قضايا وآراء

غليان الشارع الأمريكي يحاصر البيت الأبيض

محمد الزواوي
1300x600
1300x600

الاحتقان في الشارع الأمريكي اليوم هو نتيجة تراكمات عديدة، وليس ناتجا فقط عن القتل الوحشي للمواطن الأفريقي الأمريكي جورج فلويد على يد رجل الشرطة قبل أيام في مدينة منيابوليس.

تراكمات طويلة في الشارع الأمريكي، آخرها ربما الآثار الاقتصادية لجائحة الكورونا، والارتفاع غير المسبوق بمستوى البطالة من ناحية، وسياسة الإدارة الأمريكية لمواجهة الجائحة من ناحية أخرى، والتي على ما يبدو لم ترض أيا من الطرفين على حدٍ سواء، لا مؤيدي الرئيس الذي يطالبون بعودة الحياة بسرعة، ولا معارضيه الذين ما زالوا يستهجنون المقاربة الخاطئة المتأخرة للإدارة الحالية عند التعامل مع الأزمة، والذي وضع الولايات المتحدة في النهاية على فوهة البركان كأكبر بؤرة تفشٍ في العالم!

طبعاً، بالإضافة إلى كل ذلك فقد فاقمت الإدارة الحالية حالة الانشقاق السياسي في الشارع الأمريكي فيما بين الحزبين الجمهوري والديموقراطي طوال فترة الرئيس بشكل غير مسبوق، ناهيك طبعاً عن ارتفاع منسوب الكراهية العرقية والدينية التي رسخت لها هذه الإدارة منذ الانتخابات التي جاءت بترامب إلى البيت الأبيض.

فربما لا يكون مقتل مواطن من أصل أفريقي أمريكي سوى القشة التي قصمت ظهر البعير، وصبت الزيت على نار متقدة أصلاً تحت رماد الاحتقان الذي تواصل الإدارة تغذيته عند كل منعطف.

أضف إلى كل ذلك، قوام وبنية الإدارة نفسها، حيث عجز الرئيس عبر ولايته عن الاحتفاظ بمجموعة واحدة متجانسة، بل واصل عبر الأيام تغيير الأفراد سواء بإقصائهم أم مغادرتهم طواعية نتيجة لعدم توافقهم وسياسات الإدارة أو حتى لعدم اتفاقهم ببساطة والتوجهات غير الناضجة لصهر الرئيس كوشنر، الذي يتمتع فعلياً بقوة داخل الإدارة تفوق نائب الرئيس نفسه، والذي بحد ذاته ينافي كل الأعراف السياسية التي تقوم عليها الولايات المتحدة الأمريكية.

بالطبع، فلا يمكن عند النظر للغليان الحاصل الآن كسحابة صيف منفصلة عن كل الظروف الجيوسياسية التي أحاطت بهذه الإدارة، التي بدأت ببناء الجدران ومنذ أول أيامها بدلاً من الجسور. فتجدها منبوذة على أرض الواقع في كل التحالفات التاريخية للولايات المتحدة، والتي أصلاً تبرأت أو تنصلت من معظمها، فيما أدت سياساتها غير المتزنة إلى إفراغ الباقي من محتواها.


 

فربما، قلما حدث عبر التاريخ اتساع الفجوة فيما بين الولايات المتحدة وحلفائها مثلما نرى هذه الأيام، ورفض المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل حضور قمة السبع الكبرى التي دعا لها ترامب ما هو سوى مثال صارخ على حجم التباعد والمدى الذي وصلت له هذه الإدارة بالمشي وحيدة في كافة المسائل.

وعليه، فإن الديماغوجية القائمة على الشعبوية لم تعد تسعف الرئيس في حملته القادمة، بعدما صفق عدة مرات في أسبوع واحد لعدة انتهاكات لمواد يقوم عليها الدستور الأمريكي بالأساس، من المساواة إلى حرية التعبير، وأوامر تنفيذية مترافقة وتصريحات اصطفت جنباً إلى جنب لتؤكد لكل من لم يعرف من قبل أن الرئيس الذي فاز بأصوات أقل من منافسته في دورته الأولى، لا يمثل في الحقيقة سوى فئة محدودة من الشعب الأمريكي، بعد أن ناصب العداء للمهاجرين، من العرب والمسلمين، وأصحاب الأصول اللاتينية والأفريقية ومؤخراً الآسيوية!

لم يتوقف ترامب يوماً عن انتقاد وسائل الإعلام أو التواصل الاجتماعي، وحتى مجتمع صناعة السينما، حتى إنه انهال يوماً بهجوم شديد على اليهود الأمريكيين في حال تنكروا لدعم الكيان الإسرائيلي!

فهل تكفي طبقة العاملين المسيحيين الإنجيليين التي كانت حجر الزاوية دوماً بحملاته الانتخابية لإيصاله إلى البيت الأبيض مجدداً، أم إن مقتل جورج فلويد سيدق المسمار الأخير بنعش إدارة الرئيس دونالد ترامب؟!

twitter.com/malzawawI
facebook.com/zawawi76

التعليقات (0)