قضايا وآراء

اتفاق الطائف: لبنان الصيغة في خطر

محمد موسى
1300x600
1300x600

لبنان النموذج في الشرق المعذب، أرض التعايش والصيغة الفريدة التي تؤكد عنصرية الدولة اليهودية ونشازها، وطن الرسالة الذي تغنى به مار يوحنا بولس الثاني بكلامه الخالد "لبنان أكثر من وطن إنه رسالة"، الوطن الذي دفع ثمنا باهظا لولادة صيغة اتفاق الطائف أو ما يعرف بوثيقة الوفاق الوطني بلغت مئات آلاف الشهداء وعشرات آلاف الجرحى، وآلاف المعوقين وأصحاب الهمم، وآلاف المفقودين الذين حتى الساعة لم تنجل حقيقة بقائهم.

إن الحالة الراهنة لا تبشر بالخير، والكلام يطلق من كل فريق على عواهنه. فالسنّة متململون منذ استشهاد الرئيس رفيق الحريري وصولا إلى السابع من أيار/ مايو، وما تلا ذلك من إقالة نجل رفيق الحريري وهو في البيت الأبيض عام 2010، ومرورا بمسألة الـ11 مليار دولار التي يروَج لها بين الفينة والأخرى.. والرئاسية التي قسمت الشارع السني، وقانون الانتخاب الذي اقتص برأي الكثيرين من زعامة السنة الوطنية وصولا إلى انهيار التسوية الحريرية- الباسيلية، وانكسار الجرة مع ثورة الناس في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 بسقوط قانون العفو عن الإسلاميين (والذين بمعظمهم من أهل السنة) في الجلسة التشريعية الأخيرة، حتى خرج معظم النواب السنة من الجلسة وصرح الأفندي النائب فيصل كرامي "قررت الانسحاب من الجلسة بسبب ما جرى من خلوات، وهناك من يريد مساواة أهالي طرابلس بمن ذهبوا إلى إسرائيل"!!

وما كلام سماحة المفتي دريان في خطبة العيد إلا صرخة مدوية في برية السياسيين إن سمعوا!!

أما الصرخة الشيعية من واقع النظام القائم فبدت للكثيرين مرتبطة بمجريات الإقليم الساخن والعاصف في آن. فكلام سماحة المفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان ضربت الطائف في مقتل، حيث قال: "نؤكد أن أصل نشأة لبنان تم على أساس طائفي واستبدادي، بوظيفة خدمة المشروع الاستعماري والاحتكاري.

 

وهذه الصيغة قد انتهت، وما قام به بشارة الخوري ورياض الصلح لم يعد يصلح لدولة إنسان ومواطن. وعليه، نصرّ وبكل صرخة مدوية، أننا ولحماية البلد وكسر الوثنية السياسية، ولإنقاذ لبنان، وتأكيد العيش المشترك، والسلم الأهلي فيه، مطالبون بإسقاط الصيغة الطائفية لصالح دولة مواطن، دولة لا طائفية، دولة إنسان، إلا ما خص شؤونه الشخصية. فكفانا ترقيعا بهذا البلد، لأن البلد سقط، سقط لأن دستوره فاسد".

وبمعنى آخر، بيان نعي لاتفاق الطائف، ولكن مع عدم تبني الثنائي الشيعي للكلام، وإنما على طريقة البطرك صفير "قلنا ما قلناه".

ولكن هل اتفاق الطائف فعلا لم يلبّ الطموحات الشيعية في سائر وظائف الدولة وأركانها ونظامها، والكل يشهد أن رئيس لبرلمان هو "دينامو النظام وأحد أركان الطائف"؟ وللحقيقة وليس من منظور المكاسب والمحاصصة السياسية فحسب، كما أظهرت حينها ردود فعل زعمائها، بل هل كان المقصود دفع الطائفة الشيعية خارج الدولة وباتجاه السلاح للحفاظ على امتيازاتها، وكأن رعاة هذا الاتفاق من الدول الكبرى والإقليمية أهملوا الشيعة في اتفاق الطائف عن قصد للحرص على استمرار أبنائها حملهم للسلاح والقتال لتحرير أرضهم التي كانت لا تزال محتلة من قبل العدو الإسرائيلي في الجنوب الغالي التراب؟

كذلك والسؤال مشروع: هل حزب الله نفسه له مصلحة في هذه اللحظة الإقليمية في التفكيّر بمقايضة سلاحه بتعديلات دستورية أو تعديل اتفاق الطائف؟ على العكس تماما، فإن استراتيجيته الواضحة هي الاحتفاظ بالسلاح راهنا حتى تأتي تسوية المنطقة الكبرى (أمريكا- إيران)، والتي أضحت قريبة في ظل الضغوط المستمرة منذ انهيار الاتفاق النووي الإيراني.

