قضايا وآراء

لتُسمى "إمبراطورية"!

إبراهيم خطيب
1300x600
1300x600
في خضم الحديث عن الضم الإسرائيلي لأجزاء من الضفة الغربية للمؤسسة الإسرائيلية، تتزايد المخاوف حول مصير القضية الفلسطينية والمشروع الوطني الفلسطيني (مع مبعث الأمل فيها لتكون خطة تُوقظ القيادة الفلسطينية، وتعيد القضية الفلسطينية لمربعها الأول).

فخطة الضم هذه تُشير بشكل غير مباشر لاستحالة حل الدولتين، وانتقالنا لواقع الكيان الواحد في هذه البلاد، والسعي الإسرائيلي- الأمريكي عن وكيل سياسي فلسطيني مسخ ومحدود ليرعى شؤون الفلسطينيين، وفق قاعدة أن هذه البلاد والسيادة فيها فقط للإسرائيليين، والفلسطينيون ليسوا سوى رعايا غير مرغوب بهم!

في مقابلة مع صحيفة "إسرائيل اليوم" العبرية، يظهر نتنياهو إيمانه بأن خطة ترامب هي حلم إسرائيلي. وهنا أقتبس ما قاله بشكلٍ حرفي، لكونه مهما في سياق تحليل ومناقشة خطة الضم التي يعمل عليها نتنياهو، فيقول فيما يقول: "داخل هذه الرزمة توجد فرصة تاريخية لتغيير الاتجاه التاريخي، الذي كان أحادي الاتجاه. وطوال الوقت، الخطط السياسية كافة، التي تم اقتراحها علينا في الماضي، شملت تنازلات عن مناطق أرض إسرائيل (في الضفة الغربية)، والعودة إلى خطوط 1967 وتقسيم القدس، وإعادة لاجئين. وهنا تم قلب الأمور. وليس نحن المطالبين بالتنازل، وإنما الفلسطينيون هم المطالبون بالتنازل، ودون علاقة بالمفاوضات. والعملية ستتواصل إلا إذا استوفوا قرابة عشرة شروط صعبة؛ تشمل سيادة إسرائيلية في المنطقة الواقعة غربي نهر الأردن، والحفاظ على القدس موحدة، وعدم عودة أي لاجئ، وعدم اقتلاع مستوطنات، وسيادة إسرائيلية في مناطق واسعة في يهودا والسامرة إضافة إلى أمور أخرى".

واعتبر نتنياهو أن "عليهم (الفلسطينيون) الاعتراف بأننا الحاكم الأمني للمنطقة كلها. وإذا وافقوا على كل ذلك، فإنه سيكون لهم كيان خاص بهم، الذي يصفه الرئيس ترامب بدولة. وقال لي سياسي أمريكي: لكن يا بيبي، هذه لن تكون دولة. وقلت له: سمّها ما تشاء. وفي جوهر خطة ترامب يوجد أسس حلمنا بها وحسب. وهذه أمور حاربنا من أجلها سنوات طويلة وحققناها أخيرا".

وفي سؤال الصحفي لنتنياهو حول مصير الفلسطينيين في غور الأردن، يقول نتنياهو؛ إنهم لن يحصلوا على المواطنة الإسرائيلية بعد ضم غور الأردن إلى إسرائيل، "هم سيبقون كجيوب فلسطينية. فلن نضم أريحا. وهناك مجموعة بلدات فلسطينية أو اثنتان لا ينبغي أن نفرض عليها السيادة، وسيبقون (سكانها) رعايا فلسطينيين. لكن السيطرة الأمنية ستشملها أيضا".

في قراءة لخطاب نتنياهو هذا، يتضح جليا أن مسعاه هو تصفية القضية الفلسطينية، ولن يرضى بأي حلٍ مبني على أساس رؤية الدولتين أو غيره؛ إذا لم يضمن سيطرة إسرائيل كاملة ونسف الحق المشروع الوطني الفلسطيني. والمشكلة لا تكمن بنتنياهو، فهو يمثّل الحلم الإسرائيلي التوسعي والاستيطاني، بل المشكلة في الطرف الفلسطيني، الذي ما انفك ينادي بحل الدولتين من دون أي أفق سياسي، بل وعلى أساس تنازلي جعل من القيادة الإسرائيلية متعطشة لتنازلات أكثر.

وفي مقابلة نتنياهو هذه، أشار إلى المطالب التي كانت تصل إلى الإسرائيليين بأن يقوموا ببعض التنازلات، ولكن هذه المطالب لم تخضع لها إسرائيل، في مقابل سيل من التنازلات الفلسطينية والعربية في سبيل إرضاء إسرائيل وأمريكا، وهذا لم يجد نفعا. ويبدو أنه في لعبة التنازلات من يتنازل أولا يتنازل دائما!

