قضايا وآراء

مقتل فلويد وفرص إعادة انتخاب ترامب

ياسر محجوب الحسين
1300x600
1300x600
لم يفق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من تأثيرات جائحة كورونا السلبية على فرص فوزه بفترة رئاسية ثانية وتراجع الاقتصاد الأمريكي، حتى جاءته حادثة قتل جورج فلويد، فتداعت عليه جائحة أخرى أشد ضراوة على مستقبله السياسي. وفرضت 40 مدينة على الأقل إجراءات حظر للتجول بعد أيام من الاحتجاجات العنيفة التي أثارها قتل المواطن الأسود في مينيابوليس بولاية مينسوتا، في 25 أيار/ مايو.

وفي الحقيقة أن حاضر ترامب السياسي ومستقبله بالضرورة يقفان بدون ساقين، فليس للرجل ماض سياسي يعتد به؛ فهو في الأصل رجل أعمال وملياردير، وشخصية تلفزيونية، حيث قدم البرنامج الواقعي "The Apprentice" على قناة "إن بي سي". وهو رئيس منظمة ترامب التي غير اسمها الى هذا الاسم مباشرة بعد أن مكنه والده منها.

وهناك القليل جدا عن نشاط ترامب السياسي، إذ قرر في العام 2000 خوض الانتخابات الرئاسية عن حزب الإصلاح الأمريكي لكنه لم يحظ بشعبية كافية وانسحب من السباق، كما تراجع عن خوض انتخابات 2012 عن الحزب الجمهوري، وذلك قبل ترشحه الأخير الذي أفضى إلى فوزه بصعوبة على هيلاري كيلنتون في رئاسيات 2016. وهو يلعب على وتر العنصرية ويخوف البيض من تصاعد نجم السود. وتمكن أوباما الأسود من حكم البلاد لفترتين رئاسيتين.

لقد ظل ترامب شخصية غارقة في خضم اتهامات عنصرية ومغامرات أخلاقية. ومن غريب تفاعلات هذه الأيام أن يتفق اثنان من أكبر مواقع التواصل الاجتماعي في العالم، هما سناب شات وتويتر، على إدانة وتحذير رئيس أكبر دولة في العالم بسبب تحريضه على العنف العنصري والظلم.

فقد قررت شركة سناب وقف الترويج لحساب ترامب عبر تطبيقها، وقالت في بيان لها: "لن نضخّم الأصوات التي تحرض على العنف العنصري والظلم". وزادت في بيانها: "لا مكان للعنف العنصري والظلم في مجتمعنا ونحن نتضامن مع أولئك الذين يسعون إلى السلام، الحب، المساواة والعدالة في أمريكا".

كذلك قام موقع تويتر في ذات التوقيت بإجراءات ضد تغريدات لترامب؛ شملت تحذيرات تنصح بالتأكد من الحقائق الواردة فيها.

وبشكل انفعالي، وقّع ترامب أمرا تنفيذيا يهدف إلى إلغاء بعض جوانب الحماية القانونية الممنوحة لشركات التواصل الاجتماعي.

أما فيسبوك فقد امتنع عن اتخاذ أي إجراء بشأن نفس المنشورات، فاحتج موظفوه على ذلك الصمت. وقال عدد من المدافعين عن الحقوق المدنية إنهم يشعرون بالإحباط والصدمة من تبريرات مالك الموقع مارك زوكربيرغ العبثية للسماح باستمرار نشر منشورات ترامب.

المدهش أن ترامب يرمي بدائه وينسل وهو يهاجم وسائل الإعلام الأمريكية، حين يصف الأخبار التي لا تعجبه بتعبير شهير ظل يكرره في تغريداته "أخبار مزيفة"، وهو لا يدري أن الذي أصبح مزيفا بالفعل هي القيم الأمريكية في عهده.

