلى نظام البلديات وبزيادة كبيرة في عددها (نحو 90 بلدية) وتباين كبير بمساحاتها وعدد سكانها.

ومخصصات البلديات في الوقت الحالي لا تمثل إلا نسبة بسيطة من النفقات، وكل احتياجاتها تُوفر من الحكومة المركزية بدون وجود آلية واضحة لذلك، وفقا لما قاله الخبير الاقتصادي.

ويوضح أن أكثر من 80 بالمئة من ميزانية الحكومة تُنفق على "المرتبات ودعم الوقود والكهرباء، حيث يصل عدد الذين يتقاضون مرتباتهم من الخزانة العامة في كل ليبيا إلى 2.3 مليون مواطن، لا يتم تشغيلها بشفافية، وهناك ما يقارب 300 ألف آخرون يتقاضون مرتباتهم من شركات ومؤسسات تدفع الدولة رأس مالها".

ويضيف "في ظل هذا النظام الاقتصادي لا يمكن أن تكون هناك إيرادات قابلة للتوزيع، فهي توزع الآن ولكن في شكل لا يؤدي إلى نمو اقتصادي وتحسن في ظروف المعيشة وتنمية حقيقية".

وحول ما يجب عمله من أجل تحقيق "عدالة توزيع إيرادات النفط" على الليبيين، يقول الدريجة: "ما يمكن عمله الآن هو نقل مسؤولية وميزانية كل النشاطات الخدمية (التعليم، الأمن المحلي، الصحة، النظافة، المواصلات) من الحكومة المركزية إلى المحافظات والبلديات، وأن تحسب حصة كل محافظة حسب عدد سكانها كخطوة أولية لتتحمل مسؤولية إدارة خدماتها وتحديد ما تحتاجه من عاملين وموارد لتوفير هذه الخدمات، وتكون مسؤولة بذلك أمام سكانها".

كما أشار إلى ضرورة "التحول للحكومة الالكترونية وتوفير جل الخدمات عن بعد لتخفيف الحاجة للتنقل لإتمام الإجراءات".


ويقول الخبير الاقتصادي: "كلما تحولت ليبيا لتوسيع دور القطاع الخاص في الاقتصاد كلما انخفض عدد العاملين في الحكومة والقطاع العام، وبالتالي توفرت موارد أكثر لتحسين مستوى الخدمات".

وعن معيقات "تحقيق عدالة بتوزيع إيرادات النفط"، يرى الدريجة أنها تتمثل في "طبيعة الاقتصاد الليبي الريعي والاعتماد الكبير على العمل في الدوائر الحكومة بدل العمل الخاص. وأوضح: "الانطباع السائد لدى كثيرين بأن عوائد النفط لا تصلهم هو بسبب سوء الأحوال الاقتصادية".

 

اقرأ أيضا: النفط الليبية: قوات حفتر منعت تحميل ناقلة بميناء السدرة

ويضيف: "الاقتصاد الليبي لا بديل عن تغييره. لابد أن يتحول جزء كبير من سلطة القرار والموارد في يد الحكومة المركزية إلى السلطات المحلية".

ويقول: "مركزية القرار والموارد لا تتضرر منها منطقة دون غيرها، بل هي مشكلة لكل ليبيا والتذمر من الحكومات المركزية سواء الحالية أو السابقة هو تذمر من سوء الخدمات والركود الاقتصادي وغلاء المعيشة".

وأسباب هذه المشكلة وفقا للخبير الاقتصادي هي "السياسات الاقتصادية الخاطئة والنظام الإداري غير الكفؤ".

وهذه المشكلة "عامة" في ليبيا، أي لا تتعلق بالصراع الدائر في البلاد، بحسب الدريجة الذي أشار إلى تأثيرها على الحكومة المؤقتة في البيضاء (حكومة عبد الله الثني غير المعترف بها دوليا)، والتي تعاني من سوء الأداء وضواحيها تعاني من مركزية قرارها وضعف إدارة مواردها بالرغم من أن معدل إنفاق الفرد في مناطقها وصل إلى 10 آلاف دينار ليبي للفرد شاملا ما تنفقه حكومة الوفاق على هذه المناطق، بينما وصل إلى 6600 دينار ليبي للفرد في مناطق إدارة حكومة الوفاق.

التعليقات (0)