نقطة إضافية في هذا السياق، يبدو أن خطة ترامب لم تكن لتثير امتعاض قيادة السلطة الفلسطينية إذا لم تشمل قضما كبيرا للأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 كما هو الهدف الآن، فيما التنازلات في قضية اللاجئين والقدس والسيادة والنقاش حولها سيكون ممكنا من قبل هذه القيادة، لتظن في قرارة نفسك أن هذه القيادة تسعى لعنوان دولة بكل ثمن، حتى لو كانت مفرغة المضمون (وبالمناسبة حل الدولتين، بصيغته التي كانت مطروحة سابقا،ً كان كذلك هزيلا وبعيدا عن الطموح الفلسطيني وماهية المشروع الوطني الفلسطيني)، ورفض خطة ترامب هذه لم يكن ليكون من الجانب الفلسطيني لولا أن هذه الخطة بالغت في تفريغ مفهوم هذه الدولة من مضمونه، مما صعّب على القيادة الفلسطينية في رام الله قبوله وتسويقه!

كما أن خطورة الضم، إضافة إلى قضم إضافي للأرض والوطن الفلسطيني، تكمن في جر البعض لتأصيل فكرة أن الوطن الفلسطيني منحصر في الضفة الغربية وغزة، وتجعل الفلسطينيين ينتقلون لملعب مناهضة خطة الضم ومحاولة استعادة ما سيتم ضمه، ورؤية ذلك كأنه إنجاز (إذا ما استمر هؤلاء بالتشبث بحل الدولتين ولم يفهموا بعد حقيقة الاحتلال الإسرائيلي وأهدافه). وهذا ما يجب أن يتنبه له مجمل العاملين من أجل قضية فلسطين، ومن ثم ننتقل من صراعٍ على كل فلسطين، إلى صراعٍ على الأرض المحتلة عام 1967، ومن ثم على استعادة ما تم ضمه عام 2020!

خطاب نتنياهو يُظهر أن واقع الدولة الواحدة هو ما يجري على الأرض، لا أقول ذلك داعما لهذا الحل او ذاك، بل لأُشير إلى أن خطوات نتنياهو تجعل هذا الحل واقعا على الأرض، مع أن توجه نتنياهو لدولة واحدة من نوع آخر، فهو يسعى لحلٍ واحد، لشعبٍ واحد على أرضٍ واحدة. بمعنى فلسطين، كل فلسطين، هي للإسرائيليين، والحل بمفهوم بناء وطن قومي هو فقط لليهود، فيما الفلسطينيون هم فيها رعايا، يتمنى الإسرائيلي التخلص منهم أو بأحسن الأحوال جعلهم رعايا من درجة خامسة أو "بدون"! حقيقةٌ كهذه وواقع، سيزيدان من إظهار المؤسسة الإسرائيلية كدولة أبارتهايد وإظهار إسرائيل على طبيعتها، شاء الإسرائيليون ذلك أم أبوا.

ومع كل خطورة الضم وخطة ترامب، ففيهما مساهمة "إيجابية" لمن يقرأهما بمنظار واسعٍ، وهذه الإيجابية تكمن بإعادة موضعة القضية الفلسطينية في سياق طبيعي وحقيقي، وإظهار أن هذا الكيان هو كيان إحلالي يسعى لقضم كل فلسطين من بحرها لنهرها، وبناء على كل ذلك، يجب أن يُعاد الصراع إلى مربعه الأول، صراع بين أصحاب الحق والأرض والمظلومين مقابل المغتصبين الظالمين!

أخيرا، فإن واجب المرحلة هو تقوية الصف الداخلي الفلسطيني، ومراجعة الخطاب السياسي الفلسطيني، والالتفاف حول المشروع الوطني الفلسطيني (بتناغم مع الأبعاد العربية والإسلامية والإنسانية للقضية الفلسطينية)، وتوسيع مظلة القرار الفلسطيني والمشاركة في تحقيق الحق الفلسطيني، لتشمل الكل الفلسطيني (ففلسطين وشعبها ليسوا فقط أهلنا في الضفة وغزة كما تفعل السلطة الفلسطينية وتجُر منظمة التحرير لذلك).

كما تحتاج هذه المرحلة للجرأة الفلسطينية في طرح أفق جديد للقضية الفلسطينية ونضالٍ وفقه، فيبدو أن حل الدولتين ولد ميتا، والاحتلال الإسرائيلي لن يرضى إلا بكل فلسطين، واستمرار التشبث بوهم السلطة مفرغة المضمون حتى لو سميّت إمبراطورية، لن يحل القضية الفلسطينية!
التعليقات (0)