وعليه، هل حقيقة معادلة الحزب أن السلاح هو للمقايضة مقابل صلاحيات رئيس الحكومة السني وحق الفيتو لرئيس الجمهورية المسيحي؟ طبعا لا.

وكذلك، هل فات الجميع فكر الإمام الصدر الذي يتغنى به المسيحي في المشرق قبل المسلم عن نهائية لبنان لكل بنيه؟!

أما دعاة الفيدرالية من المسيحيين هل علموا أين تصل هذه الدعوة ومدى خطورتها في ظل شرق لم تنفك دعوات التطرف تعمل بالنشاط الكافي من سيناء المصرية إلى المنطقة الحية بين سوريا والعراق.

والسؤال المحق لهؤلاء: ماذا عن المسيحين في شمال لبنان وبينهم زعامات وطنية ترفض منطق التقسيم والفيدراليات؟ ماذا عن مسيحيي الجنوب الذين هم ملح الأرض وكنائسهم التي تعبق حتى الساعة بخطى المسيح حينما حول الماء إلى خمر بيد المسيح العجائبي في قانا الجنوبية؟!

وماذا عن مسيحيي راس بعلبك والبقاع اللذين هم حالة لا تنفصل عن جوارهم المسلم السني والشيعي في كل المأساة اللبنانية جوعا وإهمالا.

إن البلد الآن على أبواب مئوية لبنان الكبير، وبعد ثلاثين عاما من تجربة الطائف المشوهة بفعل الكثير من العوامل؛ وعلى رأسها سياسة الخوف من الآخر. إن البلد يحتاج إلى تطبيق وثيقة الوفاق الوطني كما يجب، بعيدا عن لغة التخوين وفحوصات دم الوطنية الدائمة.

إن البلاد في اللحظة الراهنة اقتصاديا واجتماعيا وصحيا يتطلب القفز فوق الصغائر، وليس العبث بمكتسبات الطائف والعودة إلى اللغة الطائفية المقيتة.

إن المتابع للشأن اللبناني يدرك أن الطائف بات بحاجة إلى مجموعة من الإصلاحات، والتي ينبغي أن تقر مع رؤوس باردة بعيدة عن وُحول الطائفية والمذهبية على الطريقة اللبنانية البغيضة.

وعلى سبيل المثال لا الحصر، إن بعض المواد في اتفاق الطائف تستحق جلسات نيابية لتفتي في نص صريح يحدد المهل الزمنية اللازمة الممنوحة لرئيس الجمهورية لإجراء الاستشارات النيابية الملزمة لتسمية رئيس الحكومة؛ الذي هو أحد المداميك الرئيسة الثلاثة لحكم البلاد، والذي ينطوي تحت عباءة كرسيه طائفة مؤسسة في البلاد.

 

فما هو المانع من إلزام فخامة الرئيس بمهلة لا تتجاوز العشرة أيام دستوريا لإجراء المقتضى القانوني الدستوري في تكليف رئيس حكومة جديد؟ وبالمقابل ما المانع من إلزام رئيس الحكومة بمهلة لا تتجاوز الشهرين للتأليف وإلا الاعتذار وتكليف شخصية أخرى؟

واقع الأمر أن اتفاق الطائف يوم توقيعه كان يسير مع راعيه الإقليمي الذي خرج في العام 2005 من لبنان، والذي كانت توكل إليه في تلك الحقبة مهمة تفسير الطائف بما ترتضيه مصالحه العربية والعالمية والشواهد كثيرة.

إن لبنان الصيغة والدولة والوفاق الوطني بحاجة إلى لحظة تبصر وحكمة والعودة إلى لبنان الميثاق، لأنه لا لبنان بلا ميثاق، ولا لبنان بلا جناحين، ولا لبنان بلا مسلمين ومسيحيين معا وعلى قاعدة المواطنة والكفاءة. إن العالمين بحال الإقليم يدركون حجم المخاطر القادمة والمحيطة بلبنان والمنطقة، لذا حذار اللعب في زمن الوقت المستقطع إقليميا ودوليا، لأن التكلفة ستكون باهظة ومؤلمة للجميع على حد سواء.

التعليقات (0)