وأبدع أحد رسامي الكاريكاتور عندما جسد تمثال الحرية في نيويورك واسمه بالكامل "الحرية تنير العالم" في رسم من جزأين؛ الجزء الأعلى بقي كما هو، وهو لسيدة تحررت من قيود الاستبداد وتمسك في يدها اليمنى مِشعلاً يرمز إلى الحرية، بينما تحمل في يدها اليسرى كتاباً نقش عليه تاريخ إعلان الاستقلال الأمريكي (4 تموز/ يوليو 1776)، وتضع على رأسها تاجاً مكوناً من سبعة أسنة تمثل أشعة ترمز إلى البحار السبع أو القارات السبع الموجودة في العالم.

وهدف الرسم الكاريكاتوري للإشارة إلى التناقض الامريكي بين قيم الحرية والمساواة المعلنة (الجزء الأعلى) وبين الممارسات الفعلية المناقضة لذلك، فجعل الجزء السفلي عبارة عن رجل تضغط على رقبة شخص آخر، وهي الطريقة التي قتلت بها الشرطة الأمريكية الضحية فلويد وهو يجاهد لالتقاط أنفاسه؛ بينما يجثو شرطي أبيض بركبته على رقبته، فالتهب الشارع الأمريكي لهيبا لم يبق ولم يذر.

ونشرت صحيفة الإندبندنت البريطانية مقالا اعتبر أن العنصرية متأصلة في مؤسسات الدولة الأمريكية، وأن الاحتجاجات الغاضبة في الولايات المتحدة أظهرت مدى تجذر الأزمة العنصرية في المجتمع الأمريكي. وقال الكاتب إن السياسيين والحكومات المختلفة ظلوا مترددين في معالجة هذه المشكلة لأنها راسخة ومتأصلة، وأن الدولة مزدحمة بالمؤسسات العنصرية.

وانتفض الرئيس الامريكي السابق أوباما، واصطف بدون مواربة مع المحتجين ضد الشرطة وهو يحرّض على مزيد من التحركات الاحتجاجية، فاعتبر في مقال ساخن في موقع ميديم أن أمريكا فشلت خلال عقود مضت في إصلاح أداء الشرطة، وقال إن الاحتجاجات وحدها لا تكفي.

وقال أوباما إنه مع نزول الملايين في جميع أنحاء الولايات المتحدة إلى الشوارع، ينددون بمقتل جورج فلويد ومشكلة العدالة غير المتكافئة، تواصل الكثير من الأشخاص معه يسألونه عن كيفية استغلال هذا الغضب وتحويله إلى تغيير حقيقي.

وقد بلغ من قوة وعنفوان الاحتجاجات أن اختبأ ترامب في قبو محصن بالبيت الأبيض، وقد غضب من كشف اختبائه في القبو وشعر بالضعف، وأخبر مساعديه أنه يريد الظهور خارج بوابات المقر الرئاسي لتغيير هذه الصورة. وحاول ترامب لاحقا تبرير اختبائه بأن وجوده في المخبأ المحصّن كان لأجل تفقد أعمال الصيانة فيه.

أخيرا.. ومع تعرض ترامب للذبح المعنوي مرتين، مرة بسبب كورونا ومرة بسبب مقتل فلويد، فهل يرقص رقصته الأخيرة ولم يبق للانتخابات سوى نحو خمسة أشهر؟

لقد أفاد استطلاع للرأي أجرته شبكة "إيه بي سي" وصحيفة "واشنطن بوست" بتقدم منافسه الديمقراطي جو بايدن عليه بعشر نقاط مئوية (54 في المئة مقابل 44 في المئة)، مع إمكانية أن تدفع هذه الأحداث الأمريكيين السود للإقبال بأعداد كبيرة على صناديق الاقتراع كي يسقطوا ترامب العنصري.

هناك من يقول إن ترامب قد يلجأ في محاولة قد تكون يائسة إلى إعادة توجيه البوصلة إلى خارج الولايات المتحدة للهروب من الوضع الداخلي المتأزم، وتسخين الأزمة مع الصين لصرف الأنظار، فهل ينجح؟
التعليقات (0)